«بعدك على بالي» في مشهد الأدب النسوي … ريما بيلاني لـ«الوطن»: الرواية لم أستشفها من علاقة محددة.. ولكنها واقعية تحمل إشارات تبدو متناقضة
| سارة سلامة- ت: «أسامة الشهابي»
في مركز ثقافي أبو رمانة كان الموعد مع الكاتبة ريما بيلاني عشية حفل توقيع أول أعمالها الروائية الذي حمل عنوان «بعدك على بالي»، لتغوص بنا في الأدب النسوي وتدخلنا عالم وردي تحكي فيه عن حنان المرأة وحنينها وإخلاصها وضعفها وقوتها، مستشهدة في روايتها بأغان للسيدة فيروز لتقترب من قلب كل أنثى عاشقة وتذوب ولهاً وشوقاً وحنيناً، وتقول: «ها هي سيارة الأجرة تصل إلى الممرات الأنيقة المؤدية نهايتها إلى بوابة المطار، ضربات قلبها بدأت تتسارع، أذعنت ناريمان لدقات قلبها المرتبك والخائف أن يتوقف لعشوائية دقاته المتسارعة، ليس من السهل عليها اتخاذ هذا القرار، فهي الآن في القرار نفسه، وبدأت المحاكمة الموضوعية لذلك القرار، ليس من الصحيح أنها كانت تفكر في اتخاذ مثل هذه الخطوة منذ أشهر فقط، بل كانت تراودها منذ ثلاثين عاماً عاشت فيها غريبة بين عثمان وأولاده، غربتها عنهم قتلت الحياة في يومها واغتصبت فرحتها، ثلاثون عاماً مرت مع تلك الأسرة، يوماً تلو الآخر وهي مراقبة لأفعالهم، مستنكرة لتصرفاتهم، صارخة من دون أن يسمع لصراخها».
شيزوفرينيا
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قالت الكاتبة ريما بيلاني إن: «عنوان الرواية يعود إلى إحدى أغاني السيدة فيروز الشهيرة، التي يرددها كل منا لما لها وقع جميل على الأذن، وخاصة أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالرواية، وتحتوي الرواية بشكل عام على عدة مقاطع لأغاني فيروز بالعامية ولكن اللغة المتبعة بها هي الفصحى، حيث أتحدث عن سيدة خمسينية في العمر، تقرر بعد 30 عاماً من الزواج ترك عائلتها المؤلفة من زوج وولدين، وتهجرهم بعد معاناة طويلة، وفي السرد نرى أن هناك تداعيات وقصصاً قديمة وذكريات، وإذا ما دققنا نلاحظ أن الرواية كلها حدثت خلال 4 ساعات فقط، وفي الختام يستنتج القارئ أن البطلة أساساً لم تكن متزوجة وليس لديها عائلة ولا حتى أولاد، بل لديها حالة مرضية تدعى (شيزوفرينيا)، وأنها كانت تحب شخصاً ولكنه تزوج وأنجب أطفالاً وتبقى مخلصة له ومتفاعلة معه كزوجة ولهما أبناؤهما، وعاشت هذه الحالة المتكاملة مدة 30 عاماً مقتنعة تماماً بأنها متزوجة منه ولديها ابن وابنة».
وأضافت بيلاني إن: «الرواية لم استشفها من علاقة محددة أو موجودة وبالتأكيد لا أعرف امرأة كهذه، ولكنها رواية واقعية، وأحداثها كلها من الواقع، وهي حالة طبية صحيحة، ويمكن كل شخص فينا أن يجد ناريمان في مجتمعه، والحقيقة تفاعلت وأحببت شخصية ناريمان جداً إلى درجة أحسست أنني أنا ناريمان».
وبينت بلاني أن: «رواية بعدك على بالي، هي العمل الأول لي حيث كنت قد اشتغلت في المجال الصحفي مدة عشرين عاماً إلى أن تركت ذلك المجال ودخلت بالكتابة لنفسي، حتى أبصرت روايتي هذه النور، وآمل أن يلقى هذا العمل النجاح والاستمرار حتى أستطيع أن أقدم أكثر ويكون لدي دافع لأتطور، أما طموحي فيتلخص في أن أرى روايتي مجسدة كفيلم لأنها مناسبة جداً لذلك».
حكاية المرأة
وبدورها قالت الأديبة ديانا جبور إنه: «وفي الوقت الذي كانت فيه النساء تنشغل بتبديل الحفاضات، بدأت الكتابة، في الأربعين من عمرها بدأت إيزابيل الليندي كتابة رواية الأشباح، عندما كان أبوها يعاني سكرات الموت، صديقتنا ربما تفوقت عليها، وهنا سأذيع سرّاً، بأنها بدأت الكتابة في الخمسين، أما لماذا أشير إلى العمر ففي منحى إبداعي لا يعنيني كثيراً كمتلق ما هو قبله أو وراءه، بل لأقول للحاضرين، وأخص الحاضرات أن الوقت لا يفوت مطلقاً، ما إن نبدأ حتى نصل في الوقت المناسب، المهم أن نبدأ، أيضاً أشير إلى العمر لأقول إن في حياة كل منا جرحاً، أو جروحاً، نظنّها وهي حارة أنها ذروة الألم، وإن كتبناها، فقد نقع في ورطة الثأرية أو التشفي أو الذاتية المفرطة، أما إن استعدناها باردة، فقد نضمن أننا نستعيد العميق منها لا السطحي».
وأضافت جبور إن: «الجروح مادة درامية، لكنني أحتاج أيضاً أثناء القراءة إلى مستوى آخر أبعد من الحدوتة، أسعى إلى اطلاع أوفى على سيرة مجتمع عبر سيرة الفرد، وهنا أستطيع الجزم بأن ريما بيلاني لم تكتف بتقديم حكاية فردية يمكن اختزالها بجلسة ثرثرة نسائية، بل قدمت حكاية المرأة (هنا أو في أي مكان من الأرض)، حكاية المرأة التي تلغي ذاتها وتذوب من أجل من تحب، فتصبح التضحيات من أجل من يحتاجونها هي المحدد الأهم وربما الوحيد لهويتها ومغزى وجودها، ولكن السؤال الوجودي الأهم سيتمثل أمام المرأة وقد نمت أجنحة من تحب فطاروا بعيداً عنها، أو حتى قضوا كما الحال مع والد إيزابيل الليندي، أو ابنتها باولا».
وبينت جبور أن: «أنتِ الأهم، إن لم تكن المرأة مكتملة من دون أي نوع من أنواع المرضية بدءاً من التغول وانتهاء بالتصاغر بقبول التغييب، فلن تتم واجباتها تجاه نفسها وتجاه من تحبهم، بل ستتحول بمرحلة ما إلى عبء عليهم، كما هو حال المرأة السبعينية التي صادفتها ناريمان في مقهى المطار، وإن كانت تبدو من بعيد كما لو أنها في الخمسين، ويقول فولتير في مقدمة مسرحية الابن الضال: «كل الفنون جيدة ما عدا الممل منها، محظور تخطته ريما بذكاء عندما جعلت ناريمان تتلبس سمات المريضة النفسية من دون التصريح بالمرض، لكن الواقع المحايد والمكايد لا يلبث أن يطل برأسه ويمد لسانه، ما يجعل القارئ بداية في حيرة، وأحياناً بحالة تربص، يريد أن يثبت على الكاتبة شبهة الاختلاق وإساءة التصرف بما اؤتمنت عليه».
وأفادت جبور إن: «الرواية حملت الكثير من الإشارات التي تبدو كأنها تناقضات هربت من وعي الكاتبة وقلمها، لكنها لن تلبث أن تنعقد خيوطها في نهاية الرواية بعقدة واضحة، إنه المرض النفسي، لماذا العنوان «بعدك على بالي»، وهو دوماً مفتاحي أو عتبته إلى الولوج إلى دارة النص، وأن نستعير عنواناً لفيروز يعني الانحياز إلى زمن الأصالة والبراءة، وهو ما يضاعف مشكلة التأقلم مع الزمن الحالي، وهذه إحدى سمات الرواية، كما أن في كلمات الأغنية ما يوحي بالعبث الذي استحكم بحياة ناريمان (حبيت افتحلوا، عالحب اشرحلوا طليت ما لقيت غير الورد عند الباب)، إلى أن تقول (مرق الصيف بمواعيدو والهوى لملم عناقيدو، وما عرفنا خبر، عنك يا قمر ولا حدا لوحلنا بإيدو، بتطل الليالي وبتروح الليالي وبعدك على بالي)، إنها رواية الوحدة ووهم بتحقيق الذات عبر الآخر، فإذا بنا نفقده ونفقد ذاتنا».