دور الإعلام في الحرب على سورية … كولون: استخدموا في سورية مبادئ التضليل الخمسة والحرب فيها مباشرة وغير مباشرة
المعركة الحقيقية هي معركة إعلام، يكسب هذه المعركة من يكون أقدر على بناء إنسان مدرك للتاريخ ومدرك للغايات الاستعمارية التي طالت البشرية منذ العصور القديمة، غايات أذاقت الويلات وهتكت بالحرمات، فقط من أجل مصالح هي ذاتها: موارد طبيعية وثروات، تشويه التاريخ والحضارات، تفكيك المجتمعات، وأخيراً هدم الإنسان بفكره وإبداعه، كلّ هذا عبر سياسيات تنشر معلومات وأفكاراً توهم الشعوب وتصبح ثقافات يصدقونها بسذاجة، معتقدين أنها محقة وساعية لتحصيل الحقوق الإنسانية، ومن ثم الحروب ليست من أجل الإنسان، ولا بسبب شخص قائد صُوّر بمظهر الشرير القاتل والديكتاتور المدّمر، بل هي- كما هي الحقيقة الماضية والحالية والمستقبلية- كما ذكرنا من أجل مصالح استعمارية بحتة، ولأن الإعلام سلاح ذو حدّين، كان لابد من السعي الجاد للوقوف عند أسلوبه المسيّس والممنهج في التضليل للرأي العام العالمي، ونشر الحقائق الراسخة بأن سورية شعباً وقيادة قلب واحد، كان وسيبقى الواجب بالتركيز على إعلام يبث الأفكار الصحيحة، وعليه أقامت مؤسسة أحفاد عشتار ندوة بعنوان (دور الإعلام في الحرب على سورية) في قاعة أمية-فندق الشام، برئاسة د. أيسر ميداني، وبمشاركة ثلاثة من كبار الإعلاميين الغربيين المناهضين للإرهاب والداعمين لنضال الشعوب وخاصة الشعب العربي السوري وهم: ميشيل كولون، فيدريكا موريللي، ماجد نعمة.
وقبل الكلمات والمداخلات، تمّ عرض فيلم وثائقي يبيّن الحقيقة والتضليل في فبركة من الفبركات الإعلامية، التي سعت القنوات العربية والغربية إلى نشرها، عبر صور ومقاطع فيديو ولقاءات مع سوريين، فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية، وكيف كانت القنوات تضلل الرأي العام، وتبتعد عن الحقيقة في إظهار ما تمّ نشره مما هو مفبرك وما تمّ تسريبه حول التمثيل والكذب في شأن الواقعة.
الندوة غنية وفيها نتوقف عند كلام الضيوف إضافة إلى مداخلات من الحاضرين، وإليكم المزيد:
مبادئ الحروب الخمس
أكد الصحافي ميشيل كولون في بداية حديثه، أنه خلال حياته المهنية كان قد زار العديد من الدول التي رزحت تحت الحروب القاتلة والمفجرة بقنابلها قلوب الأطفال وحجر عمار البنيان في الكثير من دول العالم العربي والأجنبي، وكان يتابع التجارب الاستعمارية المطروقة في كل تلك البلدان وما يحصل فيها من تضليل إعلامي، ويسعى إلى الحقيقة بنشرها لكونه مؤمناً بها، فيقول «وكل هذا يتطلب أن نعمل معاً بطريقة منظمة، فعندما نعمل معاً نكون أكبر من الكذب، مما يتطلب من اتحاد الكتّاب والصحفيين، وكل من يعمل بالإعلام وكلّ من موقعه، أن نكون يداً واحدة كي نتفوق على الكذب أو التضليل الإعلامي، في جميع الحروب التي عشتها في فنزويلا، يوغسلافيا، ليبيا، حيث تبين أن هناك نوعين من الحروب، حرب مباشرة وحرب غير مباشرة، والحرب السورية هي حرب من النوعين، وهنا أشدد على أنه يجب ألا نقع بفخ أن الحرب هي بسبب قائد أو شخص معين، لأن الحرب سببها النفط والغاز والثروات التي تمتلكها هذه البلدان، لذلك لابد من مساعدة الأشخاص الذين لا يثقون بالمعلومات التي تصلهم ويتم تضليلهم بها.
وبالنسبة للتضليل الإعلامي، يقول الصحفي البلجيكي: إنه وضع له خمسة مبادئ عددها على الشكل التالي: المبدأ الأول: هو الفائدة الاقتصادية، وهذا المبدأ ينطبق على أي حرب، لذا يجب أن نتساءل دائماً، هل مَنْ افتعلوا الحروب جاؤوا ليحدثونا عن أطماعهم؟ بالطبع لا. ففي سورية كانت الحرب للحصول على الثروات الموجودة في سورية من (نفط وغاز)».
المبدأ الثاني: هو التضليل في ميدان التاريخ، فالاستعماريون يسعون دائماً لتقسيم البلاد، ومساعيهم وصلت إلى سورية كي يسيطروا على المنطقة، وهذا الأمر لا يعلن عنه في إعلامنا الغربي، ولا يتحدثون عن التاريخ أو كيف بدأت الحرب بعيداً عن عمق أسبابها الاستعمارية وهدفها الحقيقي، إذاً، أميركا وفرنسا تصب الزيت على النار.
أما بالنسبة للمبدأ الثالث: فهو يقوم على إظهار الرئيس أو القائد بأنه شيطان، وأنّ هذا الشخص هو المشكلة، وعلى الدول أن تتدخل للقضاء عليه والإطاحة به. وكمثال على هذا المبدأ، عندما كنت في فنزويلا وقرر هوغو شافيز رئيس فنزويلا في وقتها ألا تذهب أموال البترول إلى أغنياء نيكاراغوا، بل تمسّك بقراره بأن تذهب إلى الشعب والحكومة الفنزويلية، قرروا إظهار تشافيز بأنه شرير وقاموا بمحاربته.
على حين إن المبدأ الرابع يأتي بتغيير مفهوم المعتدي والمعتدى عليه، ففي الصحافة الأوروبية عندما يتحدثون عن فلسطين، يُظهرون إسرائيل بأنها مظلومة ومُعتدى عليها، والحقيقة غير ذلك، وهم يعرفونها ولكنهم لا يظهرونها، كي لا يقال إنهم مخادعون. لقد نشرت كتابا عن إسرائيل في عام٢٠١٠، وبسببه طاردني الصهيونيون ومنعوني من الظهور على التلفزيون البلجيكي.
وأخيراً المبدأ الخامس هو احتكار الإعلام ومنع الحوار، فعادة هناك رأيان مختلفان، على حين في التضليل الإعلامي لا نسمع إلا رأياً واحداً، وهذه الاستراتيجية في التضليل طبقت في الصحافة، وفي بلادي المعتدون يتم إخفاؤهم، فلا يتحدثون عنهم أو عن من سلاحهم ومن موّلهم، وعندما كنت في البوسنة وكوسوفو استخدموا إرهابيي القاعدة لجعل الناس يتقاتلون، على حين استخدم أسامة بن لادن ضد روسيا».
هذا وتابع كولون حول اضطهاده كصحفي ومخرج وله قلمه ورسالته المؤمن بالسعي لتحقيقها بحق الشعوب في مواجهة القوى الاستعمارية مهما كان من مواجهات أو معاكسات لقوله الحقيقة «الشعوب لدينا تعاني وهي ضحية الإعلام الكاذب، وبالطبع لقد حوربت كثيراً ويعتبرونني في الاتحاد الأوروبي متآمرا لأنني أسعى إلى نشر حقائق، ففي كتابي الأخير الذي سأقوم بنشره قريبا بعنوان (الولايات المتحدة الشواهد المئة الأسوأ في العالم) قصدت في العنوان بكلمة (الشواهد) كوني سأنشر ما حصلت عليه من المسؤولين الكبار من اعترافات وحقائق، إضافة إلى التسريبات والاعترافات بما قاموا أو كيف اعتدوا على البلدان في العالم من أجل الموارد الطبيعية من بترول وغاز، فكتابي هذا سيكون سلاحاً فعالاً سأستخدمه ضدهم من أجل كل الشعوب. في الختام أشدد على ما قلته في البداية إذ أود أن نناضل معا في الإعلام، ففي أوروبا الشعوب يعيشون حالة خيال ولا يعرفون التاريخ والحقائق، فهم يظنون أن الحروب تقوم من أجل حقوق الإنسان والتي هي في بلادنا- وأقصد بلادنا الأوروبية- غير محترمة لحقوق شعوبها، لذا يجب أن نتعاون وأن يكون هناك تواصل واتصالات وحوار بيننا، وحتى علينا أن نشارك المدنيين معنا، وأن يساهموا في مشاركتنا في هذا الموضوع. صحيح أن التغيير سيكون بطيئاً ولن يكون في خمس دقائق، لهذا علينا بالنضال والإصرار مع الإعلاميين والمدنيين لتحقيق الهدف المنشود، ففي النهاية المعركة الحقيقية هي معركة إعلام، ورسالتي الأساسية أن كلّ شعب له الحق في تحقيق العدل الاجتماعي والعيش في ديمقراطية والعيش مع جيرانه في البلدان الأخرى بسلام».
تجدر الإشارة إلى أن ميشيل كولون صحفي وكاتب ومخرج أفلام بلجيكي، وهو رئيس تحرير موقع ودار نشر (investiag. Action)، يعمل في مجال الصحافة الاستقصائية والعلاقات الدولية. بدأ مشواره المهني في الأسبوعية البلجيكية (سوليدير) وبعدها تابع عمله كصحافي وباحث مستقل، فقام بإصدار كتب وأفلام إضافة إلى جريدة الكترونية ترسل إلى40 ألف مشترك. وهو معروف بمواقفه المناهضة للسياسة الامبريالية.
من أهم مؤلفاته: احذروا الإعلام! إعلام الكذب في الخليج- بوكر كذاب.. القوى العظمى يوغسلافيا والحروب المقبلة- احتكار الناتو وغزو العالم- الإمبراطورية في حرب.. وقت الأزمات- إعلام ورقابة-بوش.. الإعصار.. القوانين الاقتصادية التي تؤدي إلى الحرب.. الفقر وجرائم أخرى الجرأة.. على الكلام.
له فيلمان: تحت قنابل الناتو- ملاعين كوسوفو.
فيدريكا موريللي
عبرت الباحثة والكاتبة الإيطالية فيدريكا موريللي التي تعمل مع السيد ميشيل كولون خلال كلمتها عن مدى سعادتها وفخرها، لكونها اليوم تزور سورية وتمضي وقتها بين السوريين الذين لمسوا قلبها بتضامنهم ورغبتهم في تبادل المعلومات مع التمسّك بالحياة على الرغم من مرارة السنين السبع الماضية وتتابع قائلة: «أنا أشكر الشعب السوري وأشكر كل من هو صادق في البرلمان الأوروبي. لقد عشت زمنا في أوروبا وهذه المرة الأولى التي أزور بها سورية، عندما أعود سأحدثهم عن هذا البلد الرائع، وخصوصا عائلتي التي تخشى عليّ كثيرا من هذه الزيارة، بسبب الهجمات الإرهابية والأخبار الملفقة والمبالغ فيها حول سورية وحول قيادتها التي صورها الإعلام بالدكتاتورية التي تدّمر وتقمع كل حق إنساني، عائلتي لا يمكنها التصّور الحقيقي للوضع السوري، لكونهم يعيشون التضليل الإعلامي الكبير الذي تتعرض له سورية، التضليل الإعلامي الذي تضخم وأخذ أفقا واسعا في إخفائه للحقائق والتاريخ، على حين أنا من القلة القليلة التي لم تتأثر بهذا التضليل، ولكن بالمقابل هناك الكثير من الأشخاص الذين يسعون للحقيقة ولإيصالها للآخرين». وعن حرية النشر والإعلام وكيف هو موجه ومسيّس لغايات كبيرة تؤكد الباحثة موريللي حقيقة من الحقائق المغيبة، وهي أن الاتحاد الأوروبي لا يوفر الحرية في نشر الكلمة والتعبير عن الرأي، وتضيف «أنا أحب عملي كثيرا وأسعى لتطويره ولكن الأمر صعب للغاية، فنحن ضعيفون ونعتمد على الهبات والمساعدات، كما أننا نتعرض بشكل دائم للاضطهاد ونواجه حربا على ما نقوم به في مواجهة التضليل الإعلامي الذي تنتهجه الدول، وبالتالي أصبح أمرا مألوفا لنا أن نُمنع من نشر كتب أو مقالات، كما أنه يتم إلغاء ندوات أو مؤتمرات قمنا بالتحضير لها لشهور، لكننا سنبقى على الدرب من أجل كلمة حق الشعوب».
انتصار سورية ملحمي
من جانبه اعتبر الكاتب والمحلل السياسي ماجد نعمة أنه علينا ألا نتواضع في وصف انتصار سورية، باعتباره انتصارا ملحميا، رغم أن الثمن غال مشيرا إلى أن التحدي الأكبر سيكون في ربح معركة البناء غير السهلة، متحدثا من البداية «انتصار الشعب السوري وصموده هو الذي جعل القوى الدولية تحسب حساباً لسورية وطبعا التحالف مع روسيا أيضا، لأن روسيا تعرف أن معركة سورية هي معركتها لأنهم في حال استطاعوا أن يهزموا سورية فهم سينتقلون إلى العراق ثم إيران، وبعدها روسيا فهي مستهدفة مثلما سورية مستهدفة، لذلك انتصار سورية الإستراتيجي الحاسم غيّر الكثير من المعادلات الدولية وأصبح الصراع عالماً حول سورية، وهذا الانتصار غيّر كل المعطيات والمراهنات، فهم قالوا إنهم سيستطيعون هزيمة سورية خلال شهرين أو ثلاثة بأقصى حد، فمثلما سقط النظام في مصر وليبيا وتونس ستسقط سورية أيضا، وهم كانوا متأكدون من ذلك، لكن الجميع رحل وبقيت سورية».
وعن كيفية خروج أميركا من الشمال السوري لفت نعمة أن سورية عندها أوراق لا يستهان بها وهي لم تستخدمها إلى اليوم، ويضيف إن أميركا تدرك أنه عندما تقرر سورية استعادة كل أراضيها سواء بالطريقة العسكرية أم السياسية فهي قادرة، لكن سورية ترجح دائما الطريقة السلمية حرصا على سفك الدم السوري.
وحول التضليل الإعلام ودوره في الحرب على سورية يتابع نعمة «الوضع الإعلامي اليوم في سورية أفضل من قبل، أي أفضل من ثماني سنوات مضت، والدليل أن الأوروبيين منعوا الإعلام السوري من المجيء إلى أوروبا، فهم يخافون من الحقيقة التي يقولها هذا الإعلام سواء الإعلام السوري أم الإعلام المقاوم كقناة المنار، وهنا أحب أن أذكر مثالا، ففي فرنسا هناك مؤتمرات منعوها عندما عرفوا أنها تتحدث عما يجري في سورية». وعن قدرة الإعلام السوري على مواجهة التضليل الإعلامي وتأثيره في نشر الحقائق يقول «هناك كفاءات بالإعلام السوري، وهذه المعركة تحتاج إلى متابعة وتطور، معرفة بما يقوم به العدو، وهذه نصيحة لكل صحفي أن يكون لديه ثقافة واسعة ومعرفة بكل المعطيات. والسوريون متفوقون بمختلف المجالات في الإعلام والسينما، ومن المهم أن يكون هناك أفلام وثائقية توضّح ما جرى في سورية، فهناك معلومات يجب أن يعرفها الرأي العام العالمي، فمن بداية الأزمة تم تسليح المتظاهرين ورفع السلاح ضد الجيش والقوى الأمنية في كل مكان في سورية، إذا على الصحفيين السوريين أنفسهم التحقيق في كل ما جرى».
نختم هنا بالذكر بأن الأستاذ ماجد نعمة، كاتب ومحلل سياسي سوري فرنسي، وهو رئيس تحرير مجلة إفريقيا آسيا الفرنسية منذ أكثر من عشرين عاما، وهي أول مجلة فرنسية متخصصة بدعم نضال الشعوب التحرري.
ضرورة رفع الأصوات الصادقة
في مداخلة للأب إلياس زحلاوي أكد ضرورة بناء الإنسان وخاصة في الوقت الحالي، بعد أن تمّ تشويهه بما أمكن كي يخلّف وراءه كل قبح وبشاعة بدلا من العكس، فيقول بداية «قد يبدو ما أريد أن أقوله غريبا عن الموضوع، نحن في عالم فقد كل قيمة، إذاً نحن في عالم يذّكر بقيمة الإنسان، من يستطيع أن يذكّر بقيمة الإنسان؟ هناك أصوات فردية كما شاهدنا وسمعنا من خلال هذه الندوة، ولكن لابد من أن تكون هناك أيضاً أصوات مسؤولة عالميا. أنا أرى صوتين جديرين بأن يُسمعا اليوم، الصوت الأول هو صوت العالم الإسلامي، ولكن العالم الإسلامي، اليوم شوّهت صورته وشوّه واقعه، وشرّدت شعوبه وقُلّب بعضها على بعضه الآخر، ويؤسفني أن أقول إن صوت مشايخه كانت في الأغلب تدعو إلى تدمير الإنسان. في سورية أسمع صوتا رائعاً، صوت المفتي الشيخ أحمد بدر الدين حسون، ولكن كما يقال الورور الواحد لا يصنع الربيع، أتمنى على المسلمين أن يرفعوا أصواتهم ويحركوا شيوخهم لكي يذّكروا أولا بحقيقة تاريخية لا يجوز لأحد أن يجهلها في الشرق ولا في الغرب، فيوم دخل المسلمون إلى دمشق كانت سورية ودمشق يومها تعاني اجتياح الفرس لهما، وكانوا في حالة ضعف كبير، مع ذلك تفاوض المسلمون مع الوجهاء المسيحيين في دمشق واتفقوا على دخول المدينة سلما، على أن يدفع أهل المدينة جزية تبين أنها كانت دون الجزية التي كانوا يدفعها المسيحيون للبيزنطيين الذي كانوا يحكمون سورية، وعاش المسيحيون مع المسلمين طوال عهد الخلافة الأموية، وهنا تفصيل لابد من التذكير به، أتدرون بأنهم كانوا يصلون في مكان واحد طوال سبعين عاماً؟. المكان هو اليوم مسجد بني أمية الكبير، وكان آنذاك كنيسة يوحنا المعمدان، لم تُستبدل هذه الكنيسة بالمسجد إلا في عام 705 مع الخليفة الوليد بن عبد الملك، سبعون عاما يصلّون في مكان واحد، ولذلك رسّخت في سورية أسس العيش المشترك منذ ذلك الحين، وامتدّ هذا النمط من التعامل بين المسلمين الفاتحين وسكان هذه المناطق إلى القدس ثم إلى مصر ثم إلى الأندلس. وليس من يجهل بأن المؤرخين الإسرائيليين أنفسهم على اختلاف انتماءاتهم، الفرنسية أو اليهودية الإسرائيلية أو الأميركية، يعترفون بأن عهد الأمويين في الأندلس كان العصر الذهبي لليهود طوال حكمهم، هذه حقيقة لابد أن نتذكرها ونذّكر بها كل إنسان ولاسيما المسؤولين في نطاق العالم الإسلامي، هذه نقطة أولى، أما النقطة الثانية: فأنا كاهن أؤمن بيسوع المسيح، أؤمن بأن يسوع المسيح هو كلمة الله الذي مات حبا بالإنسان على الصليب، كلمته المشهورة لا يمكن لإنسان أن يجهلها أو يتجاهلها(ما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه فداء عن أحبائه). هكذا أحبّ الله العالم حتى إنه بذل ابنه الوحيد كي لا يهلك كل من يؤمن به، هذا الحب، عالم اليوم بحاجة إلى من يذّكره به، عالم اليوم يعاني تدمير وتقتيل وتشريد مئات من الملايين من الناس. ما حصل في سورية ليس استثناء، كان استثناء في الهمجية، ولكن الهمجية امتدّت على نطاق العالم كلّه قبل فلسطين وبعد فلسطين على نطاق الدول المستضعفة. هنا نطرح السؤال التالي: من عليه أن يذّكر المسؤولين على نطاق العالم وخصوصا في الغرب؟، أن يذّكرهم بقيمة الإنسان، وبالتالي بقيمة كل شعب، وبضرورة احترام الإنسان وبكل شعب، وبضرورة توزيع خيرات الأرض على شعوبها كلّها بدل احتكارها بأيدي قلة قليلة تتحكم بمصائر الشعوب. من؟. أنا ككاهن أقول هذا الواجب يجب على الكنيسة أن تقوم به، وأقول بكل أسف الكنيسة لا تقوم به، ولذلك بدأت منذ خمسة وأربعين عاما أكتب رسائل كانت أولا شخصية لمسؤولين كبار في الغرب، وكنت كلّما أسافر أجتهد بأن ألتقي بعض المسؤولين. والتقيت ذات يوم قبل الحرب على العراق بخمسة أشهر، كاردينال باريس المطران جون ماري لوستيجه، حدثته بهدوء كبير، طالبته بأن يكون- وهو اليهودي الأصل- صوتا يذّكر اليهود الأصليين وفي العالم، بأن العنف الذي ينتهجونه في فلسطين سوف يبتلعهم عاجلا أم آجلا، وقلت له:(أنا كاهن عربي أتيت إليك من دمشق كي أقول لك فقط ارفع صوتك لتذّكر إخوتك اليهود بأن ما يمارسونه من عنف، سيبتلعهم ذات يوم). أتدرون ما قال لي؟. أجابني بما يشبه البوح: (لم يكلمني أحد على هذا النحو)، كرّرها مرتين. وعندما عدّت إلى دمشق، كتبت له أذّكره بواجب رفع الصوت، طبعا لم يرفع الصوت ولم يرد على رسالتي. لكنني تابعت الكتابة أوزّع الرسائل على كل من أستطيع أن أطاله، وأجرؤ أن أقول بأنني تطاولت حتى على البابا، وطالبت الباباوات المختلفين من يوحنا بولس الثاني إلى البابا الحالي فرانسوا، طالبتهم بضرورة الانسجام مع الإنجيل الذي يقرؤونه كل يوم ويتلونه في القداس كل يوم والذي لا يعلن إلا حب الإنسان، طالبتهم بهذا ويؤسفني أن أقول بأنهم حتى الآن هم مكمّلون بعقدة ذنب هائلة تجاه اليهود، لأن الكنيسة في الغرب مارست لا سامية مع اليهود طوال مئات الأعوام، مئات السنوات وهي اليوم لا تدري كيف تستغفر اليهود على خطيئتها الماضية، ما نحن فيه يحتاج إلى أصوات صادقة على مستوى المسؤولين جميعا، صادقة على مستوى التعامل مع الشعب، صادقة على مستوى الإيمان الذي ينطوي عليه كل إنسان منا».
لمواجهة التضليل.. بناء الإنسان
ومن المداخلات أيضاً تكلم الدكتور وخبير البيئة أواديس استانبوليان عن نظرته للتضليل الإعلامي من جهة بيئية، متحدثا «إذا نظرنا إلى بيئة الإعلام في بيئة التاريخ، فسنجد بشكل دائم بأن الإعلام كان له دور يكون مرة إيجابيا وفي مرات أخرى يكون دوره سلبيا، بالنتيجة وحتى الآن المحرك الأساسي للإعلام هو الإنسان، إذا العمل الأساسي يجب أن يكون حوله، وبالتالي إذا استطعنا أن نبني الإنسان بطريقة يكتشف خلالها عمقه، فلم يعد بمقدوره الكذب أو تشويه الحقائق، لأن الإنسان الحقيقي لا يستطيع الكذب أبداً».
| سوسن صيداوي