قضايا وآراء

هل يعود حكم الإدارتين الكرديتين في العراق؟

| أحمد ضيف الله

انطلقت في محافظات إقليم كردستان الأربع: أربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة، في الـ30 من أيلول الماضي، عملية انتخاب برلمان جديد للإقليم الذي يُعتبر بحسب النظام الداخلي لبرلمانه، دائرة انتخابية واحدة، حيث تنافس فيها نحو 709 مرشحين على 111 مقعداً برلمانياً، من ضمنها 11 مقعداً مخصصاً للأقليات بواقع 5 للتركمان، 5 للمسيحيين الآشوريين والسريان، ومقعد واحد للأرمن، عبر 29 قائمة وكياناً سياسياً.
ووسط تراجعٍ كبير في نسبة المقترعين التي بلغت 57.96 بالمئة، بالقياس إلى الدورات الانتخابية السابقة، تبادل الحزبان الحاكمان الرئيسان «الحزب الديمقراطي الكردستاني» برئاسة مسعود بارزاني و«الاتحاد الوطني الكردستاني» برئاسة عائلة الراحل جلال الطالباني، الاتهامات بارتكاب خروقات وعمليات تزوير، حيث أكد مكتب الانتخابات التابع للاتحاد الوطني الكردستاني، امتلاكه «أدلة وإثباتات تفيد بحصول تزوير وخروق على نطاق واسع، في مناطق بادينان وأربيل الخاضعة لنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني»، فيما أعلن مسؤول مكتب الانتخابات في الحزب الديمقراطي الكردستاني خسرو كوران خلال مؤتمر صحفي عن «رفع شكاوى رسمية إلى مفوضية الانتخابات تتعلق بخروق فاضحة حصلت، في مناطق كويسنجق والسليمانية الخاضعة لنفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني، إذ تم ضرب مراقبي الكيانات السياسية وطردهم».
بالمقابل وجهت كل قوى المعارضة للحزبين الرئيسيين ذات التهم، حيث قال النائب في «حركة التغيير» المعارضة هوشيار عبد الله في بيان له في الـ7 من تشرين الأول الجاري: إن «الحزبين الرئيسيين في الإقليم (الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني) استخدما الدوائر الاتحادية للقيام بتزوير هويات الأحوال المدنية وشهادة الجنسية العراقية بكثرة لغرض استخدام المستمسكات المزورة في تزوير الانتخابات والحصول على أصوات زائفة». وقد وصل عدد الطعون والشكاوى المقدمة إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بحصول تزوير وتلاعب إلى أكثر من 1045 شكوى.
وعلى الرغم من وعد مفوضية الانتخابات «بإعلان النتائج في غضون 72 ساعة من انتهاء عملية الاقتراع»، إلا أنها لم تعلن النتائج إلا في ساعة متأخرة من ليلة 20 تشرين الأول الحالي، بحصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على 45 مقعداً، من أصل 111 عدد مقاعد البرلمان، فيما حصل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على 21 مقعداً، وحركة التغيير على 12 مقعداً، وحراك الجيل الجديد على 8 مقاعد، والجماعة الإسلامية على 7 مقاعد، وقائمة نحو الإصلاح على 5 مقاعد، فيما توزعت باقي مقاعد البرلمان على باقي القوى المشاركة بمعدل مقعد واحد إلى مقعدين.
لقد فشلت أحزاب المعارضة الكردية مثل «حركة التغيير» و«الجماعة الإسلامية» و«الاتحاد الإسلامي الكردستاني» في تحقيق أي خرق جدي في مشهد سيطرة الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على برلمان الإقليم، وكان الخاسر الأكبر «حركة التغيير»، المعارض الشرس للحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان بفقدانه نصف مقاعده السابقة، حيث كان يشغل في البرلمان السابق 24 مقعداً، وبمقابل ذلك حصل «حراك الجيل الجديد» المعارض برئاسة ساشوار عبد الواحد الذي شارك في هذه الانتخابات لأول مرة على 8 مقاعد.
لقد انكسرت حالة التوازن في سياسة تقاسم المناصب بين الثقلين الرئيسيين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، مع إلغاء منصب رئاسة الإقليم الذي كان يحتله مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، واحتفاظ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بمنصب رئاسة جمهورية العراق لبرهم صالح.
وفي ظل حالة التوتر في العلاقة ما بين الحزبين الرئيسين وتصاعدها، نتيجة خلافاتهما على منصب رئاسة جمهورية العراق الذي طالب به الحزب الديمقراطي الكردستاني كنتيجة لاختلال هذا التوازن، بالنظر إلى ثقله الانتخابي في المجلس النيابي بحصوله على 25 مقعداً مقابل 20 مقعداً لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والنتائج الأخيرة لانتخابات برلمان إقليم كردستان فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني أمامه خياران لتشكيل الحكومة في إقليم كردستان، الخيار الأول، تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وهذا يحتاج إلى تهيئة الظروف والأجواء المناسبة لاحتواء الأزمة الأساس بينهما على خلفية انتخاب برهم صالح رئيساً لجمهورية العراق، خاصة بعد بيان رئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني في الـ16 من تشرين الجاري، بمناسبة الذكرى الأولى لإعادة سيطرة قوات الجيش العراقي على محافظة كركوك، التي كانت قوات البيشمركة الكردية قد استغلت انشغال الجيش العراقي بمقاتلة تنظيم داعش وسيطروا عليها، حيث قال: «إنه اليوم الذي تمت فيه خيانة آمال وطموحات شعب مظلوم بشكل دنيء، حيث تم التلاعب بمصير شعبنا عبر أيادٍ داخلية بصورة لا وجدانية، وفي إطار مؤامرة وقعت الأرض التي تم الحفاظ عليها بدماء الآلاف من أبناء هذا الوطن تحت الاحتلال والتدمير والإساءة لمقدسات شعب كردستان»، مضيفاً: «إننا لم نكن نتوقع أبداً أن تقوم أيادٍ داخلية بطعن شعب كردستان في ظهره بهذه الطريقة»، قاصداً بذلك حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي رد على ذلك في بيان مطول، قائلاً: «نقول للحزب الديمقراطي ورئيسه مسعود بارزاني، إنكم أرخص من يمكنه التحدث عن الخيانة لأن الخيانة تغلف تاريخكم وهي سمتكم الأبرز منذ تأسيسكم ولحد الآن»، ما يعني أن المشهد السياسي سيكون ساخناً على الساحة الكردستانية خلال الأيام المقبلة.
أما الخيار الثاني، فهو تشكيل حكومة أغلبية سياسية بالتحالف مع أحزاب صغيرة فائزة، وانضمام نواب الأقليات الذي يبلغ عددهم 11 نائباً له، من دون مشاركة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وهو من الناحية النظرية ممكن، ولكنه صعب في ظل الظروف والواقع الحالي في إقليم كردستان، إذ إن هناك واقعاً على الأرض لا يمكن تجاهله، كالتواجد العسكري والأمني والحزبي للاتحاد الوطني الكردستاني في منطقة نفوذه بمحافظة السليمانية التي تقارب مساحتها نصف إقليم كردستان. ومن ثم فإن أي حكومة تُشكل ولا تأخذ هذا الواقع بالحسبان بدقة وحذر فإنها ستدفع باتجاه العودة إلى نظام حكم الإدارتين المنفصلتين، واحدة في أربيل بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وثانية في السليمانية بقيادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، اللتين سبق أن نشأتا نتيجة القتال فيما بينهما بين عامي 1994 و2006.
بالمقابل، إذا لم تَحسم القوى السياسية الكردية مواقفها النهائية من النتائج الانتخابية، ورهنت موقفها بانتظار نتائج اعتراضاتها والتحقيقات الجارية بشأنها، لتحدد قرارها بالقبول بها أو رفضها، فإن التأخير سيؤدي إلى الدخول في فراغ قانوني، حيث تنتهي الدورة البرلمانية الحالية مطلع تشرين الثاني 2018، وسط ترجيحات بعدم تمكن الأطراف من تجاوز حال الشد والجذب القائمة خلال الفترة المتبقية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن