ثقافة وفن

اللا شيء..

| إسماعيل مروة

كل شيء..! يطمح أحدنا ويطمع في أن يملك كل شيء، يخاف على ذاته، لا يريد استهلاك ما منحته الحياة، وقديماً وصف ابن الرومي البخيل (تنفس من منخر واحد)! يريد كل الهواء، ويضنّ أن يستخدم منخريه، ويريد قصراً وقصوراً، ولا يريد أن يبذل جهداً أو مالاً! ويريد ويريد، ولا يسمح لذاته أن يجود بشيء، مهما كان هذا الشيء ضئيلاً، ولو استطاع فإنه يأخذ لقمة المحتاج ليصنع عالمه، ويقتضب ما لديه من فرح ليحقق ترفه!
ويأخذ أرض بيته ليصنع مزرعة مترفة! يقول قائل: ليفعل ما يشاء، فإنه لن يحتاج أكثر من حفرة وقبر، وسينزل باطن الأرض كما نزل غيره من المظلومين! وفي كل حديث عن قوي وظالم ومعتد يقول القائلون: الويل له من آخرته، ومن لقاء ربه! حتى الحجاج بعد كل ما فعله من أجل دولة الأمويين، وبعد أن ظلم وقتل من جملة سيرته، تجمّع حوله العلماء كما تقول الكتب، وقالوا: ويل للحجاج من لقاء ربه! وكأن الحجاج وحده سيقابل ربه! وكأن من ظلمهم وقتلهم سيعودون إلى الحياة مجدداً!
وتدور حياتنا في دوامة، السارق يسرق والناس ينظرون إلى آخرته وحدها، فالله هو من يحاسبه، وويل له من ظلمه وما فعله وما سرقه! يرحل ويتحدثون عن مسكنته ولقائه، وربما أشفقوا عليه، وربما سامحوه على كل ما فعله معهم، يريدون تخفيف العذاب عنه! لم يسأل أحدهم: لماذا يسامح الخالق في التقصير معه، وأما أمر حقوق الناس فللناس؟! لأن الناس يجب أن يأخذوا حقوقهم من سالبها ومغتصبها، ولا يكون ذلك إلا في الحياة، وليس بعد الرحيل، وليست مهمة حقوق الناس إلا للناس أنفسهم.. وفي حياتنا الشرقية القائمة على الغيب فكل شيء متروك للآخرة، والذي سرق سيتمتع أولاده بما سرق، وستتحول هذه السرقات إلى مملكة من السرقة والفساد، والذي وقع عليهم الظلم سيتحولون إلى خدم لهؤلاء الورثة، ورثة الفساد والسرقة.
ماذا سيأخذ معه؟ كلمة نسمعها لرشّ الملح على الجرح كلما أراد بسيط الحديث عن سارق ولص وفاسد..! لن يأخذ معه شيئاً، من المؤكد لن يأخذ، لكنه عاش حياته بالطول والعرض، لم يترك بلداناً، ولم يترك قصوراً لم يعش فيها، تمتع بحسناوات الكون وطبيعته، وبطريقة أكثر وضوحاً، تمتع بالمال والطعام والشراب والحوريات، فماذا ينتظر بعد؟!
مصيره إلى قبر ضيق يقولون، وكما يأخذ كل الناس سيأخذ قبراً يرددون!
أي نهاية ستكون سوى القبر؟
وأي مصير ينتظر المرء سوى التراب؟
فلنبحث عن التعادل في الحياة بعلم ودأب وإخلاص، برفض للظلم والفساد، باقتسام حقيقي لكل ما يمكن، ولا ننتظر، فإن الله لن يشارك الضعيف والمتخاذل في استرداد حقوقه، ولم يقدّر على الفقير أن يكون فقيراً، ولا على الضعيف أن يكون ضعيفاً.. إنه قرار الإنسان، الإنسان هو من يقرر مصيره وحورياته وحياته، الإنسان هو من يقرر أن يكون لصاً أو شريفاً، وهو من يقرر أن يكون مبدئياً أو فاسداً.. كلها قرارات الإنسان، والحياة ليست كما يزعم أصحاب المؤسسة الدينية الذين يرفلون بكل أنواع النعيم بعد أن تقاسموا كل شيء مع المؤسسة السياسية والمالية، ليست للعبادة وحدها بآليات وطقوس، بل للعمل والوصول إلى ما يسعده وترك أثر في الحياة بموقف أو كلمة أو عمل أو إبداع، وإلى ما يجعل الحياة أكثر متعة وجمالاً.
كل شيء هو اللاشيء، فلنكن شيئاً واحداً في حياة تريدنا شيئاً، ولا تريدنا أن نزهد بها أو أن نكون ظلمة أو مظلومين.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن