قضايا وآراء

متأخراً تسعة عشر عاماً

| مصطفى محمود النعسان

أعلن المجلس الوطني الفلسطيني تعليق الاعتراف بـ«إسرائيل» وإنهاء جميع عمليات التنسيق الأمني معها، وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي.
كما أعلن إنهاء جميع التزامات السلطة تجاه «إسرائيل» إلى حين الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس، والحقُّ أن القرار الفلسطيني هذا جاء متأخراً تسعة عشر عاماً ذلك أن اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993 تنص في أحد بنودها على إكمال تنفيذ الاتفاقية خلال مدة أقصاها خمس سنوات، أي حتى نهاية عام 1998.
كل ما منحته اتفاقية أوسلو للفلسطينيين هو الاعتراف بدولة فلسطينية ولكن بالاسم فقط ذلك أنها منزوعة من السيادة على الأرض بل ومن كل سيادة.
لقد قسّمت أوسلو الضفة الغربية إلى ثلاثة أقسام أ، ب، ج، وبينما تقع المنطقة أ التي تبلغ 17 بالمئة من أراضي الضفة تحت إدارة السلطة الفلسطينية، فإن المنطقة ب ونسبتها 24 بالمئة من أراضي الضفة تخضع لإدارة مشتركة فلسطينية إسرائيلية، على حين بقيت المنطقة ج ونسبتها 59 بالمئة تحت إدارة السلطات الإسرائيلية، وكل ما جنته السلطة من إدارتها للمنطقة أ هو أنها وقعت في نزاع مسلح مع شقيقاتها في النضال حماس والجهاد الإسلامي، ووجهت الفصائل الفلسطينية في فترة من الفترات البنادق إلى صدور بعضها بعضاً بدلاً من توجيهها إلى العدو المشترك، وهو الكيان الإسرائيلي مع ما خلفه ذلك من أزمة ثقة بين الفصائل التي ما زالت تداعياتها وآثارها ماثلة حتى الآن، ذلك أنه رغم كلّ الجهود المبذولة لم يتم التوصل إلى اتفاق من مصالحة بين هذه الفصائل، وهو ما تعده إسرائيل، مكسباً كبيراً من مكاسب اتفاق أوسلو التي لا تعد ولا تحصى.
كما أن عدد المستوطنات زاد خمسة أضعاف أو أقل بقليل بعد أوسلو وحتى الآن عما كان قبلها، وأحاطت المستوطنات بالقدس المحتلة وطوقتها من كل صوب.
قطّعت الطرقات الالتفافية التي تربط المستوطنات أوصال الضفة الغربية مع ما تبع ذلك من مصادرة أراضٍ زراعية وتجريفها من الأشجار زيادةً عن تلك التي تمت مصادرتها لتنفيذ الجدار العازل، ومجموع هذه الأراضي يمثل نسبة لا يستهان بها من أراضي الضفة الغربية ناهيك عن هدم بيوت ومساكن الفلسطينيين بحجة عدم الترخيص تارة أو لوقوعها ضمن الأراضي المستملكة للنواحي المذكورة أنفاً تارة أخرى.
من المعيب والمخجل جداً فيما نجم عن اتفاق أوسلو السيئ الصيت، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقبله ياسر عرفات كانا يحتاجان إلى إذن من السلطات الإسرائيلية بالدخول والخروج من أريحا وإليها.
هذا غيضٌ من فيض فيما يخص الممارسات الإسرائيلية التي خلفها اتفاق أوسلو ناهيك عمّا خلفه من سياسات أميركية منحازة كلياً إلى إسرائيل، انتهت فيما انتهت إليه بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وعدم الاعتراف بحق العودة ونزع الاعتراف بـ«أونروا» وتأييد «يهودية الدولة» الإسرائيلية وما إلى ذلك من سياسات إسرائيلية وأميركية كان سببها الهوان الفلسطيني الذي يعد اتفاق أوسلو سبباً رئيساً له.
من المعلوم أن أوسلو أجهض الانتفاضة الأولى وجاء في وقت كانت فيه الانتفاضة تتجه من المواجهة بالحجارة وما كبدته للكيان الإسرائيلي من خسائر اقتصادية وإحراجات وإرباكات سياسية كانت تتجه إلى الانتقال إلى المواجهة المسلحة التي هي بحق الطريق الوحيد لنزع الاعتراف بالحقوق الفلسطينية المشروعة.
على أي حال أن تأتي متأخراً ولو كثيراً، خير من ألا تأتي أبداً، ذلك أنه بلا شك سيكون للقرار الفلسطيني المذكور تداعيات خطيرة وإحراجات لها أول وليس لها آخر للكيان الإسرائيلي، وكذلك للإدارة الأميركية بل لعربان الخليج ولاسيما سلطنة عمان وقطر والسعودية الذين يتسابقون في عمليات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بحجة أن أهل القضية باعوها!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن