قضايا وآراء

ترامب قبل الانتخابات الأميركية 2018 ليس كما بعدها

| د. قحطان السيوفي

انتهت الانتخابات الأميركية النصفية 2018؛ الأكثر صخباً، الأكثر إقبالاً، الأكثر تمويلاً، والأكثر إثارة… الرئيس الأميركي، دونالد ترامب رحب بنتائج الانتخابات مُتباهياً وزاعماً أنها «يوم كبير ورائع»، و«نجاح هائل»… وقال خلال مؤتمر صحفي: «تحدّى الحزب الجمهوري التاريخ لتعزيز أكثريتنا في مجلس الشيوخ»… الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما اعتبر أن نتائج الانتخابات تشكّل «بداية».
ينظر الكثيرون إلى هذه الانتخابات كاستفتاء على رئاسة ترامب. وتثير استعادة الديمقراطيين مجلس النواب تساؤلات حول إذا ما كان الجانبان يتجهان إلى صدام… سجّلت النساء رقماً قياسياً في الترشح لهذه الانتخابات، وفازت منهن 100 من بينهن أول عربيتين مسلمتين تدخلان مجلس النواب، كما نجحت سيدتان من السكان الأصليين…
بالمقابل كان ترامب وسلفه أوباما تبادلا اتهامات بالكذب، وتحدّث أوباما قائلاً: «لا تقفوا عند أكاذيب، عندما يكون الناس قادرين على الكذب فقط، لا يمكن للديمقراطية أن تنجح، من العتمة السياسية». في المقابل، جدد ترامب تأكيده أن حدوث «موجة زرقاء (ديمقراطية) يساوي موجة إجرامية».
الواقع إن الموجة الزرقاء الديمقراطية تلفح ترامب في مجلس النواب، ولا تسقطه في الشيوخ، الديمقراطيون كأغلبية في مجلس النواب يتطلعون إلى كبح الرئيس ترامب، ما قد يمكّنهم من إلحاق هزيمة به في انتخابات 2020.
وسيرأس الديمقراطيون لجاناً في مجلس النواب قادرة على التحقيق في عائدات ضرائب ترامب وتضارب محتمل للمصالح. كذلك يمكنهم إرغام الرئيس على الحدّ من طموحاته التشريعية، وتقويض خطط يأمل بتنفيذها، بينها تشييد جدار حدودي مع المكسيك أو تمرير حزمة ضخمة ثانية لخفض الضرائب أثارت الانتخابات ترقباً في العالم، إذ أعلن الكرملين أنه لا يرى «أفقاً لتطبيع» العلاقات مع واشنطن، لكنه أبدى «انفتاحاً على حوار» معها، بينما اعتبر نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس، إن الناخبين الأميركيين اختاروا الأمل بديل الخوف.
أظهرت الانتخابات وكأن الأميركيين اختاروا سلطة تشريعية منقسمة.
الحزبان الجمهوري والديمقراطي، سيكونان أمام واقع مختلف خلال السنتين المُقبلتين. من جهة، سيعمل الديمقراطيون على اعتماد الحرب الناعمة من خلال استثمار الانتصار الناقص الذي حقّقوه (أغلبية في مجلس النواب)، من دون أن يدخلوا في مواجهات صعبة وخاسرة معه. ومن جهة أخرى، سيكافئ ترامب نفسه، بالمثابرة على تمرير أجندته، تارة بالتسوية وطوراً بالتصدّي والتحدّي. تشير استطلاعات الرأي إلى أن 40 بالمئة من الشعب الأميركي يرغبون في عزل ترامب كما أن 77 بالمئة من الذين صوتوا للديمقراطيين يطالبون بذلك.
فوز الديمقراطيين بأغلبية النواب سيخولهم فرض رقابة مؤسسية على رئاسة ترامب، سيلقي هذا الفوز الضوء على التكتيكات التي اتبعها الرئيس الأميركي قبيل الانتخابات النصفية التي استندت إلى مهاجمة الديمقراطيين واستخدام «لغة عنصرية» عند تناول مسائل مثل الهجرة رجل الصفقات، الذي هلّل لنفسه، في فوز الجمهوريين في مجلس الشيوخ، أبدى لاحقا رضوخاً واقعياً لفكرة أن استمرار سياساته وولايته بأقل أضرار ممكنة، قد يتطلّب منه تنازلات وتسويات، بوجود أغلبية ديمقراطية تسيطر على مجلس النواب. وهو مدرك أن التعارض بينه وبين الديمقراطيين قائم فيما يتعلّق بمسائل عديدة، مثل الضرائب على الشركات الكبيرة، والهجرة.
نتائج الانتخابات تُعطي الحزب الديمقراطي قدرة ضئيلة على القيام بالأمور وحده، بينما سيكون ترامب مضطراً إلى اجتراع حلول، ولو جزئية، لبعض المسائل، في محاولة للتقليل من تداعيات هذه الانتخابات.
يُدرك الديمقراطيون، كما الرئيس، أن الرغبة شيء والواقع شيء آخر. قد يناورون في إطار القضايا الصعبة، مثل التجارة والهجرة والضرائب، على أساس الحدّ الأدنى الذي يمكنهم تحقيقه في شأنها وهو إيصال وجهة نظرهم، وربّما يذهبون إلى أبعد ما يكون بناء على الحد الأقصى، وهو عرقلتها. وسيحاول الديمقراطيون الاستفادة من النصر الذي حقّقوه، واعتبارها نقطة انطلاق من أجل التعامل بذكاء، لمحاولة هزيمة ترامب في انتخابات عام 2020.
ثمة مؤشر إلى تغييرات في الإدارة حيث أعلن وزير العدل الأميركي جيف سيشنز، استقالته من منصبه، ومن المتوقّع أن يقوم ترامب بتغيير حكومي، بعد الانتخابات النصفية.
رسمت الانتخابات النصفية ملامح الواقع السياسي الحالي والمستقبلي القريب في الولايات المتحدة، كما اعتُبرت مؤشراً إلى بعض التغيرات التي طرأت على توجهات الناخبين الأميركيين بعد عامين من وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض.
أبرز نتائج اليوم الانتخابي، وذلك بعد انتزاع الحزب الديمقراطي الأغلبية داخل الكونغرس من الجمهوريين، ليؤمّن 220 مقعدًا داخل المجلس المؤلَّف من 435 مقعدًا ورغم أهمية ذلك الانتصار للديمقراطيين؛ ولاسيما في سعيهم لمواجهة ترامب وتعطيل أجندته في بعض الملفات، لكن ذلك الانتصار داخل مجلس النواب لم يكن كاسحاً إلى ذلك الحد، وهو أمر اعتبره المراقبون مؤشراً إلى تعمُّق الانقسامات الحادة السياسية والثقافية بين الأميركيين.
يرى المراقبون أن الارتفاع الكبير في نسبة المشاركة في الانتخابات، واستحواذ الديمقراطيين على أغلبية مقاعد مجلس النواب هو اعتراض على سياسات ترامب.
ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، إن «الليبراليين والديمقراطيين اتحدوا سوياً لإيصال توبيخ قوي للسيد ترامب، حتى مع تعزيز الجمهوريين لأغلبيتهم داخل مجلس الشيوخ».
هل ستغير نتائج الانتخابات النصفية الأميركية من سياسة واشنطن تجاه منطقة الشرق الأوسط؟ من المبكر اتضاح ذلك، لكن المحللين في أي استحقاق انتخابي أميركي يُسقطون الرغبات على التكهنات حول أثرها في السياسة الإقليمية لواشنطن. لكن الأمر لا ينطبق على القضايا الكبرى والجوهرية، كالانحياز لإسرائيل والتشدد تجاه إيران.
الموضوع المهم الذي أفرزته الانتخابات الأميركية أنها وضعت أسلحة تشريعية بيد الديمقراطيين ليواجهوا ترامب والجمهوريين، وأصبح الصراع أكثر توازنا، لكن هذا الصراع لم يحسم بعد. كما أنها ضمنت للديمقراطيين كرسيا على طاولة القرار حيث أنهت وضعهم كمعارضة مكتوفة الأيدي أمام رئيس جموح ومتهور. وباستخدام شعارات الحزبين الأميركيين يمكن القول إن «الحمار» الديمقراطي سيعرقل مسيرة «الفيل» ترامب الجمهوري.
ترامب يدعي أنه غير قابل للهزيمة، لكنه هُزم هذه المرة، وقد يهزم مرة أخرى، وبالتالي فإن ترامب قبل الانتخابات الأميركية 2018 ليس كما بعدها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن