قضايا وآراء

بالونات نتنياهو التطبيعية وحصاد هزائمه

| تحسين الحلبي

يكشف الصحفي الإسرائيلي، بن كاسبيت، في المجلة الإلكترونية «إيلمونيتور» أن الاستقبال «الملوكي» الذي حظي به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته وفريقه الكبير في مسقط، لم يكن وليد جهود شهر أو أسابيع، بل كان يجري الإعداد له واختيار وقته وعلنيته الصارخة على يد لجنة يقودها رئيس جهاز التجسس الإسرائيلي والمهام الخاصة «الموساد» يوسي كوهين.
ويبدو أن كوهين حرص بعد هذه الزيارة التي لم تتحقق من دون تنسيق وجهود مشتركة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزارة الخارجية الأميركية، متابعة ردود الفعل العربية الرسمية تجاهها، وحين فعل ذلك لابد أنه قال لنتنياهو إن إسرائيل شقت طريق انضمام دول أخرى في المنطقة لإجراء استقبال «ملوكي» آخر لنتنياهو.
القيادة الإسرائيلية تدرس كل الظروف والأوضاع المحيطة بها وتسارع إلى التدخل بها بغطاء أميركي لا يتوقف لتحقيق ما ترغبه، ففي عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون عام 1994 وتوقيع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين على اتفاقية أوسلو، قام رابين بصفته رئيس حكومة بأول زيارة إلى مسقط، واجتمع بقيادتها وكانت إسرائيل تستغل زخمها في صفقة أوسلو، لكن رد الفعل العربي تجاه زيارة رابين ثم زيارة رئيس الوزراء الأسبق شمعون بيريس عام 1996 العلنية كان على درجة كبيرة من الضعف، لأن اتفاق أوسلو في تلك الأعوام جعل إسرائيل تستغلها لا لتطبيق إجراءاتها بل في تطبيق تطبيع لعدد من الدول العربية مع إسرائيل وتبادل تمثيل على مستوى مكاتب دبلوماسية وليس سفارات، وهكذا افتتحت قطر مكتب تمثيل وكذلك عمان والمغرب وموريتانيا من دون أن تنفذ حكومات تل أبيب شيئاً من اتفاقية أوسلو بل رسخت من خلالها الاستيطان والحصار على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد تعمد رئيس الموساد، كوهين، تحديد توقيت زيارة نتنياهو في شهر تشرين الأول ليتصادف مع وجود وزيرة إسرائيلية في الإمارات وكأن كل ما يجري بين تل أبيب وبعض الدول العربية عفوياً، علماً أن معظم المسؤولين في عدد من الدول العربية كانوا يصرحون بأن أي إجراء كهذا في عمان أو أبو ظبي مرهون بمدى التزام إسرائيل وتجاوبها مع السلطة الفلسطينية والتقدم المطلوب في جانب تل أبيب في «العملية السلمية»، لكن الواقع العربي في المنطقة في ظروف زيارة نتنياهو لعمان والوزيرة، بيري ريجيف، إلى الإمارات يدل بشكل واضح ومنذ سنتين أو أكثر على توقف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وعلى توسيع الاستيطان وعلى قيام إسرائيل بهجوم أسبوعي على قطاع غزة يستشهد فيه الأطفال ويصاب فيه عشرات الآلاف من الجرحى منذ سنة تقريباً، وبالمقابل يرى قادة الليكود الذي يرأسه نتنياهو هو أن «الهجوم الإسرائيلي لتوسيع علاقات إسرائيل بعدد من الدول العربية يجري من دون ردود فعل تحرج هذه الدول التي تستقبل مسؤولين إسرائيليين»، وهذا يعني أن حكومة الليكود تستغل الفرصة بأوسع نطاقها لكي تحقق المزيد من الشروخ والانقسامات في الوضع العربي، الذي بدأت الجامعة العربية تتحول فيه إلى «شاهد زور» أمام ابتعاد دول عربية عديدة عن مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية في أدق مراحل تعرضها لهجوم تصفية أميركية إسرائيلية لن تتوقف أخطارها ونتائجها على الشعب الفلسطيني وحده بل على الأمن القومي العربي وأمن دول المنطقة كلها.
ومع ذلك لن تحصد إسرائيل سوى الأوهام من كل هذه الألاعيب التي تقوم بها على مسرح بعض الدول العربية، فالتاريخ خير شاهد ومعلم لمن يرغب في رؤية الحقيقة، ففي عام 1979 أخرج السادات مصر بموجب اتفاقية كامب ديفيد من دائرة الاصطفاف مع دول المواجهة بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد ثلاث سنوات استغلت حكومة بيغين التي وقعت على الاتفاقية، ظروف المنطقة وشنت حرب احتلال على لبنان عام 1982 وتصدت سورية بطائراتها وجيشها للعدوان ومعها المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية والفصائل الفلسطينية، وتمتن تحالف هذه القوى وتحرر لبنان وهزمت إسرائيل عام 2000 بفضل قوة «جبهة الشمال» كما تطلق عليها إسرائيل، وفي عام 2011 رأت إسرائيل «فرصتها الأخيرة» بموجب ما قال نتنياهو للتخلص من آخر الأعداء سورية وحزب الله وإيران وفصائل المقاومة الفلسطينية حين اجتاح عشرات الآلاف ثم مئات الآلاف من الإرهابيين سورية من كل حدودها، وانتصرت سورية بعد ثماني سنوات وعادت أكثر قوة بفضل جيشها والقوى المتحالفة معها، وتحولت «جبهة الشمال» إلى قوة إقليمية تمتد من حدود الجولان وجنوب لبنان إلى عمق عراقي وإيراني، بدأت إسرائيل بوضع حسابات له بعد أن هزمت مرة أخرى عند حدود جبهة الجولان في أعقاب تحريرها من مجموعاتها الإرهابية، ويبدو أن نتنياهو بمسرحياته التطبيعية يعتقد بعد هزيمته أنه قادر على محاصرة سورية وحلفائها بهذه الألاعيب المطبعة حتى لو زار دولة أو إمارة جديدة بعد عُمان!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن