ثقافة وفن

الآلهة والكائنات الأسطورية في الشرق الأدنى القديم

| سوسن صيداوي

معرفة المعتقد والمبادئ والأفكار التي كانت تجول في فكر الإنسان القديم وصلت إلى العصر الحاضر عبر التوارث، وما زال بعضها يؤثر في تفكير المرء وتصرفاته: كقضية نشوء الكون، أفكار الخصوبة والتوالد، الحياة الدنيا، الآخرة، الجنة والنار، فكرة الثواب والعقاب…. وغيرها من أفكار وتصورات. هذا من جهة ومن جهة أخرى لا بدّ من الإضافة بأن بقاع الشرق الأدنى القديم تتميز- ولا سيما مناطق بلاد الرافدين وسورية ووادي النيل- بأنها المناطق الأقدم في تاريخ البشرية، التي عرف الإنسان فيها الاستقرار والإقامة الدائمة، بعد اكتشاف الزراعة في الألف العاشر قبل الميلاد، ومع الزمن تحولت المستوطنات إلى قرى وبلدان ومدن، كانت الأساس لنشوء الممالك والدول ثم الإمبراطوريات التي ازدهرت فيها الحضارة بكل مظاهرها، هذا وقد قامت بين هذه الممالك والدول منذ أقدم العصور علاقات سلمية أو حربية، أدت إلى انتقال الأفكار والمنجزات الحضارية من مكان إلى آخر، ومن زمان إلى زمان، ومن ثم كانت الآلهة في كل حضارة مرتبة في مجموعات لها تسلسلها الهرمي الذي يختلف باختلاف الزمن والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. من هاتين النقطتين وأضاف لها الكثير عيد مرعي في مؤلفه الذي صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان: (معجم الآلهة والكائنات الأسطورية في الشرق الأدنى القديم) الواقع في 515 صفحة من القطع الكبير، والذي جاء العرض فيه لأسماء الآلهة والكائنات الأسطورية وفق تسلسل أبجدي، موثقاً إياها بصور أو رسومات توضيحية.

في التقديم
يتحدث عيد مرعي عن الآلهة والكائنات الأسطورية التي عرفها إنسان الشرق القديم منذ أقدم العصور، والتي اعتقد أنها تؤثر في حياته، وأظهر لها كل التقديس والتبجيل في الوثائق المكتوبة والتماثيل والمنحوتات المنصوبة، شارحاً كيف كانت تمثل هذه الآلهة والكائنات الأسطورية قوى الطبيعة المختلفة التي تؤثر في حياة الإنسان: كالقمر والشمس والنجوم والأرض والريح والأنهار وغيرها؛ لقد عبدها الإنسان، وبنى لها المعابد، واحتفل بأيام محددة كأعياد لها عدّها مقدسة يجب التعبير فيها عن الشكر لتلك المعبودات، وما زال بعضها مستمراً حتى الآن، كعيد رأس السنة، وأعياد الربيع وغيرها. ويضيف مرعي: «لقد أوردنا أسماء معظم الآلهة والكائنات الأسطورية التي كان لها تأثير كبير في حياة الإنسان، دون الدخول في كل التفاصيل المعروفة عن كل إله أو معبود، لأن ذلك يتطلب جهداً أكبر من الذي بذلناه، فكل إله أو كائن أسطوري يمكن أن يكتب عنه مؤلفات متعددة».

الهدف من الدراسة
يشدد الباحث من خلال مؤلفه بأن الفكرة منه الهدف من الدراسة ليس تمجيد تلك الآلهة أو المعبودات القديمة أو التفاخر بها، بل استخدامها أداة لمعرفة كيفية نشوء الفكر الديني وتطوره، وذلك بغية الوصول إلى فهم أفضل للأفكار والمعتقدات المعاصرة التي يؤمن بها الإنسان، والتي هي استمرار للكثير من الأفكار والتصورات القديمة. ويتابع: «فالإنسان لا يمكنه أن يفهم الحاضر دون الرجوع إلى الماضي حتى البعيد منه، وكي يستطيع التخطيط للمستقبل تخطيطاً صحيحاً، بغية الوصول إلى حياة مفعمة بالسعادة والهدوء وراحة البال». ويضيف أيضاً: «هدفنا هنا تقديم لمحة موجزة عن الأسماء التي عالجناها للحصول على صورة شاملة عن الآلهة والمعبودات، دون الغوص في التفاصيل الدقيقة التي لا يمكن معالجتها إلا من خلال أعمال مستقلة لكل إله أو كائن أسطوري».

مصادر ومراجع الدراسة
اعتمدت هذه الدراسة في مجملها على مصادر حضارات الشرق القديم الأولى المتمثلة بالنصوص المكتوبة بلغات قديمة متعددة، ويشير مرعي: «واعتمدنا في إعداد هذه الدراسة على أحدث البحوث التي نُشرت بلغات متعددة كالإنكليزية والفرنسية والألمانية، عن المعتقدات الدينية والآلهة التي عبدها إنسان الشرق القديم. ورجعنا أيضاً إلى النصوص القديمة المدونة بلغات الشرق الأدنى القديم كالسومرية والإبلوية والأكادية والأوجاريتية والفينيقية والآرامية وغيرها مما تيسر لنا. وتمت دراسة وتحليل كل الأسماء الواردة في هذه الدراسة بناء على معرفتنا بتلك اللغات القديمة، مع مقارنتها بالعربية التي تعدّ الوعاء الأكبر الذي شمل معارف كل تلك اللغات». وكان عالج الباحث إلى جانب أسماء الآلهة والكائنات الأسطورية المشرقية أسماء الآلهة الإغريقية والرومانية الأكثر شهرة لتشابه دورها مع أدوار الآلهة المشرقية القديمة، ولوجود تأثير متبادل بينها وبين الآلهة المشرقية القديمة، ولكونها ما زالت مشهورة حتى عصرنا الحاضر في مختلف أنحاء العالم، ولا سيما في مجال تسميات الكواكب والنجوم والاختراعات العلمية والتقنية وغيرها من مكتشفات حديثة.

في طريقة العرض
تقدم البحث وعرضت الأسماء وفق الترتيب الأبجدي المعروف لتسهيل البحث عنها من القارئ، دون أن تكون هناك أفضلية للأسماء التي تعرض في البداية، أو للحضارة التي تنتمي إليها. متابعاً: «وراعينا كتابة الاسم بالحرف اللاتيني إلى جانب كتابته بالحرف العربي لإتاحة الفرصة لمن يود العودة إلى المراجع الأجنبية أو الشبكة العنكبوتية، ولمعرفة اللفظ الدقيق لكل اسم وكل كلمة، دون الحاجة إلى تشكيله بالعربية. كما أوردنا أسماء بعض الآلهة والكائنات الرافدية والمصرية بالكتابة المسمارية والكتابة الهيروغليفية، بحسب ما أتيح لنا من خلال المصادر والمراجع المستخدمة، ومن خلال الشبكة العنكبوتية، وذلك للاطلاع على كتابة الشكل الأصلي للاسم، كما أرفقنا في نهاية الحديث عن كل إله أو كائن أسطوري صورة لمنحوتة أو رسم خلّفها الأقدمون لهذا الإله أو ذلك كما تصوّروه أو تخيّلوه».

في إشارة إلى
في البحث تحدث مرعي عن أن التشابه والتطابق في بعض الأحيان لم يقتصر على الآلهة المؤنثة بل امتد ليشمل الآلهة المذكرة أيضاً، فـ «آن» إله السماء السومري تحول إلى«آنو»عند الآكاديين والبابليين والآشوريين، ويقابله في أوغاريت والمدن السورية الأخرى الإله «إيل» الذي يظهر حتى اليوم في الكثير من أسماء الأعلام المركبة مثل: إسماعيل وميخائيل وإسرافيل وجبرائيل وغيرها. وتابع في مكان آخر: إن هناك نوعاً من الوحدة الحضارية في مجال المعتقدات الدينية تعبر عن نفسها بالأسماء المتعددة للآلهة وبالطقوس والعبادات المتقاربة التي تؤكد أن الإنسان في الشرق القديم عبّر عن أفكاره الدينية بوسائل وطرق متشابهة ليس فيها أي آثر للحقد أو التعصب أو التطرف الديني، ويبرز ذلك بشكل واضح في انتقال عبادة الكثير من الآلة بأسمائها الأصلية من أماكن عبادتها الأولى إلى مناطق أخرى حيث حظيت بالعناية والتبجيل والتكريم، كما هو الحال في انتقال عبارة: بعل وعنات وحورون وريشيف وغيرها من سورية إلى وادي النيل، وكذلك انتقال عبادة «أدونيس» و«عشتارت» من سورية إلى العالم الإغريقي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن