«البرزخ» و«توتر عالي» في نادي عشتار السينمائي وخطوة جديدة لدعم سينما الشباب…أديب قدورة: المؤسسة العامة للسينما تحترم الفنّ السينمائي الجادلا
عامر فؤاد عامر :
عرض نادي عشتار السينمائي فيلمي «البرزخ» و«توتر عالي» للمخرج «المهند كلثوم» يوم الخميس الموافق لـ20 آب الجاري، وتلا العرض مناقشة حول هذين الفيلمين بين الجمهور والمخرج وأبطال فيلم «توتر عالي» وكاتب النص.
دعماً للشباب
النادي السينمائي التابع لمؤسسة أحفاد عشتار وفي مبادرة طيبة من إدارته؛ يعيد إحياء فكرة متابعة الناس للأفلام السوريّة، ضمن خطّة عرض ما يتاح منها مرّتين في كلّ شهر، وقد التقينا الدكتورة «أيسر ميداني» رئيسة المؤسسة، التي صرّحت لـ«الوطن»: «لا شكّ بأن النادي تطوّر أكثر عمّا كان في بدايته، واليوم اخترنا فيلمين رائعين للمخرج الشاب «المهند كلثوم»، الأوّل وثّق حدثاً مهماً جداً، وردود فعل مهمّة، ووجه البوصلة إلى العدو الرئيسي إسرائيل، والمهمّة الرئيسة التي هي تحرير فلسطين، وبالنسبة لنا نحاول تشجيع إمكانات الشباب الوطنيّة ودعمها، إضافة إلى أن الشاب يستمع للشاب أكثر من أي طبقة أخرى، فتصل الكلمة أسرع، وهذا واضح من حيث عدد الحضور اليوم، وهناك فكرة لدعوة شباب آخر في المرحلة القادمة، ونحن نشجّع كلّ الطاقات الشبابيّة والإيجابيّة، والتي تخدم هذا الوطن».
لحظة تاريخيّة
«البرزخ» فيلم وثائقي رصد لحظة مهمّة من تاريخنا المعاصر، هي لحظة إزالة الحواجز التي وضعها العدو الصهيوني على الأرض السورية مغتصباً جزءاً منها هو «الجولان»، وجاءت رواية الفيلم من خلال فتاة شاهدة على كل ما حدث بل مشاركة في قلب الحدث لتقع أسيرة في يد الاحتلال الصهيوني في جزء من هذه اللحظة التاريخية التي رصدها الفيلم. والحدث المهم هو اقتحام الجماهير لهذه الحواجز للقاء أهلهم في عين التينة ومن بعدها التواصل مع الأهالي في فلسطين المحتلة، ووقع الحادث في 15 أيار عام 2011 في ذكرى النكبة ليعود ويتكرر الحدث في 5 حزيران كموعد حددته الجماهير نفسها في ذكرى النكسة، إلا أن المفاجأة كانت صاعقة للعدو الإسرائيلي بتحديهم من خلال مجموعة من الناس لربما اعتقدت بضعفهم لكن في لحظة حقيقية كانوا أقوى من كل توقعاتهم الضعيفة، والمواجهة طبعاً كانت بإطلاق الرصاص، ووسائل الحرب الهمجية كانت حاضرة ليسقط الشهداء وتبتل تربة المكان بدماء أهلها الحقيقيين.
لأرض الاحتضان حق
وقد وثّق الفيلم هذه الحادثة التي لم تشبه ما يماثلها عبر تاريخ الصراع بين العرب وإسرائيل فكانت من سورية رائدة في الوصف والمبادرة، وكانت جرأة مهمة من حيث التقاط المشاهد مباشرة من دون تزييف أو تلوين، وكانت مبادرة حقيقية وثقت ما حدث ولم يوثقها آخر فيما بعد لا بمحاولة سينمائية ولا درامية فاقتصرت على هذا الفيلم فقط .
خطر الرسالة
أيضاً من المفاصل الحسّاسة التركيز على رسالة الضابط الإسرائيلي الذي حقق مع الفتاة وعدم تسليط الضوء كفاية على رد الفعل والقول الذي وجّهته الفتاة إليه، بل يجب تكريس ردّ فعلها الآني كونها مرهقة ومتعبة بسبب قلة الاهتمام، والضغط الممارس عليها في أيام السجن، وبين ردة الفعل الذي يجب أن يتكون في صورة متكاملة بعد عودتها إلى أرض الاحتضان السورية، فالفيلم سلط الضوء أكثر على رسالة الضابط الإسرائيلي للسوريين من أجل التخلي عن حلم استرجاع الأرض المغتصبة، في حين لم يمنح ردة فعل الفتاة الفلسطينية على ذلك الضابط المتعجرف الاهتمام نفسه وهذا يخدم العدو في إيصال رسالته لأن اللاشعور سيرتبط بالمشهد الأكثر إثارة وستتعلق الذاكرة به أكثر!.
أين السوري؟
من جانب آخر لم يُظهر الفيلم تحدّي السوريين لهذا الموقف، بل كان التركيز فقط على الفلسطيني، ورغبته في العودة، على حين إن الجولان حقيقةً ليس جزءاً من فلسطين بل هو تابع للأراضي السورية. فأين موقع السوري من هذه اللحظة؟ هذا هو السؤال الذي بحثت من خلاله عن إجابة واضحة فلم أتلمسها كفايةً، فكان من الأجدى توضيحها أيضاً ولاسيما أن أهل هذه المنطقة لهم خصوصية دينيّة، وعلاقة خاصة مع سورية يفرضونها بقوّة على الاحتلال وسياسته في معظم المناسبات الوطنية والقومية، وكثير من الأحداث التاريخية تدل على قوة الإرادة لدى الشعب السوري في هذا البلد، ولا يستحق الأمر التغييب من الحدث وبمعنى أوضح ألا يستحق السوري الجولاني أن نذكره هنا؟
نقاط تُحسب
من جهة ثانية كانت الأهمية واضحة ومن دون مناقشة من حيث توثيق الحدث، وذكر أسماء الشهداء، والمباشرة في الطرح، ومحاولة بين المباشرة والرمزيّة البسيطة، وهي المحاولة الأولى للمخرج الشاب المهند كلثوم وكلها نقاط جيدة تحسب له.
محاولة «توتر عالي»
الفيلم روائي قصير والنص لـ«سامر إسماعيل»، والبطولة لـ«علي صطوف»، و«مي مرهج» وكان ضيف الشرف الفنان القدير «أديب قدورة»، والفيلم يحاكي صورة الواقع، لكنه ليس الواقع بل جاء من زاوية رؤية مشتركة بدأها كاتب النص واستمر بها المخرج، لتولّد صورة بين الغريبة والقريبة، لكنّها ليست إلا محاولة للتشبّه بالواقع.
النسبة الجماليّة
ومن النقاط الشديدة الوضوح التي لا يمكن إغفالها هي «النسبة في العمل الإبداعي»، وهي حالة لا بدّ من مراعاتها من قبل عين الإخراج، وإلا كان هناك خلل في جماليّة المُنتج في النهاية، وما وقع به المخرج من حيث نسبة الجمال، هو «الأطوال» في اختيار بطلي الفيلم، فهناك مشاهد بدا الطول فيها يشكل فارقاً غير محمول، بين حجمي الممثلين، وفي العادة يمكن للكاميرا أن تخفي عيب فارق الطول، وتباين الحجوم، فإن لم يكن بالإمكان ذلك، سنذهب بنقدنا لآلية الاختيار التي اعتمدها المخرج، وعندها لا يمكن لوم غيره.
إشكاليّة في الحوار والصفات
أيضاً الحوار لم يحمل الوضوح الكافي، ففي مراحل كان بسيطاً وعذباً، وفي انتقالات سريعة يصبح معقداً ويثير العصبية، وأقصد أنه يحمل خلافات بين البطلين لم تكن مبررة كفاية، ما يشكل ضياعاً للمتابع، فالمزاج المتقلّب كان الأكثر تحكماً في شخصيّة البطل، والذي من المفترض أن يكون أكثر استيعاباً لكلّ ما يجري من حوله، لكنه بدا متسرعاً وكثير المحاولات ولا يحسب لحالة إخفاق أو لحالة نجاح واستمرار إلا أنه فقط يحاول ويحاول، فهل هكذا تكون شخصية القائد أو المخرج في الحياة؟ وأيضاً لتكون نهايته حتى في اللحظة الأخيرة الموت! فهل يستحق من يحاول ويجرب أو يلهو ويلعب نهاية كهذه؟! وما أعنيه أن الشخصيّة في حوارها وتفاصيلها تحتاج إلى دراسة دقيقة أكثر، فصفات الشخصيّة غير واضحة، ففي البداية شيء، وفي النهاية شيء مختلف، وردات الفعل غير منطقية لا علاقة لها بصفات الشخصية غير المحددة أصلاً.
حدود غير منطقية للبطلة
أما بطلة الفيلم فقد كانت مرسومة في حدود بدت واسعة في البداية وصُدّرت ضيّقة في النهاية، فهي طالبة تدرس في الجامعة في السنة الثانية – كما بين الفيلم – ولديها طموح كبير لتكون نجمة مشهورة، ولديها قلب يخفق، ومنحت لنفسها في المشهد الأول إطلالة الواثقة من نفسها، والذكية في تخيّل وجود كادر كبير مع لوم المخرج على تأخيره، على حين إنها تقلّصت وتراجعت عن هذه الصفات مع مرور المشاهد، فبدت الدمية التي يلهو بها البطل، إضافة إلى الإجابات البسيطة التي تدل على عدم امتلاكها الأدوات لتكون ممثلة ذات حضور، وموهبة كما تحلم، وهذا تضارب غير منطقي.
معادلة سلبيّة الأطراف
ما وصلنا إليه في المشهد الأخير كان صادماً وقد شكل طرفي معادلة غير منسجم، فالبطل قتيل معلّق، والبطلة تندب وتنوح، وأهل الحارة جامدون، ولا أحد يتحرك إلا بعض الدموع، التي لا بدّ من توافرها، ولكن المشهد لم يكن إلا شهوداً، وقتيلاً، وفتاة تندب، فهل هذا يعبر عن واقع حقيقي؟ ربما يعبّر عن وجهة نظر خاصّة ليس إلا؟ أما عن واقع سوري فلا بد أنه ابتعد كثيراً. أيضاً جسّد قتيل الصورة الأخيرة على عامود التوتر شكل صليب، ربما حمل شيئاً من الترميز إلى الصلب الذي وقع به الوطن، فكان يحمل وزر دول العالم كلّه، تشبهاً بالسيد المسيح، لكن مشهد النواح والعودة بالأرقام تخيلاً لأنه كان يمزح لم يصل بالمشهد إلى الغاية المفترضة من شكل المشهد فذهب المضمون في اتجاه والشكل في اتجاه.
الاعتماد على اللهجات
ابتعد الفيلم في كثير من اللحظات، على نوعه كفيلم روائي قصير، باتجاه الإغراق في اللهجات، لكن ذلك لم يخدم الفيلم جيداً فكانت اللهجة الساحلية تدعو للتفكّه والضحك مستذكرين أفلام المخرج «عبد اللطيف عبد الحميد»، وكانت اللهجة الشامية مكرّسة للغة سيطرة الزوج على المرأة الشاميّة «كما فعلت مسلسلات البيئة الشامية الدارجة»، وكانت اللهجة الحلبية هي الأضعف من حيث الذهاب في نهاية المشهد إلى كلمات غزل شهوانيّة جرحت فيها حتى بطلة الفيلم لتدخل في نوبة بكاء جديدة. والسؤال: ما الذي أضافته هذه المشاهد من قيمة فنية إلى الفيلم؟ ولو كانت مشاهد مؤداة بعيداً عن اللهجات السوريّة ألم تكن متناغمة أكثر مع السياق العام للفيلم؟
ضرورة الفهد
في خطوة لدعم سينما الشباب يمكن الاتفاق على أنه خطوة جيدة لشبابنا في إنتاج فيلم روائي قصير، لكنه لا يبعث على الراحة في معظم المشاهد، فدائماً هناك توتر وانتظار لمفاجأة من الممثلين، بين ترقب وانتظار وقسوة في ردة فعل الجميع، باستثناء شخصية البائع التي جسدها الفنان «أديب قدورة» فكانت الألطف والأجمل بحضوره المهيب، على الرغم من التركيز على كلمة «الفهد» والتي اعتقد أنها غير ضرورية، إذ جاءت في مواقع للتذكير بأنّه صاحب دور «الفهد» الذي حمل خطوة رائدة في تاريخ السينما السورية وتكريمها منذ بدايتها. وفي حضور الفنان القدير «أديب قدورة» كان لنا أن تحدّثنا إليه فقال: «بالنسبة لي مشاركتي هي دعم لسينما الشباب، وقد كانت مشاركتي كخطوة داعمة لشباب البلد، وكنت ضيف شرف في هذا الفيلم، وأنا احترم المؤسسة العامة للسينما التي ظهرت من خلال أعمالها، كما أن هذه المؤسسة تحترم الفنّ السينمائي الجاد، وأهنئ المخرج الذي قدم الفيلم بصورة لطيفة، وأتفاءل له ليقدّم أفلاماً روائيّة جديدة في المستقبل».
انطلاقتي من بلدي
أيضاً كان لنا وقفة خاصّة مع المخرج «المهند كلثوم» وعن سبب اختياره هذين الفيلمين بالتحديد أجاب: «لأن «البرزخ» أول تجربة بعد تخرجي من أوكرانيا وعودتي إلى سورية، ولأنّ «توتر عالي» هو آخر تجربة اشتغلتها، وللفيلمين شيء مشترك هو أن «البرزخ» كانت الكاميرا فيه تواجه رصاص العدو الصهيوني، و«توتر عالي» كنّا نواجه في فترة تصويره قذائف الهاون، كما أنني أحبّ هذين الفيلمين، فهما يعبّران عن انطلاقتي من بلدي، ولذلك وقع الاختيار». أمّا عن جديده القادم وما سيقدّمه من عمل سينمائي شارف على نهايته فيضيف: «أضع لمسات أخيرة على فيلم ديكودراما بعنوان «ياسمين»، والنص لـ«منعم السعيدي» وشاركت في الكتابة معه، والإنتاج لـ«صورة الحياة»، وهو محاولة سينمائيّة من خلال أصوات أطفال سورية، فليكن الطفل هو من يعبّر عن صوت السوريين في المحافل الدوليّة، ومقولة الفيلم ستأتي بمعنى أن «طفل الشام لا يشيخ».