مأساة اللاجئين.. دوافع استثمارية
| محمد نادر العمري
من مازال يعتقد بأن أوروبا فتحت ذراعيها للاجئين السوريين انطلاقاً من ثوابتها الإنسانية التي تدعيها، فهو مخطئ، فهذه الدول وخاصة ألمانيا الاتحادية، كانت زيارتها بقصد السياحة حلماً لكل إنسان، وهذه الدول هي ذاتها كانت سبب وجود الإرهاب وانتشاره فكيف لها أن تدعي الإنسانية؟
يبقى السؤال ما الذي كانت ومازالت تخفيه حقيقة وأبعاد «سياسة الباب المفتوح» لاستقبال اللاجئين بأشكال وأساليب غير شرعية؟ ولماذا هذا الإصرار على استقبالهم فقط وبنسب كبيرة من خلال اللجوء غير الشرعي بحيث لا ينظم لجوءهم لهذه الدول إلا وفق معايير لا تتعلق بالإنسانية وحقوق الإنسان؟ ولماذا أقيمت المخيمات لاستقبال اللاجئين في الدول غير المصدقة على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وهنا نقصد تركيا والأردن ولبنان، هل فقط لأنها على خط تماس مع الجغرافية السورية؟
الإجابة عن ذلك لم تعد طي الكتمان وخفايا ذلك بدأت تظهر أكثر مع اقتراب بداية الحل السياسي، والكباش الذي تبديه هذه الدول في محاولة استثمارها لملف اللاجئين وتسييسه واستغلال اللجنة الدستورية لترجيح «دفة القبان» لصالح المعارضة الخارجية والدول الداعمة لها، عبر فرض قائمة ما سمي بـ«المجتمع المدني» واحتكار انتقائها من قبل المبعوث الدولي، فضلاً عن السعي الدؤوب لربط عملية إعادة الإعمار بالعملية السياسية لفرض شروط الإذعان على دمشق تحت الضغط الاقتصادي.
هنا لابد من التوقف عند عدد من الحقائق والملاحظات التالية التي يمكن أن تجعلنا ولو بشكل جزئي نستطيع الإجابة عن سبب استثمار ملف اللاجئين:
الحقيقة الأولى: تعيدنا لنكبة عام 1948 وما قبلها عندما قام الصهاينة ومن خلال المرتزقة من العصابات وبإشراف دولة الانتداب البريطاني حينها، من ارتكاب العديد من المجازر المروعة بحق الشعب الفلسطيني لفرض أمر واقع عليه يجعله يتقبل وجود كيان مغتصب أو دفعه للهجرة وترك أرضه قسراً والانتقال لدول أخرى لتحقيق الحلم الكبير بإقامة دولة «إسرائيل» من النيل للفرات، فكانت سورية خلال تلك السنوات هي العائق والسد المنيع بوجه هذا الحلم والمدافع الحقيقي عن حق الشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه وفي مقدمتها حق العودة، حيث تواجد فيها أكبر المخيمات ومنها عاصمة الشتات «مخيم اليرموك»، ودعمت حركات المقاومة سياسياً واقتصادياً ومعنوياً، فكان الرد بالدعم الغربي للمجموعات المسلحة بجميع تسمياتها منذ بداية الأزمة السورية، لدخول هذه المخيمات وغيرها من الأراضي والمدن السورية التي تتمتع بأهمية إستراتيجية لاستنزاف سورية بغرض تحقيق، أولاً: تهجير الفلسطينيين من تلك المخيمات وإغلاق جميع الطرق أمامهم للبقاء والتمسك بحقوقهم وفتح منفذ الهجرة نحو أوروبا بكامل رفاهيتها مقابل التخلي عن حق العودة والهوية الفلسطينية تمهيداً لإنجاح صفقة القرن، ثانياً: إفراغ سورية من شبانها ومكوناتها ضمن المشروع الكبير للصهاينة ولاسيما بعد أن جزئ العراق ونشر الإرهاب والفوضى والطائفية في المنطقة الممتدة من النيل للفرات باستثناء دولة الاحتلال تنفيذاً لعدد من مقررات «مؤتمرات هرتزيليا» التي طالبت بضرورة استنزاف وإسقاط سورية وتقسيم المنطقة لكنتونات في سبيل تحقيق الحلم الصهيوني وأمنه.
الحقيقة الثانية: تقوم باستفادة هذه الدول من الكفاءات والإمكانات التي يتمتع بها السوريون وبجميع المجالات لسد حاجة النقص في بعض دول القارة العجوز ورفع نسبة الناتج المحلي لديها.
الحقيقة الثالثة: إفراغ المنطقة بشكل عام وسورية بشكل خاص باعتبارها دولة مركزية لها دور في استقرار المنطقة، من مكوناتها الأساسية وإحداث نوع من التغيير الديموغرافي في المنطقة من خلال إرسال منظمات تدعي العمل الإنساني وتستفيد من انتشار الإرهاب لتهجير تلك المكونات وخاصة المسيحية منها بشكل منظم ومدروس وبغايات وأهداف تعود للحملة الصليبية على المنطقة، واستبدالها بكيانات سرطانية تحمل إيديولوجية ومعتقدات تكفيرية هدامة تعمل على تشويه طبيعة الدين الإسلامي وتنشر القتل والفوضى وتدمر الحضارات كتنظيمات القاعدة و«داعش» و«جبهة النصرة» في مناطق واسعة بالعراق وسورية.
الحقيقة الرابعة: استنزاف جميع الموارد البشرية للدولة السورية وخاصة فيما يتعلق بالجوانب العسكرية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، فمن المعلوم بأن معظم الذين لجؤوا لأوروبا تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاماً ومعظمهم من الذكور، وهؤلاء يشكلون عماد وقوام الجيش العربي السوري وبالتالي فإن جذبهم للهجرة كان بهدف إفقار الجيش السوري بشكل ملموس من هذا العنصر الذي يقوم اليوم بمكافحة الإرهاب ومحاولة منع انتشاره، كما أن الأرقام تشير إلى أن تكلفة الهجرة للشخص الواحد تراوحت بين 4 آلاف إلى 10 آلاف دولار، وهناك ما يزيد من مليون ومئة ألف لاجئ اتجهوا بشكل غير شرعي نحو أوروبا فقط وهذا ما يعني استنزاف الاقتصاد السوري بأكثر من خمسة ونصف مليار دولار بشكل وسطي سنوياً، ناهيك عن أن 23 بالمئة من اللاجئين يحملون شهادات جامعية وتأثيرات ذلك على النواحي الاجتماعية والتعليمية في الداخل السوري.
الحقيقة الخامسة: هي استثمار هذا الملف قدر الإمكان وتوظيفه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ففي المحافل السياسية استخدمت قضية اللاجئين كملف ضغط لمواجهة الدولة السورية، كما أن بعض الدول الأوروبية ستسعى جاهدة لإعادة بعض السوريين بعد تنظيمهم ضمن قوى مدربة وتحمل أفكاراً غربية خلال العملية السياسية ليكونوا أدواتها في استكمال الحرب على سورية ولتغيير السياسات الداخلية والخارجية وبما يتناسب مع إستراتيجية ومصالح هذه الدول التي تبحث عن نفوذ وحصة لها أيضاً في مرحلة إعادة الإعمار وبشكل يكون فيه بعض السوريين هم الواجهة لها في طريق الخصخصة وتفكيك المركزية من خلال ترسيخ الاقتصاد الحر المرتبط بالتبعية للرأسمالية الغربية.
قد يشكل ملف اللاجئين خلال الفترة القادمة أحد أكثر الملفات تعقيداً لتداخل الكثير من القوى والدول به، وقد يبقى من الملفات المفتوحة حتى بعد بدء العملية السياسية، فالرهان الغربي على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة والضغط على هؤلاء اللاجئين للمشاركة في هذه الانتخابات لتغيير موازين القوى السياسية في الداخل السوري هو مسار مازال مطروحاً وإن انخفضت مؤشرات واقعية تطبيقه، الأخطر من ذلك هو ما يتم التحضير له اقتصادياً عبر أشخاص يحملون الهوية السورية تم تمويلهم وتدريبهم وتوجيههم غربياً.