ترامب وعوامل الضعف في داخل أميركا وخارجها
| تحسين الحلبي
ربما تكون إسرائيل من الدول الحليفة لواشنطن من أكثر الدول المستفيدة بعد أن حافظ الجمهوريون على الأغلبية في الانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ، بل زاد عدد مقاعدهم في الكونغرس لأن خسارة الجمهوريين أمام الديمقراطيين في «مجلس النواب» لن تؤثر كثيراً في قرارات السياسة الخارجية التي يتولى الكونغرس تبنيها بأغلبية جمهورية رغم قدرة الديمقراطيين في مجلس النواب على استخدام أغلبية النواب في عرقلة أو تأخير ما قد يتخذه مجلس الشيوخ، السيناتورات، من قرارات يعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بل إن ترامب من صلاحيته كرئيس تجاوز مجلس النواب وتحمل المسؤولية بعد تنفيذ قراراته.
إسرائيل وجدت منذ عام 2016 أن فوز ترامب «الديماغوجي» و«المتقلب» سيقدم لقيادتها فرصة استخلاص قرارات لم يتمكن الرؤساء الأميركيون من اتخاذها أو تنفيذها، فقد نفذ ترامب لإسرائيل أخطر قرار كان يخشاه كل الرؤساء سابقاً وهو الاعتراف بضم القدس المحتلة ونقل السفارة الأميركية إليها، كما نفذ قرار تجميد اتصالاته بالسلطة الفلسطينية والمفاوضات بينها وبين إسرائيل ووقف من خلال ذلك مع السياسة التي أرادها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسمح لإسرائيل الإعلان عن «يهودية الدولة» أي «دولة اليهود وحدهم على كل فلسطين المحتلة»، وتبنى مشروع تصفية وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» التابعة للأمم المتحدة تمهيداً لإلغاء قرار حق العودة الصادر عن الأمم المتحدة منذ عام 1948.
ورغم أن جميع رؤساء الولايات المتحدة والمجلسين، الشيوخ والنواب، لم يتوقفوا عن دعم إسرائيل بكل الأشكال العسكرية والاقتصادية وتبني قراراتها ومشاريعها لتصفية القضية، إلا أن ترامب ما كان ليستطيع تقديم كل هذه الخدمات غير المسبوقة للكيان الإسرائيلي في القدس وموضوع «يهودية الدولة» وتصفية «أونروا» وعدم التجاوب مع أي دعوة للسلطة الفلسطينية لولا الموافقة المسبقة لعدد من دول النظام الرسمي العربي التي جعلتها واشنطن تتصدر قيادة الجامعة العربية والقمم العربية وتوافق أو تتكيف مع قرارات ترامب التي جعلت نتنياهو يقول إن ما حققه ترامب لإسرائيل كان أهم وأكبر مما حققه لها الرؤساء السابقون بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك في العقدين الماضيين. وفي السنتين المقبلتين المتبقيتين لولاية ترامب يرى مراسل أميركا الشمالية في «بي.بي.سي» البريطانية أنتوني تسوكر أن «أسنان الديمقراطيين في مجلس النواب وهم الأغلبية فيه ستظهر بأعلى قوتها لعرقلة أغلبية الجمهورية في الكونغرس، وقد تظهر نتائج هذه الأسنان بعد سنتين في ضمان فوز المرشح الديمقراطي للرئاسة عام 2020»، لكن السياسة الأميركية على المستوى المنظور قريباً ستجمع بين كلا الحزبين في أي موقف يتعلق بإسرائيل، والمعروف أن النفوذ الصهيوني اليهودي الأميركي يشمل كلا الحزبين بل إن كل حزب منهما قد يختلف مع الآخر حول السياسة الدولية أو الاقتصادية أو الاجتماعية الداخلية ولكنه لن يختلف مع الآخر على دعم هذا الكيان الإسرائيلي، فالديمقراطيون لا يمكن أن يستخدموا أغلبيتهم في «مجلس النواب» لعرقلة قرار يتخذه ترامب أو الكونغرس لمصلحة إسرائيل ولذلك يجد نتنياهو أن سياسة ترامب في فرض العقوبات على كل من لا يقاطع اقتصادياً إيران ستستمر، بل سيسعى نتنياهو الآن إلى تطوير هذه السياسة الأحادية لكي يفرض ترامب على بعض الدول التي تحتاج للمساعدات الأميركية نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة مادام الحزب الديمقراطي لا يختلف عن الجمهوريين في دعم إسرائيل.
وبالمقابل أعرب مسؤولون في الاتحاد الأوروبي عن سرورهم من عدم فوز الجمهوريين بالأغلبية في المجلسين ورأوا في ذلك فرصة للدول الأوروبية لمناكفة سياسة فرض العقوبات الاقتصادية التي ينفذها ترامب على دول كثيرة في العالم.
وفي النهاية ما زالت منطقة العالم العربي والشرق الأوسط قادرة على استمرار التحدي الذي تتبناه دول محور المقاومة ضد سياسة ترامب ومشروعه في الهيمنة على المنطقة مهما حاولت إسرائيل الاستفادة من ترامب، وما زال العالم يتجه نحو انقسام حاد بين أقطاب متعددة أبطلت مفعول الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة التي لم تعد القطب الأعظم الأحادي بعد أن تمكنت موسكو وبكين من فرض إرادتهما وتوسيع تحالفاتهما مع دول إقليمية في المنطقة وفي مقدمها سورية وإيران.