ثقافة وفن

بنية القصيدة في شعر ابن حيّوس الدمشقي … د. ريما إسماعيل الدياب: شاعر دمشق في عصر الاضطراب.. عاش الاغتراب وسكن قافيته

| سوسن صيداوي

جرى الكثير من الدراسات الأدبية في معالجة بنية النصوص الأدبية وفق نهج يقوم على إمعان النظر في لغة الشعر من جهة أنظمتها وأنساقها وعلاقة تلك الأنظمة والأنساق بما هو خارج البنى اللغوية لتلك النصوص، بغية التدليل على انفتاح تلك النصوص وحيويتها، ومعلوم أن ذلك النهج مع أنه يُثري معرفة القارئ بوظائف الوحدات اللغوية ونظامها كالترادف والتضاد وغيرهما، يُهمل الجانبين الفني والجمالي اللذين تشف عنهما نصوص الأدب عامة، من أجل ذلك رأت الكاتبة د. ريما إسماعيل الدياب في مؤلفها (بنية القصيدة في شعر ابن حيّوس الدمشقي) الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، أن بنية القصيدة في شعر ابن حيّوس وفق تصور منهجي يعيد النص الأدبي من جهة لغته ومن جهة أساليبه، إلى طبيعته الفنية والجمالية ومراعاة الجوانب الثقافية والاجتماعية فيه، لأنها تعي أن النصوص الأدبية ما هي في الحقيقة إلا جملة من الأنظمة اللغوية والفنية والاجتماعية والثقافية، لهذا كان لابد من معالجة البنى النصية وفق هذه الأنظمة المعرفية وتلك الأنساق الثقافية، لبيان حقيقة النصوص الأدبية التي تنطوي على أنظمة شتى.
تجدر الإشارة أن كتاب (بنية القصيدة في شعر ابن حيّوس الدمشقي) الصادر كما أسلفنا عن الهيئة العامة السورية للكتاب، من القطع الوسط مؤلف من ثلاثمئة وعشرين صفحة ومقسم إلى ثلاثة أبواب. وللمزيد نتوقف عند بعض النقاط.

حول اللغة والأسلوب
توضح د. ريما إسماعيل الدياب في مقدمة كتابها أن اللغة النصية لا يستخدمها الشعراء حسب دلالاتها المعجمية، وإنما تستخدم حسب سياقاتها الفنية والثقافية، مشيرة بأن هذه السمة قد برزت واضحة في شعر ابن حيّوس الذي يعد واحدا من شعراء المدح الكبار، فتقول «لذا وجد أمامه في هذا الموضوع ركاما لغويا هائلا كان شعراء المدح الكبار في العصور التي سبقته قد ثبتوا صوى لم يجد الشعراء المتأخرون بدّاً من تعاورها، وهذا ما شكل قيدا عند شاعرنا، إذ أراد أن يعبر عن ذاته وعن قيمه الاجتماعية في موضوع كاد يستوفي السابقون معانيه وأساليبه، لذا لم يجد محيصا من تجديد بنية القصيدة المدحية مستفيداً من معان وأساليب استمد بعضا منها من مجتمعه كما استمد بعضها الآخر من التراث». لهذا قامت الكاتبة في بحثها هذا بالتركيز على فرائده في هذا الباب، شارحة أن قضايا الأسلوب هي من أهم الركائز الفنية في بنية النص الشعري لديه.
وتضيف حول الأسلوب «دراسة الأساليب الفنية والرموز الثقافية ليست بشيء طالما أنها إمكانات متاحة للشعراء جميعاً، إلا إذا برزت أنماط منها عند هذا الشاعر أو ذاك لتعزز ظاهرة أسلوبية وصنيعا فنيا يخص هذا المنشئ أو ذاك، وابن حيّوس كان من أهم الشعراء الذين مهروا كثيراً من الأساليب الفنية والثقافية للتعبير عن ذاته، فقصيدة المدح في ضوء تلك الأساليب أصبحت صورة من صور الفن المجوّد، إضافة لكونها صفحة دالة على حال اللغة والثقافة في مجتمعه وعصره».
وتتابع د. الدياب في هذا الجانب: إن أهم ما يلفت النظر في شعر ابن حيّوس من جهة البنية اهتمامه البالغ في اتساق الوحدات اللغوية وانسجامها، واستخدام كثير من الوسائل لإبراز تلك المسألة، وهنا تُظهر الوظيفة الجمالية أبهى صورها، ولاسيما أن شعره من الناحية التصويرية قد انطوى على طاقات خيالية أسهمت في إيجاد تخييل ثري لدى السامع مما حقق لشعره وظيفة تواصلية إضافة لوظيفته الجمالية، ومن هنا اهتم الشاعر بوسائل الربط المختلفة لرصّ عباراته ضمن أنظمة لغوية كان من أبرز آثارها ظهور الوحدة الموضوعية والشعورية في عموم شعره».

الباب الأول
كما أسلفنا ينطوي الكتاب على ثلاثة أبواب، وفي الباب الأول الذي عنوانه: انسجام البنى النصية. اشتمل على فصلين كبيرين، في الفصل الأول عالجت الباحثة قضية الترابط والتماسك في نصوص ابن حيّوس، وذلك من خلال مصطلحي الانسجام الذي يختص بالتماسك المعنوي، والاتساق الذي يختص بالتماسك الشكلي، كما توقفت عند مفهوم الانسجام لغة واصطلاحا كي تعرّف القارئ من خلاله كيف دخل المصطلح مضمار التحليل النصي، وكيف ارتبط بالغرض والسياق فمثّل البنية الكلية للنص، حيث توقفت الباحثة د. الدياب على الفروق بين الانسجام والاتساق وركزت على أهم عناصر الانسجام المتمثلة بالمنشئ والمتلقي والنص، معرّفة على آليات الانسجام ومتحدثة عن التأويل مثل أهم الوسائل لإدراك الانسجام النصي، وإخراج مكنونات النص لتحديد المعنى والمقصد، وأما السياق فتقول الباحثة إنه يعد من عناصر الانسجام إذ ليس هنالك نص يمكن أن يوجد بمعزل عن سياقاته الاجتماعية والفنية، من أجل ذلك عرضت أهم العوامل المحددة للسياق وبيّنت أثرها في ثقافة النص.
أما في الفصل الثاني فعالجت آليات الاتساق النصي: فوضحت الكاتبة مفهوم الاتساق لغة واصطلاحا، وميّزت الانسجام والاتساق من المفاهيم المتداخلة كالسبك والحبك والالتحام، ثم تحدثت عن آليات الاتساق، فبدأت بالاتساق النحوي الذي اقتصر على الروابط اللغوية بين الجمل اللفظية منها والمعنوية، فكان العطف من أهم روابط الوصل وأدواته التي أسهمت في تراص البنى النصية، إضافة إلى التركيز على العديد من النقاط الأخرى.

الباب الثاني
تميّز هذا الركن من الكتاب بتكرار البنى النصية، وقد قسمته د. ريما إسماعيل الدياب إلى فصلين: الأول يتحدث عن ظاهرة التكرار عند الشاعر ابن حيّوس بوصفه نمطا أسلوبيا، حيث قامت بتعريف مفهوم الأسلوب ونمطه عند النقاد القدامى والمحدثين، وما يؤديه التكرار في إثرائه، من جهة التنوع. أما الفصل الثاني فتميز بالخصائص الأسلوبية للتكرار معتمداً في ذلك على الدراسة النصية ومشيرا إلى أهمية العلاقات الأسلوبية، مستعرضا ظواهرها عند البلاغيين العرب القدماء كعبد القاهر الجرجاني وعند الغربيين، وهنا قامت الباحثة بالتركيز على الانزياح والاختيار وتكرار سائر الأنماط اللغوية، متوسلا لبلوغ مراميه الأسلوب الإحصائي، وتحليل الجداول التي أعدّت لبيان الخصائص الأسلوبية في شعر ابن حيّوس.

الباب الثالث
هذا الباب قد عُني بدراسة البنية التصويرية في شعر ابن حيّوس، وقامت الباحثة د. الدياب بتقسيمه لفصلين، الأول: عنوانه مفهوم الصورة عند ابن حيّوس واستعرض فيه أنماط التصوير وأشكاله ودلالاته. أما الفصل الثاني فتحدث عن تشكيل الصور الذهنية والأسطورية والرمزية وبيان أثر تلك الصور في البنية النصية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن