ثقافة وفن

سورية من أهم المناطق التي أضاءت طريق الحضارات … وزير الثقافة لـ «الوطن»: المتاحف مرآة الشعوب وإعادة الافتتاح رسالة دالة على قوة سورية

| سوسن صيداوي- «ت: طارق السعدوني»

الأثر السوري ماركة مسجلة وعلامة مميزة تدل على إرث حضاري مبتكر ومتنوع جداً وغنى المزيج الثقافي الذي عاشته الشعوب السورية المتتالية على المنطقة والتي جدّدت عبر إبداعاتها في تكاوين الحضارة الإنسانية العالمية، هذا رأي كل من العلماء والمختصين والمهتمين الذي جاؤوا محتفلين بعودة افتتاح المتحف الوطني في دمشق، الذي فتح أبوابه- بعد إغلاقها سبع سنوات من الحرب، محتضناً نحو خمسمئة قطعة أثرية، يقدمها لنا من عصور أربعة: ما قبل التاريخ، والعصور التاريخية، والعصر الكلاسيكي، والعصر الإسلامي، بعد أن بُذلت التضحيات والجهود والمساعي من الجيش السوري الباسل والجهات المعنية والمختصة والأهالي لاستعادتها وترميم ما تمّ تخريبه منها على أيدي ما نستطيع تسميتهم بأبناء قذارة الجهل وبشاعته. عاد المتحف مرحباً بزواره متضمناً مؤتمراً دولياً حول المتاحف، مع العديد من الجلسات والندوات-المستمرة ليومين-المتنوعة العنوان والمهتمة بقضايا التراث الأثري السوري، وبمدى عمق إبداع الفن السوري في تجلياته المتنوعة عبر العصور، وبشأن الأضرار التي أصابت المناطق والمدن الأثرية، مع بحث في إستراتيجيات حماية المتاحف السورية في ظل التأكيد على دورها الحقيقي في بناء المجتمعات تربوياً واقتصادياً ودورها في نشر الرسالة الحضارية والسلام، مع الكثير من العناوين التي طُرحت، إضافة إلى إقامة معرض للصور مواكب لهذا الحدث.

افتتاح مبارك

افتتح محمد الأحمد وزير الثقافة المتحف الوطني في دمشق، والذي يضم أكثر من خمسمئة قطعة أثرية، بحضور مميز من كل المهتمين والمختصين والإعلاميين، وفي تصريح للصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة عبّر الوزير عن سعادته وفرحته البالغتين بهذا الحدث «مبروك لسورية، مبروك لدمشق، ومبروك للثقافة السورية عودة المتحف الوطني في دمشق. نحن نعيش فرحة حقيقية بعودة هذا المتحف الذي يعتبر مرآة للحضارة السورية بكل تدرجاتها وألوانها بعد توقف دام سبع سنوات نتيجة الحرب الظالمة التي شنت على سورية، وعلى أوابدها الأثرية بل على كل قيمة حضارية يحتويها هذا البلد العزيز، حقيقة نسجل الشكر لمديرية الآثار والمتاحف حيث بذلت الجهد الكبير لتقديم وافتتاح متحف يليق بدمشق، فالقطع المعروضة هي جزء مما سيحتويه في المستقبل العاجل، وسنفتتح أقساماً جديدة غير التي افتتحت بهذه المناسبة، وهي تصف المتحف لعصور أربعة:عصور ما قبل التاريخ، والعصور التاريخية، العصور الكلاسيكية والعصور الإسلامية. ومن سيتجول بالمعرض فإنه سيدرك الحقيقة التي لم تعد مخفية على أحد، بأن الحرب التي شنت على سورية هي لفصل الإنسان السوري عن ماضيه وتاريخه ومحاولة لمحو ذاكرته، وهذا رأينا في الخراب الذي تعرضت له حلب ودير الزور من خلال سرقة المتاحف والتنقيب غير المشروع».
وعن الرسالة التي توجهها سورية إلى كل العالم من خلال هذه المناسبة يقول الوزير: «إن المتاحف هي مرآة الشعوب التي ترى فيها وجهها الحقيقي، وتتعرف من خلالها إلى جذورها الحضارية، ومدى إسهامها في صياغة قصة الحضارة الإنسانية، وإعادة افتتاح المتحف الوطني في دمشق وهي رسالة على قوة سورية، وبأن الأمن والأمان قد عادا إلى ربوع دمشق الحبيبة، وآن الأوان لكي تعود كل الأنشطة ولاسيما الأنشطة الثقافية، فلقد عاد معرض الكتاب، كما عاد معرض دمشق الدولي، وكنا منذ فترة قريبة افتتحنا معرضاً للآثار المستردة -نحو خمسمئة قطعة أثرية- تعود لمختلف العصور التاريخية في دار الأسد للثقافة والفنون في دمشق، وهنا أسجل التعاون المشترك بيننا مع وزارة السياحة وأوجه لهم كل الشكر». وأردف السيد الوزير: «أؤكد لكم، أن هذا الافتتاح ما كان ليحصل لولا انتصارات جيشنا الباسل، والتضحيات الكبيرة التي قدمها ضد كل قوى الإرهاب الذي دمر مئات الأبنية التراثية ونهب آلاف التلال الأثرية. لقد استرد جيشنا أكثر من تسعة آلاف قطعة أثرية منذ بدء الحرب وحتى الآن، صادرها من المواقع التي جرى تحريرها. وحقيقة كل الشكر للسيد الرئيس بشار الأسد، فخلال كل سنوات الحرب الشرسة، وفي أصعب اللحظات، كان يتابع العمل الأثري بتفصيلاته اليومية، وكنا نتلقى توجيهاته بهذا الخصوص».
وفي كلمته خلال الافتتاح أشار وزير الثقافة إلى تميّز المتحف الوطني في دمشق على اعتباره أحد أهم متاحف العالم، لما يحتويه من مقتنيات فريدة ونادرة ومميزة تمثل عصارة جهد وفكر السوريين عبر مختلف العصور، وتشكل شاهدا حياً على حيوية وقدرة هذا الشعب على العطاء والبقاء والتشبث بالأرض وإعلاء شأن الحضارة.
وحول تميّز الأثر السوري عن غيره من الآثار الحضارية العالمية يقول وزير الثقافة: «توجد آلاف المواقع الأثرية في كل أنحاء العالم، لكن ليس لها الصبغة العالمية التي تتصف بها المواقع الأثرية السورية الناجمة عن الموقع الإستراتيجي الذي حبا به اللـه هذا البلد، وهذا ما جعل منه قبلة علماء الآثار من كل أنحاء العالم، قبل بدء الحرب الظالمة التي شنت على بلدنا الحبيب، فبلغ عدد البعثات الأثرية التي كانت تعمل في ربوع القطر نحو 140 بعثة، بينها مئة بعثة أجنبية، قدّمت أهم الاكتشافات المادية والمعنوية والروحية، والتي أثبتت علو شأن الثقافة والإبداع السوري عبر مختلف الحقب. وقد أقرّ معظم العلماء الذين عملوا في هذه المواقع، أن سورية كانت من أهم المناطق التي أضاءت الطريق، وأرست الأسس التي سارت عليها البشرية، لتصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار.
ولهذا السبب كان التراث الثقافي السوري هدفاً دائماً للإرهابيين على اختلاف تسمياتهم وألوانهم، وبكل المناطق التي احتلوها، فقاموا بهمجيتهم المعهودة بالفتك بالمواقع الأثرية فخربوا التلال ونهبوا ما تحتويه من كنوز ولقى، ودمروا الأوابد والصروح الأثرية في تدمر وحلب ودير الزور والرقة وإدلب والمدن المنسية ودرعا، وكل المناطق التي وصلت إليها أياديهم القذرة. هذا علاوة على سرقة المتاحف وبيع مقتنياتها، كما حصل في متاحف إدلب والرقة وبصرى الشام وقلعة جعبر وغيرها».
تسعة آلاف قطعة أثرية
من جانبه أشار د. محمود حمود المدير العام للآثار والمتاحف، إلى أن قرار وزارة الثقافة- مديرية الآثار بإغلاق المتحف كان قراراً فرضته سنوات الحرب حفاظاً على المقتنيات من كل أشكال التهديد الذي قد تتعرض له خلال الهجمة الإرهابية التي لم توفر معها تخريب أي من البشر حتى الحجر «لقد تعرض التراث الثقافي السوري على أيدي العصابات الإرهابية لشتى أنواع التنكيل والاستباحة التي لم يعرفها تراث أي شعب في العالم، فعلاوة على نهب محتويات عدد من المتاحف ومنها:إدلب والرقة وقلعة جعبر وحمص وبصرى الشام وتدمر، فقد تم تدمير عشرات الأبنية المسجلة على قائمة التراث الوطني، كما في تدمر وحلب ودرعا وإدلب ودير الزور والرقة. كما فتكوا بالتلال الأثرية في كل مكان وصلوا إليه، فتم حفرها بشكل عشوائي وتخريب طبقاتها الأثرية بحثاً عن الكنوز واللقى الثمينة لتهرّب وتباع في الأسواق والمزادات العلنية في كل أنحاء العالم أمام أعين السلطات من دون الاكتراث لقرارين دوليين صدرا عن مجلس الأمن الدولي بمنع المتاجرة في الآثار السورية والعراقية.
وتابع حمود: إن افتتاح المتحف الوطني مجدداً هو رسالة تحد ورواية انتصار ثقافي طالما تنعمت به دمشق العاصمة «من خلال افتتاح المتحف الوطني في دمشق، نقول للعام بأننا انتصرنا على الإرهاب وانتصرت الثقافة على التخلف والجهل، وهذه محطة من محطات الانتصار على الأراضي السورية كلها، وفي هذه المناسبة لابد من التعبير عن امتناننا للجيش العربي السوري بقيامه ببذل كل التضحيات لحماية كل المواقع والتلال والأبنية الأثرية التي ظلت تحت حماية الدولة، إضافة إلى استعادة آلاف القطع الأثرية التي عُثر عليها في مختلف المناطق التي دخلها الجيش بعد طرد الإرهابيين والتي بلغت نحو تسعة آلاف قطعة أثرية».

الحدث استثنائي
من جانبه تحدث مدير شؤون المتاحف ومعاون مدير عام الآثار محمد نذير عوض عن أهمية افتتاح المتحف من جديد «بداية نحن نصف هذا الحدث بأنه استثنائي، نعلم تماماً وبالتفصيل مدى الصعوبات التي كادت أن تحول دون افتتاح المتحف الوطني في دمشق، صحيح أن الأزمة إلى انحسار إلا أن هناك الكثير من الحصار، وهناك الكثير من المشكلات والعقبات مع نقص الأدوات والكوادر، ولكن التصميم على افتتاح المتحف الوطني في دمشق يشكل استثناء لرمزيته وقوته الحضارية وموقعه الحضاري بين متاحف كثيرة، حتى لو كان هذا المتحف بأقسامه ومساحته صغير الحجم من حيث المكان، إلا أن ما يُعرض فيه من قطع استثنائية حضارية، تصنف متحف دمشق من أغنى متاحف العالم لكون سورية هي بلد غني بالآثار. لقد تم الافتتاح بدعم من وزارة الثقافة، ومتابعة من مديرية الآثار والمتاحف، وبجهود بذلت من جميع العاملين في الأيام الأخيرة، حيث تشابكت لافتتاحه ضمن فعاليات منها: مؤتمر دولي حول المتاحف ودورها في تعزيز الوطنية، ودور المتاحف الاجتماعية والتربوية والاقتصادية، ودور المتاحف في نشر الرسالة الحضارية ونشر السلام، إضافة إلى إقامة معرض للصور مواكب لهذا الحدث».

شهود على منارة ثقافية
من جانبه حدثنا مدير العلاقات الثقافية بمديرية الآثار والمتاحف فراس دادوخ عن شعوره حول إعادة الافتتاح: «نحن في هذه المناسبة شهود على عودة أهم متحف في سورية الوطن، مفتتحا للزوار من جديد بعد مضي سبع سنوات، وبعودته سيكون منارة للثقافة ولتعريف الأجيال عن أهمية الحضارة السورية وأهمية التراث السوري الموجود، وفي هذا الافتتاح ساهم معنا بالجهود شركاؤنا من الدول الأجنبية سواء الإيطالية أو الصينية واليابانية وغيرها، فهذه الشراكة تؤكد أهميتها في تطوير الكوادر وتأهيلها ودفعها للأمام كي نحصل على منتج ثقافي للمواطنين يظهر الوطن بأحلى حلة، وافتتاح المتحف الوطني هو باكورة الافتتاحات، وفي المستقبل سوف ننطلق لافتتاح بقية المتاحف في المحافظات كي تأخذ دورها على الطريق الطبيعي، وبالطبع السلام وعودة الأمان الذي يعم كل أرجاء الوطن سيكون نتيجة طبيعة لهذه الأعمال، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن معايير العرض في المتحف عالمية وهو يشكل سابقة، وسنسعى بأن تكون هذه المعايير موحدة في كل متاحف القطر».

المقتنيات نافذة على حضارة
بدوره أكد المفكر والباحث في التاريخ والآثار الدكتور علي القيم أن إعادة افتتاح المتحف ما هو إلا بوابة لبذل الجهود الحثيثة واستمرارها لاسترجاع كل أثر سوري تم نهبه «إعادة افتتاح متحف دمشق الوطني هو ظاهرة إيجابية فقد أغلق هذا المتحف نتيجة الأزمة منذ سبع سنوات، وقامت جهات مختلفة بإعادة ترميمه وإعادة النظر إلى هذه الآثار باعتبارها شاهدة على حضارة سورية القديمة، وأحب أن أشير إلى أن المتحف الوطني في دمشق بني عام 1936و أعيد تجديده في هذه الظروف الصعبة على سورية وعلى العالم، وأستطيع القول: إن معروضات المتحف بما فيها من ألق وجمال، هي نافذة كي نشاهد تاريخ وحضارة سورية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ أي مليون وثمانمئة سنة. من هذا المتحف نأمل بأن يكون العمل مستمراً والجهود المبذولة تبقى متحدة من أجل إعادة كل الآثار التي خرجت من سورية على أيدي المخربين الذين سرقوها ونهبوها ونقبوا عنها تنقيبا غير مشروع».

افتتاح أقسام أخرى
وأخيراً بيّن الباحث الأكاديمي في الآثار بسام جاموس أن هناك عدداً جديداً من الأقسام سيتم افتتاحها في القريب العاجل في المتحف «نحتفل بافتتاح القسم الكلاسيكي الذي يضم المقتنيات الأثرية التي تم اكتشافها في الشمال والجنوب السوري من الفترتين الرومانية واليونانية، والخطوة التالية ستكون بافتتاح أقسام أخرى. إعادة الافتتاح تمثل جهود جبارة وأيضاً للعلماء السوريين والأجانب والذين يعملون مع سورية لأكثر من ثلاثين سنة وجاؤوا ليشاركونا في هذه الاحتفالية الكبيرة. ولابد لي من الذكر بأن وزارة الثقافة قامت خلال الأزمة بتوثيق وأرشفة ووضع الخطط، لإنهاء عملية ترميم المواقع الأثرية التي دمرتها العصابات الإرهابية المسلحة، كما تم الانتهاء من أعمال الترميم في قلعة الحصن وهناك أعمال تجري في حلب وباقي المحافظات».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن