خطوة فريدة في الشرق الأوسط.. افتتاح مراكز ثقافية في السجون السورية! … اللواء محمد حسن العلي لـ«الوطن»: الهدف إعادة تأهيل السجناء ليمارسوا دوراً إيجابياً في الوطن
| سارة سلامة
حياة أخرى قُدّر لهم أن يعيشوها هي مظلمة وضيقة ولا تتسع لمستوى ما يحلمون أو يفكرون أو حتى يندمون، حياة بدأت بخطيئة سواء كانت كبيرة أم صغيرة قاسية أم مهينة كتب عليهم أن يعيشوها ويدفعوا ثمن ذلك حرية وهبتهم إياها الحياة، هذا هو حال نزلاء السجون من رجال ونساء وحتى أطفال، كان لا بد من إضاءة شمعة ترسل بنورها داخل السجن وتضيء عتمة الليالي الطويلة وتشكل بارقة أمل وجسر تواصل مع العالم الخارجي، ولأن الثقافة بجميع وسائلها المرئية والمسموعة والمقروءة لها مساس مباشر في حياة الناس، اختارت وزارة الثقافة وجهتها نحو السجون ووظفت أدواتها في مجالات التوجيه والتثقيف والتعليم والوعظ والإرشاد، لما لذلك من أثر إيجابي في تغيير نمط وأفكار السجناء.
حيث افتتحت وزارة الثقافة مركزين ثقافيين بداية في سجن دمشق المركزي «عدرا» للرجال والنساء، ومعهدي ثقافة شعبية كسابقة تعتبر فريدة من نوعها في الشرق الأوسط، وتضمنت مذكرة التفاهم بين وزارتي الثقافة والداخلية إقامة دورات محو أمية رقمية، ورفد مكتبة السجن بالإصدارات الجديدة والكتب النوعية للهيئة العامة السورية للكتاب، حيث سيتم تزويد المكتبة بما يقارب الـ1000 عنوان مجاني، إضافة إلى إقامة المعارض الفنية والمسرحيات، وعرض الإنتاجات السينمائية الجديدة داخل السجن، علماً أن خطة المراكز الثقافية المحدثة داخل السجون وأنشطتها وفعالياتها لن تختلف عن خطة وفعاليات أي مركز ثقافي في الخارج.
ترسيخ مفاهيم الحوار والمصالحة الوطنية
وعن هذا الموضوع تحدث اللواء في وزارة الداخلية محمد حسن العلي في تصريح خاص لـ«الوطن» إنه: «وتعزيزاً لنهج التشاركية وتنفيذاً لمصفوفة السياسات الثقافية في البيان الحكومي فقد تم الاتفاق بين وزارتي الداخلية والثقافة لتوظيف الحوامل الثقافية لترسيخ مفاهيم الحوار والمصالحة الوطنية وتقبل الآخر ولاسيما في السجون والمنشآت التعليمية وذلك لتعزيز روح المواطنة وتجاوز تداعيات الأزمة، فما أجملَ بأن نكبرَ معاً، ونرتقي سلمَ الحياة الذي يليق بنا، لتفردَ الطمأنينةُ جناحيها لبيادر القادم الطالع مع الطيوب لخطا الإنسان، وتغسلَ الكآبةَ التي تراكمت من أوساخِ الأيام الباليات وتتدحرج النفوسُ الصغيرة تطهرُ ذاتها بذاتها».
وأضاف العلي إنه: «ليس هناك شيء مستحيل عند الإنسان السوري الكبير الذي أدمن التمرد والكفاح، ومن المستحيل أن يكون غريباً، فكل الأشجار ملكك، وكل أغاني الخيرين تناديك، وليس غريباً على سورية التي اخترعت أبجدية النصر كما اخترعت أبجدية الحرف أن ينهض (طائر الفينيق)، فيها من جديد ليرفرف عالياً بقوادم قوية من الجيش العربي السوري وقوى الأمن الداخلي والشعب العربي السوري الأصيل بهمة قائدٍ أذهل العالم بحكمته وشجاعته»
وعن الهدف من افتتاح هذه المراكز أكد العلي أنها: «تعمل على إلقاء الضوء على الجهود التي تقوم فيها وزارة الداخلية من أجل تحويل هذه السجون من دور عقابية إلى دور إصلاحية، لأن هؤلاء السجناء هم أولاً وأخيراً أبناء هذا الوطن، ونحن نعمل على تأهيل هؤلاء السجناء من أجل إعادتهم إلى حضن الوطن وجعلهم يتأطرون داخل مجتمعهم بشكل صحيح، لذلك هناك عدة خطوات نقوم بها داخل السجون أو فيما بعد السجون من خلال جمعية رعاية السجناء التي تعمل على هذه الغاية خارج السجون أما داخلها فموضوع الرعاية والتأهيل والتدريب والتثقيف والتعليم فهو منوط بوزارة الداخلية».
وعما يمكن أن تقدمه هذه الثقافة إلى حياة السجناء قال العلي إنها: «بمنزلة إشعال ضوء في آخر النفق ليعطي هؤلاء أملاً بعودتهم للحياة، ويشعروا أن الوطن لن ينساهم رغم الأخطاء التي ارتكبت من قبلهم، لأنه مهما الابن عقَّ أهله فلا بد أنه يبقى ابنهم ومن واجب الأهل الحفاظ عليه، وأن يعامل بالعاطفة الأبوية، وحقيقة هذا ما تقوم به الدولة، كما أن الأعمال التي يقوم بها السجناء من رسم وشعر وأعمال فنية ويدوية كلها تعمل على تدريبهم وتأهيلهم حتى يتماشوا مع هذا الوقت الطويل بدلاً من أن يقضى في الظلام والحقد والكراهية والابتعاد عن المجتمع، وهي الطريق الذي يمهد لهم العودة والانخراط في مجتمعهم من جديد».
تحويل السجون إلى محطات ثقافية
وأكد مدير المراكز الثقافية بوزارة الثقافة بسام ديوب أننا: «عملنا مع وزارة الداخلية على إدخال مفهوم التنمية الثقافية إلى السجن وذلك لأن المنتج الثقافي المكون من «محاضرات، سينما، مسرح، فنون» عندما يدخل إلى السجن سيساعد لاحقاً على خروج السجين بشكل أسلم نفسياً ويحسن من إقامته ويطور وعيه ويساعد على تجاوز الآثار النفسية للعقوبات السالبة للحرية، كما أن من شأنه تحويل السجون إلى محطات ثقافية وتحويل الفكر والإبداع الثقافي إلى آلية عمل للإصلاح، وإن إعادة صقل عقول النزلاء وإدراجهم في المجتمع كمواطنين صالحين يغير مسار أفكارهم ومعتقداتهم ويعزز المنظومة الفكرية والأخلاقية لديهم».
وبين ديوب أن: «أدواتنا المقترحة للسجن سترسخ مواجهة الأفكار الظلامية والجهل بالحكمة والإقناع وخصوصاً في الظروف الحالية التي يتنامى فيها الفكر المتطرف والإرهاب، ولا يمكن تحقيق أي تقدم أو ازدهار إلا من خلال مبادرات تغذي الفكر، لأن بالفكر والثقافة نستطيع إعادة برمجة عقول السجناء وتغذيتها لإعادة إدماجهم في المجتمع، والهدف الأسمى من إدخال الثقافة إلى السجن هو تحويل السجون إلى فضاءات ثقافية تصقل العقول وتوسع المدارك وتعيد التأهيل إلى مدارج المجتمع».
وفيما يتعلق برد فعل السجناء على افتتاح المراكز الثقافية قال ديوب: «الكثير من النزلاء رحبوا بهذه الخطوة، حيث بنينا العلاقة معهم وفق متطلباتهم واهتماماتهم، ونشأت حالة صادقة ووطنية وأخلاقية تتجلى بتلبية احتياجاتهم الثقافية على أن تبقى السلّة الثقافية المتنوعة عنوان العلاقة بيننا، ونكون عينهم خارج السجن في كل أطياف الثقافة ومنها إلى داخله، حيث تمنى الكثير من السجناء لو أن هذه الخطوة تمت منذ سنوات سابقة».
وعن الانتقادات التي تعرضت لها المبادرة بيَّن ديوب أننا: «في أي عمل ثقافي ننظر إلى الرأي والرأي الآخر ونحترم ذلك بحسب أن هناك آراء تتناقض مع رسالتنا الثقافية ولكن نتمنى من الآخر عدم تجاهل دورنا المهم وهناك الكثير من سخف واستهزأ برسائل مهمة إن كانت اجتماعية أو دينية أو ثقافية، ولكن ما يهمنا هو الدافع نحو نشر الثقافة، لذلك نقول لهم: سلاماً ونمضي بمشروعنا الثقافي في ميدان يتسع للجميع يكون المتلقي فيه محباً للوطن وينتصر على أعدائه بالكلمة التي هي سلاحنا ومجال عملنا».