اقتصاد

«التابلاين» العراقي!

علي هاشم

 

ثمة استعجال غربي لقطف ثمار حروب لم ينتصر فيها. فمع صمود السوريين في وجه «تدجين» وطنهم الذي أغلق أفق المصالح الغربية في المنطقة، ها هي الولايات المتحدة الأميركية تندفع عائدة إلى دفاترها العراقية القديمة، معلنة نواياها الوقحة بتقسيمه إلى دول ثلاث.
آسيا، القادمة إلى مسرح المنطقة، أعلنت نيتها بعث مسارات التجارة العالمية القديمة بالتوافق مع دولها، وهي لذلك أطلقت صندوق «إحياء طريق الحرير»، مشحونا بمناورات عسكرية غير مسبوقة مع شريكها الروسي في المتوسط.. لتقول مختصرها: على الغرب التهيؤ لقبول تغيرات درامية في خريطة تقاسم المصالح مع الناهضين الجدد.
المسارعة الأميركية لتقسيم العراق، تدلي بردها المقابل: فشلنا وحلفائنا في تطويع سورية والعراق، لا يعني عدم قدرتنا على نسخ مفاتيح جديدة لبوابة طريق الحرير التاريخية بمصراعيها الممتدين من خليج العرب شرقا إلى ساحل المتوسط غربا، وحتى لو لم يكف الأمر لإبقاء فضاءات مصالحنا مفتوحة، فهو يكفل إغلاقها في وجه الجميع عبر استنساخ أبواب جديدة قوامها دول صغيرة وتابعة من دول الخليج جنوبا، إلى المملكة الهاشمية، فدولة غرب العراق، وأخرى تابعة شماله، وصولا إلى تركيا وساحل قزوين… والحال كذلك، فكيف لآسيا أن تحلم في إحياء طريق حريرها؟!.
نجاح لعبة «المفاتيح والأبواب» التي يحاول الغرب فرضها على مستقبل المنطقة عبر دول قائمة، وأخرى يحاول استيلادها، سيؤسس لـ«قوس جغرافي» مطواع يصل الخليج بأوروبا، ويحاكي نسخة مطورة عن أنابيب «التابلاين» المتوقفة منذ 50 عاماً.. أما معالجة الاختناق «العراقي- السوري» فيمكن أن تتم عبر إعادة هندسة «مقطع العراق». نجاح الأمر، سوف يكرس بنية سياسية جغرافية قابلة لاحتضان «تابلاين طاقوي» شمالا و«سلعي» جنوبا يختزلان أكلافاً هائلة يرتبها النقل عبر آلاف الكيلومترات ورسوم المرور في القنوات المائية وأتاوات القرصنة البحرية التي مافتئت تراكم انسدادا مريرا في شرايين الاقتصاد الغربي وتثقل كاهل تنافسيته أمام آسيا الناهضة.
يمكن للسياق السابق أن يفسر إعادة هيكلة شركة «آرامكو» التي تعد اختزالا لطبيعة الهيمنة الغربية على نظم الخليج العربي، كما له أن يفسر التلاقي الطارئ بين المملكة السعودية وتركيا «الناتو».
في المقابل، سيتوزع الضرر على مستقبل الحضور الصيني الروسي في النظام العالمي الجديد، لكنهما لن يكونا أكبر الخاسرين، فإضافة إلى العراق المهدد في كيانه، هنالك سورية التي، وزيادة عن تهديد استقلالها، قد تخسر آمالها بتحول جغرافيتها إلى فضاء يجمع بحار القارات الثلاث «آسيا وإفريقيا وأوروبا»، وتتقلص فرصها في تحاصص مشاريع حيوية عابرة للمنطقة كتلك التي أبرمت تفاهماتها في 2010 لنقل النفط والغاز العراقي والإيراني عبر موانئها.. أما مصر التي تمر عبر أراضيها ومياهها نحو 12% من حجم التجارة العالمية يوميا، بما فيها 6% من النفط العالمي وقرابة 15% من تجارة الغاز، فستشهد هي الأخرى تراجعا كبيراً في أهميتها الحيوية لتدفق الاقتصاد العالمي، بما يفتح الباب على مصراعيه لتوترات خطيرة يمكن أن تهدد مستقبلها.
السيناريو الغربي المعلن سياسيا والمفترض اقتصاديا، ليس حتمي النجاح، فزيادة عما تؤشر إليه العودة الأميركية «الغريزية» إلى تقسيم العراق من انسداد يزداد تضيقا على خططها الرامية لإعادة هندسة المصالح العالمية في المنطقة، هنالك آسيا التي تصطف إلى جانب شعوبها، حماية لمصالحها ومصالحهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن