من دفتر الوطن

فيلمان دفعة واحدة

| حسن م. يوسف

لعبارة «فيلمان دفعة واحدة» وقع السحر في نفسي، لأنها تعيدني فتى غراً في الثالثة عشرة من عمري، أقف على عتبة سينما الفردوس في مدينة جبلة أنتظر أن يسمح لي بواب السينما (أبو عصام) بالولوج إلى ذلك الفضاء السحري مقابل فرنكاتي التي لا تكفي لشراء بطاقة.
وقد فرضت هذه العبارة نفسها كعنوان لهذا المقال بقوة الحنين، لأنني قبل أيام حضرت فيلمين في صالة واحدة، في يومين متتاليين، فيلم «دمشق حلب» للمبدعين دريد لحام وباسل الخطيب وفيلم «أمينة» للمبدع المتعدد أيمن زيدان.
كانت الجغرافيا قد حرمتني من حضور افتتاح فيلم «دمشق حلب»، لذا كان لابد لي من دفع سبعة آلاف وخمسمئة ليرة لقاء ثلاث بطاقات لحضور الفيلم في سينما سيتي. والحق أن سعر بطاقة الدخول لهذه السينما أذهلني لأنني في عام 1996حضرت في نيويورك فيلم «روميو وجولييت» الذي أخرجه باز لورمان، وقام بأداء أدوار البطولة فيه كل من ليوناردو دي كابريو وكلير دينس، ولم أدفع سوى أربعة دولارات! وهذا يعني أن ثمن بطاقة الدخول لفيلم محلي في سينما سيتي دمشق أغلى منها في نيويورك بدولار ونصف الدولار، رغم أن متوسط دخل الفرد السنوي عندنا هو ثمانمئة دولار ومتوسط دخل الفرد الأميركي السنوي هو 59 ألف دولار!
المهم هو أنني خرجت من فيلمي باسل الخطيب وأيمن زيدان أكثر اطمئناناً على مستقبل السينما السورية، وعلى مستقبلنا كسوريين. قد يبدو للوهلة الأولى أنه ليس من شيء مشترك بين هذين الفيلمين سوى أنهما عرضا في الصالة نفسها، إلا أن نظرة متأنية تكفي لكي نكتشف بعض الأشياء المشتركة بين الفيلمين؛ فكلاهما يدخلان إلى موضوع الحرب من بابها الخلفي، صحيح أن فيلم باسل الخطيب يمرر في سياقه عملية تفجير الإرهابيين للقصر العدلي في دمشق، إلا أنه لا يرصد الجبهات الساخنة بل يكتفي بالتقاط انعكاس صور الحرب على مرايا النفوس وتجليها في طباع المواطنين وسلوكهم.
في «أمينة» ثمة أم، تؤدي دورها الموهوبة نادين خوري، يعبر اسمها عن جوهر شخصيتها، تفقد رب منزلها، فتخوض معركة الدفاع عن أسرتها المتمثلة في وحيدها العسكري البطل الذي أصيب بالشلل التام والعجز عن النطق، وابنتها الشابة.
وفي «دمشق حلب» ثمة أب، يؤدي دوره باقتدار دريد لحام، وهو إعلامي من الجيل القديم يسافر بالباص كي يطمئن على ابنته المحاصرة مع أبنائها في أحد أحياء حلب، في كلا العملين ثمة حكايات فرعية وقصص حب وصداقة ومرارات، لكنهما رغم الفروقات الهائلة بينهما يلتقيان في الشجن السوري، وكل من الفيلمين يعبر بطريقته عن هذا الشجن، فنحن نشرق بالدمع عندما ينشد الأب دريد لحام «الله محيي شوارعكي يا بلادنا المنصورة» في آخر فيلم «دمشق حلب»، كما نشرق بالدمع مع الأم «أمينة» وهي تهوي من شاهق فرحتها عندما تحضر الكرسي الكهربائي لابنها إلى سحيق حزنها عندما تكتشف أنه قد مات.
لا يكتفي أيمن زيدان باكتشاف جمال السوريين كما فعل باسل الخطيب ودريد لحام، بل يحذر من دواعش الداخل الذين يكملون جرائم دواعش الخارج.
تحية للمخرجين المبدعين باسل الخطيب وأيمن زيدان ولكل من شارك في هذين الفيلمين المهمين وعلى رأسهم القديران دريد لحام ونادين خوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن