المشكلة بالمشغلين وليس بالوسطاء
| مصطفى محمود النعسان
بعد استقالة الدبلوماسي السويدي ستيفان دي ميستورا وتعيين الدبلوماسي النرويجي غير بيدرسون مبعوثاً خاصاً إلى سورية ازدادت نبرة التفاؤل، ذلك أن السيرة الذاتية للأخير تؤكد استقلاليته وحياديته أكثر بكثير من سابقه، أو سابقيه، ولهذا فضلته دمشق في مشاوراتها مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
والحق أن هذا الأمر لا ينكره أي عاقل ولكن أن يقال وسيط منحاز ووسيط محايد، هذا أحد وجوه المشكلة، أما وجهها الآخر فيمكن تلمسه ومعرفته من خلال الجهة التي يتبع إليها ويعمل لمصلحتها هذا المبعوث ودورها وفاعليتها في حل الأزمات.
والحق أيضاً أن الأمم المتحدة التي يتبع إليها بيدرسون مسلوبة القرار ومصادرة الرأي من الولايات المتحدة الأميركية ومن الدول الأوروبية الوازنة كفرنسا وبريطانيا وألمانيا، فميثاق الأمم المتحدة ينص على حل النزاعات الناشئة بين الدول أو النزاعات الداخلية بالطرق السلمية، فهل المنظمة الدولية مخولة حقاً بتطبيق وتنفيذ هذا البند.
واقع الأزمات بشكل عام والأزمة السورية بشكل خاص، ينفي الادعاء أن الأمم المتحدة صاحبة الرأي في هذا المجال، وواقع الحال يؤكد أن الجهات المشغلة والفاعلة في الأزمة هي صاحبة القرار، دون أن ننكر أن دور الوسيط يقتصر ولا يكاد يتجاوز تشذيب المواقف والآراء وتغليفها بطابع دبلوماسي وتنقيتها من المواقف المتشنجة، وهنا ربما يكمن الفرق بين دي ميستورا الذي عرف بانحيازه الفاضح وتبنيه وجهات النظر الأميركية الفرنسية البريطانية السعودية التركية التي تمثلها ما تسمى بمعارضة الخارج، وبين سيرة هذا المبعوث الجديد.
والسؤال الذي يطرح هنا هل يستطيع بيدرسون أن يظل كما عرف عنه من نزاهة وحيادية في المسألة السورية؟ يقيني أن هذا الأمر يحتمل وجهين:
الوجه الأول أن الظروف التي سيعمل بها المبعوث الجديد قد تغيرت ما يقرب من المئة والثمانين درجة عما كانت عليه أيام أسلافه حيث إن معظم الأراضي السورية أصبحت محررة، وبالتأكيد ستكون الكلمة الوازنة لاحقاً لمن روض الميدان لمصلحته وهو الدولة السورية، وهذه هي الحقيقة الأولى.
الوجه الآخر هو ما يمثل الحقيقة الثانية فتتمثل بالأسئلة الجوهرية التالية: هل تكف الدول المشاغبة عن سلوكها؟ وهل ترعوي هذه الدول عن السير في ضلالها؟ هل تعترف بأخطائها وما جنته على سورية وشعبها من تضحيات جسام وبالتالي تتوقف عن هذه الأخطاء وتحاول أن تكفر عما سبق من ويلات وآلام؟
وفي الإجابة على هذه الأسئلة نقول إنه في حين أن الواقع يشير إلى شيء يسير من هذا القبيل وهو ما يمكن تلمسه في تصريح وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم مؤخراً الذي رحب به بالتصريحات السعودية وكذلك ما رشح مؤخراً عن واشنطن ما معناه أنها لم تعد مشغولة بمسألة بقاء الرئيس بشار الأسد وكذلك ما يجري التحضير له في الجامعة العربية من مساع لإعادة سورية إليها إضافة إلى ما يمكن أن يشهده مطلع العام القادم بإعادة العديد من السفارات إلى دمشق وكذلك ما صرح به جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي خلال زيارته لروسيا في الثالث والعشرين من الماضي حيث قال: «إنه يعتبر المحادثات الروسية الأميركية حول إنهاء النزاع في سورية ناجحة».
غير أن هذه التصريحات لا يعتد بها ذلك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صرح منذ بضعة أشهر أن لا مشكلة في بقاء الرئيس بشار الأسد ثم تراجع عن هذا التصريح وذلك خلال القمة الرباعية التي جمعته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتصريح أردوغان الأخير يدلل أنه لا يمكن أن يتخلى عن أزلامه والمجموعات التي يشغلها.
ما يقال عن التركي يمكن أن يقال عن السعودي والقطري والأميركي والفرنسي وكذلك البريطاني وخير دليل في هذا المجال، أنهم ما ينفكون يحاولون جاهدين وباستمرار لفبركة أكاذيب وأضاليل تتعلق بالكيميائي تؤكد استمرار توجهاتهم العدوانية.
في ظل هذا الواقع المتمثل في استمرار هذه النيات العدوانية كيف للمبعوث الجديد أن يمارس مهامه بحيادية ونزاهة؟ وفي ظل هذا الواقع ما يبقى للجهة التي يعمل لمصلحتها وهي الأمم المتحدة من أوراق يمكن أن تلعبها في محاولة السعي لحل الأزمة؟
ولكن رغم أن موجات التشاؤم تعلو على موجات التفاؤل في هذا المجال إلا أن ذلك لا يلغي الأخيرة وما يجعلها مرشحة للثبات والقوة والتغلب على الأولى هو واقع الحال في الميدان الراجح دائماً لمصلحة الدولة السورية، الأمر الذي سيفرض نفسه في النهاية على أي حل.