ثقافة وفن

فرقة يائيل للرقص المسرحي… جراحٌ من التعب يداويها الشغف

| أحمد محمد السح

يجمعهم حب الرقص والتعبير بالجسد عن الأفكار، عابرين شغفهم وأعمارهم ليحاولوا الانطلاقة بفرقة راقصة أسوة بفرق الرقص السورية التي حققت نجاحات واسعة قبل الحرب، وتركت بصمةً لفن الرقص المسرحي عبر العالم ليس في سورية فقط، فرقة يائيل للرقص المسرحي نشأت قبل أشهر قليلة بشغف شاب هو إياد السبع جذب إليه عدداً من الشباب والشابات من أعمار مختلفة ليتكاتفوا في هدف واحد هو الانطلاق بهذه الفرقة رغم كل الظروف والصعوبات التي تحيط بهم. عن هواجسهم وشغفهم ومشكلاتهم نتحدث معهم حين كانوا جزءاً من مسرحية حفلة على الخازوق للمخرج زيناتي قدسية.
نبدأ بالسؤال عن الدافع الأساسي للانضمام لفرقة رقص في هذه الظروف فيجيبنا زين العيسى راقص في الفرقة: (يتشارك الجميع بقضية الحب للرقص، والتفريغ عن الطاقة المتراكمة في ظل ظروف الضغط التي أحاطت بالجيل الشاب) ويؤكد زميله مهند صالح: (نختار اليوم الرقص المسرحي لأنه يتقاطع مع حبنا للتمثيل فالتجسيد الراقص للشخصيات يعطينا دفعاً أكبر).
عادة في الفرق الراقصة تشتهر الفرقة باسمها وشخصها المستقل ولا يشتهر أفرادها، هنا نحن نتحدث عن ذوبان الأنا في الكل.. ألا تحتاج أناكم كراقصين أن تتضخم قليلاً؟ فتجيب الشابة شام: (تولد روح التحدي بين الجميع، من خلال الجهد الذي تبذله، ويؤمن كل منهم بأنه من الممكن أن تتطور خبراته من خلال هذا التحدي) وتقول صديقتها لمى: (بالنسبة لي هذا المكان هو عائلتي الثانية، لقد سافر معظم إخوتي خارج البلاد، آتي إلى هنا حباً بالرقص، وتفريغ شحنات طاقتي، وفي الوقت نفسه هؤلاء هم أصدقائي، وأحبتي في الفرقة) ويعبر داني العيسى عن حبه للفرقة كلها: (أنا جديد في الفرقة، وأشعر أن جو الفرقة مريح لأنه يشمل الجميع بكثير بالحب، من دون تأثير سلبي للفرقة).
نسأل إياد السبع مؤسس الفرقة عن المال والوضع الاقتصادي، والأجور والرسوم فيقول: (لا يوجد دعم مالي حالياً لأننا يجب أن نتعب لنثبت أنفسنا، لأننا تواصلنا مع الجهات الرسمية، حتى الآن يبدو دعمهم معنوياً وليس دعماً مادياً. لأنهم يجب أن يشاهدوا عملنا واجتهادنا، حتى يعترفوا بنا ويقدموا لنا الدعم، نحن نستخدم كل الإمكانات، تجمعنا هذا عبر الفيسبوك واليوتيوب، وكنا قد شاركنا في افتتاح معرض دمشق الدولي كجزء من فرقة آرام، واليوم نحن جزء من العرض المسرحي، «حفلة على الخازوق» نحن نسعى لاستعادة الطابع الذي خسرناه بعد عام 2011، لفن الرقص، اليوم معظم الوجوه التي رقصت في سنوات مجد هذا الفن بدأت قبل عام 2009، وما زالت تعمل لكن هذه الفرقة تعود لتجمع وجوه شابة استجلبتهم من مدارسهم وجامعاتهم ليعبروا عن حبهم لهذا الفن عملاً).
في بلدٍ صار طابع الحرب القاسية السمة التي تلتصق بها لا بد أن نسأل عن نظرة المجتمع للرقص المسرحي، فيجيب نور الدين حمدان: (تتغير نظرة الأقارب والأصدقاء غير المهتمين بالرقص، عندما يشاهدون عرضاً راقصاً لنا، فتتغير النظرة الانتقاصية لهذا الفن لتتحول بانقلابة تامة إلى احترام لهذا الجهد ومن ثم الانطلاق وربما للانتماء للفرقة) ويتوسع داني العيسى بالإجابة فيقول: (كنت أرقص رقصاً لاتينياً، ثمة أناس يحاربون الرقص لأنهم يحاربون الثقافة، فمن يرفض الكتاب والمسرحية والسينما نفسه يرفض الرقص لأنه يرفض الثقافة والانفتاح على الآخر. من يعرف الثقافة يعرف أن هذا النوع من الرقص كان قد استخدم في طقوس العبادة قبل أكثر من 5000 سنة، في معابد سورية الدينية قبل الرسالات السماوية، أنت تتقرب من الآلهة بشكل من الرقص التعبيري المسرحي. الرقص هو صلاة الروح) هنا يشجعهم مؤسس الفرقة إياد السبع ويقول: (هؤلاء الشباب لم يدخلوا مدارس أو جامعات ومنهم من رفض في المعهد العالي للرقص، لأسباب مختلفة قد تكون الواسطة أو عدم أدائهم الصحيح، ومن الراقصين اليوم المحترفين هم فاشلون في أدائهم الراقص، ونحن نرفع شعار «المستقبل إلنا»).
عرفتهم من خلال عرض حفلة على الخازوق، التجربة الأقوى لانطلاقتهم هذا يدفعنا للتساؤل عن شعور الانتماء لجزء من عرض مسرحي لمسرحي أصيل كزيناتي قدسية؟ فتجيبنا روان الحسين: (في البداية ارتبكنا لأننا لم نكن نعرف ما جو المسرحية، وقمنا بحضور المسرحية بروفات لمدة ثلاثة أيام) ويزيدنا سيف: (ازدادت المسؤولية علينا لأننا جزء من هذه العمل. فنحن فرقة عمرها أربعة أشهر فقط وصرنا في عرض مسرحي ناجح يتم تمديد عرضه لثلاثة أيام إضافية نظراً لإقبال الجمهور عليه).
عن تصميم المسرح الراقص وارتباطه بالدراما يوضح إياد السبع: ( الفرق بين المسرح الراقص الدرامي، تشعر بمحدوية فضائك الراقص بما يتناسب مع أجواء العرض، أما في مساحات كاملة لك في عروض كانت عظيمة ما قبل الحرب في سورية مثل «سحر الشرق، هواجس الشام، أبناء الشمس، والإلياذة الكنعانية وغيرها الكثير» أنت تملك المساحة كلها والفضاء كله لتصميم الرقص الذي تريده. اليوم أصبح لدينا نقص في عدد الراقصين في سورية، كثيرون منهم سافروا، قبل 2011 كان عدد الراقصين في دمشق وحدها أكثر من 5000 راقص وراقصة، أنا طموحي اليوم أن أصنع راقصين، عندما يصعدون لطموحهم يستطيعون الوقوف في مكانهم الصحيح خارج البلاد وداخلها).
لكن مشكلة المكان تطل برأسها فالأجور غالية والفرقة لا تملك مكاناً خاصاً للتدريب، هنا يشرح لنا إياد السبع: (نحن لا نملك مكاناً خاصاً.. وكانت الأجور مقابل حفلات نعملها، وتدربنا في جرمانا في صالة صغيرة جداً كانت أجورها 150 ألف ليرة سورية في الشهر، وكنا نتعاون كلنا حتى الراقصون لتقاسم الأجرة، وانتقلنا إلى هنا وكان الاتفاق مع الأستاذ زيناتي، أن يكون لنا ساعتان قبل العرض لنستفيد من خشبة المسرح للقيام بتدريباتنا، وبعد نهاية العرض سنعود للبحث عن صالة أخرى، لدفع أجور من جديد، لأننا لا نملك مكاناً، وهو أهم مكونات الفرقة المسرحية الراقصة. مع العلم أن هناك أماكن كثيرة فارغة في دمشق لا يستخدمها أحد، حكومية أم خاصة من الممكن لنا أو لغيرنا أن يستغلها بما يفيد نشاطات كهذه. الأجور في المسرح طبعاً لا تغطي أجور المواصلات للراقصين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن