ماذا يجري بين الصحة والنقابات الطبية؟…الصحة تحصر جميع مناصبها الإدارية بالأطباء البشريين بإحياء قرارات تنظيمية غير معمول بها
محمد منار حميجو
يبدو أن وزارة الصحة توسع هوة الخلاف بينها وبين النقابات الطبية (أسنان، وصيدلة) من خلال سياساتها من بعض مفاصلها المهترئة، التي تعمل في إطار عرقلة جميع مشاريع النقابات، وإبعادها عن أي صناعة للقرار في الوزارة بأي شكل من الأشكال بحسب النقابات، معتبرة أن الوزارة أصبحت مقتصرة على أطباء البشريين وتقصي باقي المهن الطبية، قائلة: نحن بحاجة إلى أن ننضم إلى وزارة العمل.
وكشفت نقيب أطباء الأسنان السوريين الدكتورة فاديا ديب أن وزارة الصحة تحاول إقصاء جميع أطباء الأسنان من بعض المهام الإدارية، تحت ذريعة بعض القرارات التنظيمية القديمة التي اختلفنا كثيراً في تفسيرها، ومنها على سبيل المثال القرار التنظيمي رقم 50 الذي نص في المادة الخامسة أن يترأس المنطقة الصحية، وهي عبارة عن تجمع سكاني محدد جغرافياً وإدارياً، بما يتوافق مع التقسيمات الإدارية في المحافظة، متسائلة عن الأسباب التي دفعت الوزارة حالياً إلى إعادة إحياء قرارات تنظيمية قديمة، تتضمن خللاً تشريعياً واضحاً، تم إيقافها لفترات طويلة واليوم تعود لتطفو على السطح مجدداً.
وبينت ديب في لقاء خاص مع «الوطن» أن هناك تقصداً واضحاً في إعادة هذه القرارات إلى العمل بها، وذلك لإزاحة أطباء الأسنان الذين يستلمون رؤوساء مناطق صحية وعدم تسلمهم أي مناصب أخرى في الوزارة، موضحة أن القرار 50 ينص على أنه يدير المنطقة الصحية رئيس المنطقة واللجنة الصحية الفنية، ويكون رئيسها طبيباً ذا خبرة لا تقل عن خمس سنوات، أو طبيب صحة عامة مع خبرة في المراكز لا تقل عن 3 سنوات، على أن يكون معاون رئيس المنطقة الصحية طبيباً أو طبيب أسنان اختصاصي صحة عامة ذا خبرة في أعمال المؤسسات الصحية لا تقل عن خمس سنوات أيضاً.
وأضافت: إنه كيف من الممكن للوزارة أن تعيد العمل بهذا القرار مع العلم أن اختصاصي الصحة العامة غير معترف به في الهيئة العامة للتخصصات الطبية، كما أنه أوقف هذا الاختصاص منذ عام 1998، وهو ليس اختصاصاً وإنما دورات تدريبية أقامتها منظمة الصحة العالمية، وأنه غير موجود في الجامعات السورية ولا في وزارة الصحة، إضافة إلى أن عدد المختصين في هذا المجال المتبقين في سورية والعاملين في وزارة لا يتجاوز أصابع اليد.
وقالت ديب: إن هذا يعني أنه لا مكان لأطباء الأسنان في وزارة الصحة في المهام الإدارية، ولاسيما بعدما فوجئنا مؤخراً بإلغاء مديرية صحة الفم والأسنان، وضمها إلى مديرية الرعاية والحجة كانت للحصول على الإعانات لها، وأننا لم نناقش في هذا الأمر إن كان الهدف منه هو المصلحة العامة، لافتة إلى أنه عندما تشعر النقابة أنه يتم استهداف أطباء الأسنان بشكل عام ومحاولة تقزيم دورهم الذي أدوه بكل جدارة خلال مهامهم فهذا يثير القلق لدينا.
وأوضحت ديب أنه وبعد محاولات النقابة لرفع عدد الاختصاصيين في سورية، وذلك بناء على المطالبات الكثيرة لهم، وعدم قدرة وزارة الصحة على استيعاب الاختصاصات الجديدة، نظراً لعدم وجود كوادر بشرية للتدريب، إلا أن هناك أيادي خفية في الوزارة تحاول عرقلة هذا المشروع عبر إجراءات إدارية روتينية بعيدة عن المنطق، تحت ذريعة التشريع الذي لا نراه مستكملاً فيما يخص هذه الإجراءات.
وأضافت ديب: إنه وبعد أن توصلت النقابة إلى تفاهم مع الوزارة حول تدريب الأطباء، الذي يعد مفصلياً في تاريخ مهنة طب الأسنان، وحينما بدأت النقابة بتطبيق الإجراءات القانونية لاستيعاب أطباء مقيمين بقصد الاختصاص، نلاحظ فورة لبعض المفاصل الخشبية في الوزارة تمارس كل فنون العرقلة من فوق وتحت الطاولة، لإيقاف مثل هذا الإنجاز، وأي مشروع خلاق تحت شعار قرارات تنظيمية عفا عليها الزمن، والتي تختبئ عندما يراد لها ذلك، وتظهر وقت حاجتهم لها وكأنها نصوص قرآنية لا يجوز المساس بها.
وأشارت ديب إلى أن النقابات الطبية تأملت خيراً بالتغير الحاصل في وزارة الصحة وما زلنا نأمل من الوزير خيراً الذي أبدى كل تعاون مع أطباء الأسنان، إلا أنه على ما يبدو أن المشكلة أكبر من تغيير أشخاص، معتبرة أن البيروقراطية المتأصلة في بعض المفاصل الصدئة في الوزارة لها اليد الطولى في عرقلة كل تطوير أو تجديد.
ودعت ديب الوزارة بكل مفاصلها إلى التفاعل مع التطور المجتمعي والعلمي والطبي الذي لا يحتاج منا إلى الكثير من الجهد، وإنما إلى الدقة في التفكير والإنجاز، مشيرة إلى أنه ليس هدف نقابة أطباء الأسنان هو النقاش حول إدارة منطقة صحية أو غيرها، وإنما ما يؤلم النقابة هو تلك الذهنية المغلقة التي تحاول أن تهمش الآخر وتقصيه، علماً أنها بحاجة إليه في كل مرحلة والظروف الحالية خير برهان على ذلك.
من جهته أكد نقيب الصيادلة السوريين محمود الحسن أن هناك فجوة كبيرة بين النقابات والوزارة، بمحاولتها الاستحواذ على جميع القرارات والتفرد بها دون الرجوع إلى النقابات الطبية، مشيراً إلى أن إقصاء الصيادلة من الأعمال الإدارية وحصرها فقط بالأطباء البشريين غير مقبول نهائياً.
وقال الحسن: إنه يجب أن تسمى وزارة الصحة وزارة الأطباء البشريين فقط، ضارباً مثلاً أن الوزير قال لنا إن المواطنين يقولون عنكم إنكم لا تملكون صيدليات بل محال تجارية متطورة، مشيراً إلى أن الوزير أبدى اعتذاره عما قاله، مسوغاً: هكذا يقول المواطنون عنكم.
وبيّن الحسن أنه ليس من الضرورة بمكان بأن يكون وزير الصحة هو طبيباً بشرياً باعتبار أن الهدف هو تطوير القطاع الصحي الذي يشمل الطب البشري والأسنان والصيدلة، متسائلاً عن الأسباب التي تدفع الوزارة إلى اتباع مثل هذه السياسة علما بأنها بحاجة إلى دور النقابات ولاسيما في المرحلة الراهنة.