قضايا وآراء

أولوية الأمن القومي العربي

| نبيل الملاح

كنت قد خلصت في مقالٍ سابق بعنوان: «الأمن القومي العربي» إلى أن عالم اليوم وأكثر من أي وقت مضى وفي ظل الهيمنة الصهيونية يوجب على العرب إحياء مشروعهم القومي والدعوة إلى اتحاد عربي في عالمٍ لا يقيم اعتباراً للكيانات الصغيرة والضعيفة، وختمت مقالي بأنني مدرك أن الكثير سيقولون إن ما أطالب به وأدعو إليه هو «الحلم المستحيل» وأُجيبهم: إن الأمن القومي العربي ووجود العرب ومصيرهم بجعل هذا المشروع «مشروع الضرورة» ولا بد أن يتحقق في يومٍ من الأيام.
دفعني إلى كتابة هذا المقال ما يتم تداوله في الآونة الأخيرة عن مقتل الكاتب الصحفي «المتألق» جمال خاشقجي، واستنفار الغرب كله لمتابعة هذه القضية وتهيئة الرأي العام لفرض عقوبات على مرتكبي هذه الجريمة البشعة.
بداية فإنني أدين بشدة هذه الجريمة التي أعتبرها جريمة سياسية بامتياز، ولا بد من التعامل معها على هذا الأساس، إضافة إلى أنها جريمة ضد الإنسانية وحرية الرأي والتعبير بحق رجل كان سلاحه «الكلمة الناقدة» مع تمسكه بوطنه الذي ينتمي إليه، وهذا ما دعا البعض إلى وصفه «داعياً إصلاحياً»!
وأسأل قادة الغرب الذين يتحكمون بمجلس الأمن والمنظمات الدولية: أين أنتم من المظالم المثيرة التي وقعت في مختلف أرجاء العالم وعلى الأخص في منطقة الشرق الأوسط؛ فما زالت القضية الفلسطينية من دون حل رغم صدور العديد من القرارات عن مجلس الأمن وأهمها القراران 242 و338؛ بل تراجع العالم تراجعاً مريباً في حل هذه القضية بما يحقق للشعب الفلسطيني العدل والإنصاف لاسترجاع حقوقه المسلوبة، وكلنا يسمع اليوم ما يُقال عن «صفقة القرن» التي تتبناها إدارة الرئيس دونالد ترامب ويدعمها على ما يبدو بعض الأنظمة العربية!
وجاء قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس إعلاناً ضمنياً لهذه الصفقة التي بكل تأكيد لن يكتب لها النجاح وسترمى عاجلاً أم آجلاً في مزبلة التاريخ مع من يتبناها من الحكام العرب.
إن واقع العرب اليوم مؤلم ومحزن ويدعو إلى التشاؤم واليأس، لكن فلسفة الحياة وحقائق التاريخ وعبره، تدعونا إلى الدعوة لترتيب أفكارنا بما يجعلنا واعين لخلفيات ما يجري وأهدافه البعيدة والقريبة، وهذا يتطلب استنفاراً جدياً للمفكرين والسياسيين والإعلاميين لتقديم التحليلات والرؤى الدقيقة والعميقة لمختلف الأحداث والوقائع بعيداً من الغوغائية والانتهازية؛ انطلاقاً من مصالح الأمة العليا وإدراكاً لما يُحاك لها من مخططات تآمرية باتت واضحة ومعلنة، وعلينا أن نتذكر ما قاله ابن رشد بأن العرب لن يتقدموا إلا إذا غرست فيهم الحس النقدي.
ومن هذا المنطلق أعود إلى قضية مقتل جمال خاشقجي، وأؤكد أنها جريمة بشعة بكل المقاييس، ويجب محاسبة الذين خططوا ونفذوا هذه العملية المدانة قانوناً وأخلاقياً وإنسانياً وسياسياً، لكن لا يجوز بحال من الأحوال استغلالها لتحقيق أهداف ومصالح غير أخلاقية وتصب من حيث النتيجة في خدمة المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى تحطيم الكيان العربي وطمس الهوية العربية.
ولا يجوز لأميركا والغرب عموماً أن يجعل قضية خاشقجي وسيلةً لابتزاز دولة عربية؛ بل عليهم وفقاً لمبادئ الحق والعدل أن يعملوا على محاسبة من اقترف هذه الجريمة بالتحديد، وأن لا تكون نصرة حقوق الإنسان انتقائية ومزاجية وعلى حساب الشعوب.
إن الرأسمالية المتوحشة تتجلى اليوم بوضوح في إدارة ترامب ومخططاته ومشاريعه التي باتت تخضع للصهيونية العالمية، وما تقدم يدعو إلى إعطاء الأولوية، بل الأولوية المطلقة، للأمن القومي العربي الذي بات مهدداً تهديداً جدياً وخطيراً.
هذه مسؤولية الجميع حكاماً ومحكومين، موالين ومعارضين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن