ثقافة وفن

الثقافة الإلكترونية… أثـرها السلبي في العقل والتربية

| هناء أبو أسعد

جاءت المعلوماتية لتقدم الكثير من المعرفة والفائدة للمجتمع، حتى أصبحت أهم وسيلة لتنامي الثقافة وأصبحنا في عصر الثورة الإلكترونية المعرفية باستخدام الحاسوب والإنترنت والهواتف الذكية ودخلنا في عالم ما يسمى «الثقافة الإلكترونية» وهي قدرة الفرد على التواصل مع الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
لكن هل الاستخدام المكثف للإنترنت يؤثر سلباً في العقل البشري وهل سهولة البحث عن المعلومة تؤدي إلى تجميد التفكير والعقل وتصديق كل ما ينشر وعدم التعامل مع ما نراه بجدية بل نصدق كل ما ينشر؟

واقع الثقافة الإلكترونية ومستقبلها
الثقافة الإلكترونية باتت ضرورة ملحة في حياتنا اليومية، لما يشهده عصرنا الحالي من تطور كبير في التقنيات الإلكترونية، حتى أصبح أي مجتمع بعيد عن مواكبة التقدم الإلكتروني مجتمعاً متأخراً عن الركب العالمي، وقد أوضحت تقارير كثيرة صدرت عن مراكز بعض البحوث للاستفسار عن واقع الصحافة الإلكتروني أن نسبة كبيرة جداً من الشعوب تتجه إلى الإنترنت لمعرفة الأخبار، في مقابل انخفاض قراء الصحف المطبوعة أو الورقية. وقد يكون من المنطقي جداً تغلب الصحافة الإلكترونية والإعلام الإلكتروني بشكل عام تماشياً مع واقع العصر الذي نعيشه، ومستقبل الأجيال القادمة التي ستكون بالطبع أكثر استيعابا واعتماد وتأهيلا لذلك. وبات للثقافة الإلكترونية تأثيراً واسعاً في الحياة الثقافية، وخاصة رواج إنتاج الكتب الإلكترونية (الرقمية) والصحافة الإلكترونية على شبكة الإنترنت كوسيلة حديثة لنقل الأخبار والمعلومات لكل أنحاء العالم، وكذلك وجود الحكومة الإلكترونية والتعاملات المصرفية والتسويق الإلكتروني وغيرها من الخدمات الإلكترونية التي تقدم عبر الإنترنت تظهر مدى تقبل المواطن لذلك وحبه وتمسكه بهذه التقنية والثقافة الإلكترونية.

أثرها في العقل والإحساس
منذ زمن قال فلاسفة الرومان: «تكون في كل مكان، يعني أن تكون في لا مكان».
صحيح أن الإنترنت طور قدرات ذكائنا المرئي وساعدنا في سرعة البحث والاستكشاف، لكنه بالمقابل أضعف قدراتنا في التحليل وعمق التفكير. وبما أننا أصبحنا نعيش في عالم مزعج، مملوء بتنبيهات وإشعارات وبذكريات من وسائل التواصل الاجتماعية وعناوين الأخبار وتحديثات التطبيقات وما إلى ذلك، فنحن بحاجة إلى الهدوء والراحة، والقراءة هي القادرة على ذلك، لأنها تحفز عقلك وتعطي دماغك المزيد من المعرفة الجديدة التي يمكن أن تفتح لك وجهات نظر متعددة للقيام بشيء جديد.
بينت أبحاث قام بها البروفيسور ستيفن جونسون أن: قراءة الكتب المطبوعة، تخفض إثارة إحساساتنا وتقلل اضطراب انتباهنا، لتحول القراءة لنوع من التفكير العميق، ليصبح ذهن القارئ هادئاً، وليس كذهن مستخدم الإنترنت الهائج، كما توضح دراسات البروفيسور جون سويلر أن القراءة المطبوعة تقوي الذاكرة الدائمة، على حين يتعامل الإنترنت مع الذاكرة التشغيلية المؤقتة، التي تختفي معلوماتها بسرعة، فلا نستطيع ترجمة المعلومات فيصبح إدراكنا وفهمنا سطحيين. وقد اكتشفت تلك الدراسات أن متوسط مدة النظر في الصفحات الإلكترونية تتراوح بين 19 و27 ثانية، فيحاول متصفحو الإنترنت أن يجمعوا المعلومات بسرعة بتحريك العين والأصبع.
قال باحثون بريطانيون إن كثرة استخدام الإنترنت والهواتف المحمولة تؤدي إلى فقدان التركيز ونسيان المعلومات المهمة، وأوضح القائمون على الدراسة، وفقاً لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن الأشخاص الأكثر استخداماً للهواتف المحمولة والإنترنت هم الأكثر عرضة لارتكاب أخطاء ونسيان المعلومات وفقدان الانتباه اللازم، وقالوا إنه كلما زاد عدد المرات التي يستخدم فيها الشخص الإنترنت أو الهاتف المحمول زادت فرص مواجهته للالتزام بالمواعيد وإيجاد صعوبة في الانتباه خلال مشاركته في الحوارات ونسيان ما يبحث عنه، لأن كل شيء أصبح مرتبطاً بهاتفه المحمول. وقال الباحثون إننا نستخدم التكنولوجيا اليومية من دون أن نفهم مدى تأثيرها في عقلنا وإدراكنا وانتباهنا، وبسبب الاستخدام الخاطئ للأنترنت عند الكثيرين نجد أن القدرة على قراءة الكتب أصبحت معدومة، لأننا تحولنا إلى آلة تتصيد المعلومات وتجمعها، وبعدما كنّا زارعين لتلك المعلومة وموثقين لها، ضاع العقل البشري والإبداع في غابة الإنترنت الواسعة.
وقد أكدت الأبحاث أن الإنترنت جعل الناس يفقدون قدرة الإحساس والانتباه وعوضوا عنهما بإشارات «سمايلات»، وأن قارئ الإنترنت ينتقل بسرعة من صفحة لأخرى بطريقة عشوائية، فتكون قراءته سطحية ويبتعد عن التعمق في المفردات، بل يقفز من فقرة لأخرى بسرعة البرق، متناسياً أن خلاياه العصبية تحتاج لوقت للتنسيق مع بعضها وحفظ المعلومة لتبقى في الذاكرة الدائمة للمخ، وهو بذلك لا يعطي المهلة الكافية للمخ وخلاياه بأن يحتفظ بالمعلومة، كل ذلك ومع الاستمرار يؤدي ذلك إلى ضعف القدرات العقلية ويؤخر ثقافة التواصل البشرية.
فالثقافة ليست أرقاماً تكنولوجية، ولتبقى ثقافة حية، تحتاج إلى صقلها بالتفاعل مع الطبيعة والأشخاص، وكلما زاد اعتمادنا على الكمبيوتر لفهم العالم، فقدنا حسّنا بما يحيط بنا من طبيعة وأشخاص.

أثرها التربـوي
أصبح التّعليم مرتبطاً بشكل كبير بالإنترنت حيث اجتاحت الثقافة الإلكترونية العالم بأسره من أوسع أبوابه، وتركت أثراً امتزج بين السّلبيّة والإيجابيّة. وكشفت دراسة حديثة وجود علاقة بين استخدام الأطفال لأجهزة الهواتف الذكية واللاب توب وبين ضعف قدراتهم الحركية والعقلية، لهذا أصبح الهاجس الأكبر لدى الكثيرين هو أثر استخدام الإنترنت والثقافة الإلكترونية في الأجيال.
الشاب الذي يحصل على المعلومة بسهولة، يبتعد عن القراءة والبحث والتعمق في المعلومة، وهذا يؤثر بشكل تدريجي في استرخاء الأدوات العلمية المنطقية في التعامل مع المعلومات، وكذلك نشرها من دون التدقيق في صحتها، وكذلك يميل الأشخاص المدمنون على الإنترنت للانطوائيّة والعزلة، ويبتعدون عن الأصدقاء والعائلة، ولا ننسى أبداً هيمنة بعض الحضارات والثقافات واللّغات على الأخرى، حيث باتت الثّقافة الأميركيّة هي السّائدة بين الشّباب، وهذا ما رأيناها من برامج أعدها الأميركان ونفذوها في استخدام إعلامهم الإلكتروني في قلب المفاهيم وتشويه الحقائق التاريخية وخلق ما سموه «الربيع العربي» الذي دمر العديد من الدول العربية بفضل التكنولوجيا.
يقول البروفيسور نيكولاس كار: «نحتاج لتطوير عملية التفكير، إلى تعلم السيطرة على الوعي لاختيار ما نريد الانتباه له لتشكيل معنى للخبرات التي نعيشها، ويختلف ذلك عن تواصل الإنترنت الميكانيكي، الذي يضعف القدرات العقلية ويؤخر ثقافة التواصل البشرية. فالثقافة ليست أرقاماً تكنولوجية، ولتبقى ثقافة حية، تحتاج إلى صقلها بالتفاعل مع الطبيعة، وترسيخها وتجديدها في العقول جيلاً بعد آخر، وحينما ننقل الذاكرة البشرية لبنك معلومات آلي خارجي، نهدد التميز الفردي والعمق الثقافي المجتمعي، لتذبل الحضارة، وكلما زاد اعتمادنا على الكومبيوتر والإنترنت لفهم العالم الذي يحيط بنا، تسطح ذكاؤنا العقلي، وفقدنا توازن الذهن وحكمة العقل».

تُبعد الشباب عن الندوات
والمحاضرات الثقافية
ابتعد الشباب عن متابعة الفعاليات والنشاطات الثقافية، بسبب متابعتهم وتداولهم كل ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي، فشباب اليوم يميل إلى السرعة والاختصار في الوقت متأثراً بسرعة العصر وطبيعة شبكات التواصل الاجتماعي. الملأى بالمفردات والأشكال التعبيرية الثقافية التي تشد الانتباه.
يرى مراقبون أنه يمكن استقطاب الشباب وجذبهم إلى الفعاليات والنشاطات الثقافية وإحداث حراك ثقافي من خلال استثمار الفرص التي يعطيها العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي، وفي ظل تعدد الساحات الثقافية الداعمة لمبادراتهم وإيجاد البرامج الداعمة لهم بحيث يجدون فيها كل اهتماماتهم وتطلعاتهم، وأن تمتلك هذه الأنشطة الثقافية رصيداً من الحافز والدافع والتشويق والتناغم مع الفكر الشبابي في استخدام أساليب قائمة على الحوار والنقاش واللقاءات النوعية والجلسات التفاعلية ومشاركة الشباب في إعداد تلك الجلسات ومساهمتهم في بناء أجندتها وإدارة حواراتها واختيار موضوعاتها والتسويق لها عبر شبكات التواصل الاجتماعي والصفحات الإلكترونية وغيرها، فالشباب لن يجد نفسه في هذه الأنشطة ولا يشعر إذا لم تقدم له أي فائدة أو تناقش قضية تهمه أو تقدم دراسة أو بحثاً أو رؤية واقعية تقدم له الفائدة في حياته القادمة، يفترض أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي عامل جذب ودعم وبناء للمساهمات الثقافية الشبابية وليس عامل ابتعاد وهدم، فالشباب هم أمل الوطن وثقافتهم هي الأساس في البناء لأنهم صوت الوطن ولسان الشعب، لذا يجب أن نعمل على جذبهم وتفعيل دورهم الثقافي من «ندوات وحوارات ومباريات ثقافية ومسرح وشعر وسينما.. إلخ».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن