الإرهابي عنصري
| د. نبيل طعمة
تأسست الولايات المتحدة الأمريكية من دستور فريد قوي، أكد في بند من بنوده المعمول بها حتى اللحظة أن المجتمع الرئيس فيه يعني «WASP» اختصاراً «الرجال البيض الأنجلو سكسون البروتستانت» والدستور الأمريكي الذي وضع قبل 230 عاماً أكد في بنده هذا ما تقدم، فهؤلاء هم الذين أسسوا للعنصرية، ومارسوا أبشع صور العبودية ضد أصحاب الأرض والأفارقة وما سواهم، هذا الذي استخدم منذ قيامة الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي فلسطين، والذي اعتبر ضمناً مقابل الإسلامي الإرهابي.
هل سمعتم يوماً هذا العنوان؟ وهل خطه أي كاتب أو صحفي، أو نطق به سياسي عالمي أو عربي أو حتى أمريكي مهاجر؟ أو شاهدناه على شاشات التلفزة العالمية وحتى العربية؟ بينما نشاهد صباح مساء وعلى مدار الساعة كلمة إرهابي مسلم خطف وجرح واعتدى وقتل، وحتى وإن لم يكن مسلماً، فأول إخبار عن أي عمل إرهابي نلحظ مباشرة: إسلامي أو إسلاميون ينفذون عملاً إرهابياً صغيراً كان أم كبيراً، وهذا ما يثير مشاعر المسلمين وبشكل خاص العرب منهم، ويستفز حضورهم أينما وجدوا، وقد أدرك جميعهم الإجحاف والغبن من خلال سرعة اتهامهم وربطهم بأي عملية إرهابية، من دون تحقيق، أو حتى قبل الوصول إلى الحدث ومعاينته، وإذا اكتشفت الحادثة أن منفذها أمريكي أو أوروبي، فسرعان ما نجد المبررات التي تبحث في نشأته، وأن أسرته كانت على خلاف دائم فيما بينها، أو أنها منفصلة، وأنه أصيب بخلل نفسي منذ زمن، أو أنه اغتصب في طفولته، أو أنه مدمنٌ الكحول، أو يتعاطى الماريجوانا، وتبدأ رحلة البحث عن الأسباب التي تغرق المتابعين لينسوا الحادثة بأسرع ما يكون.
الإرهاب صناعة أمريكية ولد في مدينة هوليوود الدرامية السينمائية، ومن سيناريوهات أعدت في C.I.A وF.B.I، ومن خلال ما يقوم به الأفراد الأمريكيون بحق بعضهم، ما دعاهم لتعميمه عالمياً، وليقال عنه إنه إرهاب قادم من الشرق أو الجنوب عبر أمواج الهجرات والاختراقات متغافلين عما أوقعوه بحق شعوب الأرض قاطبة من ظلم وجور ونهب لثرواتهم، ناهيكم عن الضغوط التي يمارسها الأمريكي من حصارات اقتصادية وسياسية واجتماعية والكيل بمكيالين ووضع المعايير المختلفة التي تحدد أن الكل تحت مستوى نظر الأمريكي، وحركته متشابهة مع النظرية العرقية النازية.
تفكروا أنه حتى اللحظة هناك تقاليد مرعية في الولايات الجنوبية الأمريكية، أنه لا يجوز لزنجي أن يبادر بمد يده لمصافحة «أبيض» مهما كانت منزلته؛ بل على الأبيض أن يمد يده، فإن مدها، وهذا نادر جداً، استطاع الزنجي عندئذ أن يمد يده، ولا يجوز إطلاقاً أن تصافح أمريكية بيضاء زنجياً، ولا يجوز للزنجي مهما كانت منزلته أن يدخل دار الأبيض من بابها الأمامي؛ بل من بابها الخلفي، ويجب على الزنجي أن يخلع قفازه إذا دخل مخزناً أو مصرفاً أو مكتباً حكومياً، ومازالت بعض الولايات تمنع رعاياها الزنوج من السير على الطريق الذي يسير عليه البيض، على الرغم من كل ما يدعونه من حضارة حداثوية.
إنهم أي الأمريكيون يعززون الخوف من الإرهاب، وعلى أن المسلمين يقفون خلفه، ويجهدون لإظهاره واستثمار آثاره، وفي الخفاء يدفعون به انتشاراً، أجل نحن نتعايش مع إرهابهم قسراً، ونحن الذين نكافحه، ونقاتله بكل ما أوتينا من قوى.
هل تابعتم ما جرى منذ أيام بخصوص الهجوم على الكنيس اليهودي؟ هل تابعتم الإعلام الأمريكي الذي لم ينطق بكلمة إرهابي؟ أو أن هجوماً إرهابياً قد حدث؛ بل عن أن مسلحاً أو مهاجماً أو إطلاق نار؟ وهل تابعتم قضية إرسال الطرود المفخخة واعتبارها عمليات خلاف مع ترامب، أو ترامب مع خصومه التي قام بها مؤيد له، الذي أرسل أكثر من مئة طرد ناسف تحوي قنابل أنبوبية لمعارضين لترامب، وقبلها الهجوم على مدرسة وقتل عشرات التلاميذ، ومع كل صباح هناك عمل إرهابي أمريكي بحق الأمريكيين وغير الأمريكيين، يعتبرونه أنه من ضمن الحياة الديمقراطية، وحينما يُلقى القبض على الفاعل أو الفاعلين تحضر المبررات الإنسانية أو النفسية، كما هي العادة، أما إن كان مسلماً فيا غيرة الله! إرهابي بامتياز حتى وإن كان مختلاً.
يستخدم ترامب الإرهاب الإسلامي في حملته الانتخابية، كما استخدمه قبله أوباما وجورج بوش الابن، ويؤيدهم تابعاهم ماكرون وتيريزا ماي، وقبلهم بلير وأولاند والغرب برمته، الذي يعتبر العربي المسلم إرهابياً، والعرب المسلمون لا يحركون ساكناً، وكأنهم راضون عن هذه التهمة أو التهم، وأدلة الغرب جاهزة بحقهم.
كان الإرهاب يختص بالفلسطينيين مع بعض من داعميهم قبل انتهاء الألفية الثانية، حيث قامت سورية وبعض القوى القومية العربية بتأسيس ودعم المقاومة العربية للكيان الصهيوني ولسياسات الهيمنة الأوروأمريكية الصهيونية على الأمة العربية ومقاومة وعد بلفور المشؤوم عام 1917، الذي أدى إلى اغتصاب فلسطين العزيزة، وها نحن اليوم على أعتاب صفقة القرن التي تتدحرج رويداً رويداً، والكثرة من العرب والعالم لا يعلم تفاصيلها؛ أي إنه بعد مئة عام من الوعد المشؤوم يخرجون علينا بعرض مبهم يطلقون عليه «صفقة القرن» أو الصفعة الكبرى للفلسطينيين والعرب، يمحون بها شلالات الدم العربي التي سالت دفاعاً عن فلسطين والقضايا العربية، كل هذه المآسي التي عصفت بالعرب من اغتصاب فلسطين، مروراً بالحرب، وصولاً للربيع الدموي، ونحن موسومون بالإرهاب وإبداعاته القاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان، كما أننا نحن العرب متهمون بجرائم الكراهية، ليس ضد اليهود، وإنما ضد العالم الغربي، ونحن متهمون بالعنصرية وبمعاداة السامية.
إن الذي مورس على المصلين في الكنيس اليهودي هو عمل إرهابي بامتياز، وهو عمل إجرامي، وعمل وحشي، وعمل عنصري، والذي مورس على الفلسطينيين منذ وعد بلفور وحتى اللحظة يقع تحت المسميات نفسها، والذي مورس على الجولان في سورية، وعلى سورية من إرهاب دولي تقوده أمريكا، يقع تحت تلك المسميات أيضاً، والذي تمارسه أمريكا على شعوب الأرض قاطبة من حصارات اقتصادية وعسكرية وتهديدات بالقصف والإفقار والتجويع، يدخل أيضاً تحت تلك المسميات، لذلك أدعوكم لتحددوا الإرهاب في هذا العالم، هل هناك من يتجرأ ويتحدث بهذا الطرح؟
الأمريكان ومنذ عام 2001 يطلقون شعار لماذا يكرهوننا؟ وأنا أقول الكراهية فعل شائن، فلماذا يا أيها الأمريكان تكرهون العالم؟ فالكراهية لا تعكس إلا الكراهية، عنصرية أمريكية ضد الإثنيات الأمريكية ذاتها، والعرقيات التي تحيا على أرضها، لماذا؟ لأن الإرهاب العنصري الأمريكي بدأ من تأسيسها وإبادتها للهنود الحمر السكان الأصليين، ما يدلنا على تأصل الفعل الإرهابي العنصري، وانتشار حمل السلاح الذي عدل في الدستور الأمريكي بداعي حماية النفس من الاعتداء، واللغة السياسية التي تتجلى في العنجهية والصلف الأمريكي من باب لغة الأقوى والأعظم.
هل هناك من لا يقول إن الإرهاب وباء وداء صنعه الغرب، كما صنع «الكانسر»؟ وجميع الأمراض ضمن الحرب البيولوجية والاختبارات التي يجريها ويطبقها على شعوب الأرض قاطبة، ومنها شعوبهم أيضاً التي يرعبها حين فردها عليهم، الفقر والاقتصاد والضعف وانفصال السلطات عن بعضها، توفر البيئات الحاضنة للإرهاب، أو لنفاذه بسهولة إليها.