ثقافة وفن

مصادر التثقيف

| حسين مهدي أبو الوفا

تتعدد مصادر التثقيف الحقيقي الأمثل وتتنوع حيث تكاد تشمل التراث الثقافي الإنساني العام بكليته. هذا التراث المجيد الذي أبدعته البشرية عبر أممها الحضارية العظمى، على اختلاف شخصياتها الإنسانية القومية وأزمتها التاريخية ومداراتها الوجودية، ومن ثم على اختلاف عبقرياتها الفذة المتميزة، في مجالات الروح والعقل والنفس والوجدان، التي تعكسها آدابها وثقافتها وفلسفتها وعلومها وفنونها الرفيعة الممتازة. فكان بحق أثمن ما صاغته هذه البشرية من كنوز رائعة، وأسمى ما أبدعته من إنجازات معجزة مما يجدر بها أن تزهو به وتعتز، ومما يجدر بنا أن نصونه ونحافظ عليه.
وإذا كان التراث الثقافي الإنساني العام، هو من حيث الصنع والإنتاج، ملكاً ذاتياً وخاصة للأمم الحضارية العظمى التي أبدعته، فإنه من حيث الاستعمال والانتفاع، ملك جماعي مشاع لأمم العالم كافة وعلى السواء ودونما أي تمايز أو تفاضل فيما بينها. فلكل أمة ملء الحق في أن تصطفي منه ما تشاء، مما تحتاج إليه وتتوخاه من جهة، ومما يلائمها وينسجم معها من جهة أخرى؛ كما على كل أمة ملء الواجب في أن ترعاه وتحميه من العبث والتخريب والضياع، وأن تنميه وتغنيه وتعلي من شأنه وقيمته. وينقسم التراث الثقافي الإنساني العام، من حيث اصطفاء الأمم إياه، إلى ثلاثة أقسام رئيسة كبرى، وذلك تبعاً لطبيعة كل قسم ومن ثم تبعاً لحاجة كل أمة إلى هذه الأقسام هي: 1ـ قسم الاطلاع، 2ـ قسم الاقتباس، 3ـ وقسم التمثل. أما قسم الاطلاع فهو القسم ذو الفكر العلمي المحض، المتمثل في الأفكار الثقافية الأدبية والفلسفية والفنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، (فهذا القسم تصطفيه الأمم بدافع المعرفة التنويرية المجردة) أو بدافع الدراسة النقدية المقارنة، أو بدافع البحث العلمي البحت، لا غير من دون لزوم لاقتباسه أو تمثله، وذلك لكونه القسم الذاتي الخاص جداً الذي تتمايز به هذه الأمم وتتفرد، وتتغاير وتختلف، وأمام الاقتباس، فهو القسم ذو الفكر العلمي المحض، المتمثل في العلوم الرياضية والهندسية والطبيعية والتقنية والثقافية وغيرها من العلوم الأخرى المماثلة، وهو يؤلف القسم الوضعي والتجريبي والصناعي من التراث الثقافي الإنساني العام والهوية العالمية المشتركة. وأما قسم التمثل، فهو القسم ذو الفكر الوجداني العام، المشتمل على أسمى الرؤى والقيم والمثل والمبادئ والأحلام والآمال والعواطف والمشاعر والأحاسيس الإنسانية الخالدة؛ فهذا القسم تصطفيه الأمم بدافع ذاتي مطلق، لكونه القسم الذي يعبر عن جوهرها الأدبي الواحد، والذي تلتقي على صعيده لقاءها الفطري الحر البريء.
ولما كانت الأمة العربية من أبرز الأمم الحضارية العظمى، التي أسهمت في إبداع التراث الثقافي الإنساني العام، وفي تنميته وإغنائه وتطويره، وفي صيانته ورعايته والحفاظ عليه، كانت بالمقابل من أقدر الأمم على استعماله على خير وجه، والانتفاع به إلى أقصى حد، في بعثها الثقافي الجديد.
ويتكون التراث الثقافي الإنساني العام بالنسبة للمثقف العربي، من صنفين أساسيين كبيرين، هما: التراث الثقافي العربي، والتراث الثقافي العالمي.
التراث الثقافي العربي:
يشكل التراث الثقافي العربي الصنف الأعرق والأضخم والأعظم والأغنى من التراث الثقافي الإنساني العام، فلقد بزغ مع فجر الحضارة فكان الأعرق وجوداً، وتكون عبر مختلف العصور وانطوى على أسمى روائع الفكر فكان الأضخم حجماً والأعظم قيمة، وضم كل ضروب المعرفة فكان الأغنى محتوى. وبذلك فقد حق له أن يكون جوهر هذا التراث الثقافي الإنساني العام وآيته الفذة.
وينقسم التراث الثقافي العربي، تبعاً للأطوار الكبرى التي يمر بها، إلى ثلاثة أقسام:
1- التراث الثقافي العربي القديم، 2- التراث الثقافي العربي الوسط، 3- التراث الثقافي العربي الحديث.
التراث الثقافي العربي القديم
ينطوي التراث الثقافي العربي القديم على جماع ما أنتجته الأمة العربية من فكر إنساني رفيع في طورها الحياتي الأول، الممتد منذ الزمن اليمني الأصغر حتى الزمن الإسلامي الأعظم، والمنسحب على عدد لا يحصى من العصور المديدة والشعوب الكثيرة، التي كانت قوام التاريخ البشري آنذاك، أمثال العصور والشعوب المعينية والسبئية والحميرية واللحياتية والثمودية والمكية والعمورية والبابلية والآشورية والآرامية والكنعانية والآدمية والنبطية والتدمرية والجاهلية وغيرها من العصور والشعوب ذات الآثار الحضارية البارزة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن