قضايا وآراء

نقد العقل السعودي.. (إن وجد) (2)

إياد إبراهيم : 

في إحدى زياراتي عندما كنت أسافر إلى «جدة» قبيل عام 2000 كنت مع مجموعة من الشباب السعودي ننتقل على أوستراد المدينة الصاعد في سيارة أحدهم، في الطريق شاهدت إعلاناً هائلاً على سطح أحد الأبنية المرتفعة يتضمن دعوة للتبرع لمجاهدي الشيشان، أثارني الأمر ولم أكن قد تعرفت إلى عقل السعودي بعد، فقلت لمن حولي: «بدل التبرع لهؤلاء لماذا لا يكون التبرع لأهل غزة المحاصرين..؟».
فجأة انقطعت الأحاديث التي كانت وانهالت علي موجة من التوبيخ من كل صوب، كلمات تنعتني بالجاهل والكافر والملحد.. فقد كان رأي الجميع أن من في فلسطين ليسوا مسلمين حقاً بل هم «ملاعين»، لو كانوا مسلمين لما ابتلاهم اللـه بما هم فيه من احتلال، بينما المسلمون الحق هم أولئك المجاهدون في الشيشان الذين يحاربون أصل الكفر الشيوعي»..
وما أزال مستغرباً مصدر هذه الثقافة في العقل السعودي، إلى أن قرأت منذ أيام على صفحات التواصل الاجتماعي (facebook) أن بعض الشيوخ في إحدى دول الخليج العربية قاموا بتقديم مسرحية للأطفال عنوانها (ليلى والذئب).
أحد هؤلاء الشيوخ يقول للأطفال: هل تعرفون ماذا فعل الذئب بـليلى؟
لقد أكل الذئب رأسها لأنها لم تغطِ شعرها!!
شيخ آخر يكمل القصة فيقول للأطفال: هل تعلمون لماذا لحق الذئب البنت؟؟
لأنها كانت ترتدي تنورة قصيرة!!
فانبرى ثالث وهو يردد بصوت جهوري أمام الأطفال: لا لا ليس لهذا فقط لحقها الذئب بل لأنها خرجت من دون محرم..
بهذه العقلية يتم إخراج أجيال متخلفة لا تعرف سوى ثقافة القتل باسم الدين والإسلام، بهذه العقلية يسيّر النظام السعودي مجتمع نجد والجزيرة، يربي أجيالاً مغسولة الأدمغة تلبي حاجته للبقاء في السلطة، أدواته أمراء الوهابية شيوخ التكفير الذين يشاركونه السلطة باسم هيئة «النهي عن المنكر والأمر بالمعروف».. وأي معروف يأمرون به!
فقد بات عقل «المطوع» مقياساً ومعياراً للصح والخطأ، وما هو إلا رجل أمي في أحسن أحواله أمي يقرأ ويكتب، بإمكان هذا الرجل الملقب بـ«المطوع» أن «يهشك» بالعصا في أي مكان، فيدفع الناس إلى الاصطفاف وإقامة الصلاة ولو وسط الطريق من دون أن ينتابه أدنى إحساس بما في ذلك من مس لقيمة الصلاة والدين بكليته.
على قناة cbc المصرية سيدة سعودية أربعينية جميلة، ليست محجبة تماماً وإنما محتشمة بعباءة وشال يغطي رأسها ويظهر جزءاً من الرقبة مزيناً بطوق ينم عن ثراء، بعد تقديمها على أنها ناشطة سعودية قالت: «90% من النساء السعوديات ينزعن الحجاب فور صعودهن إلى الطائرة لمغادرة المملكة، وتسأل المحاور (عارف ليش؟) ثم تجيب: لأننا ما تربينا على أن الدين معاملة، نحن تربينا أن الدين غصب عنك وإلا فستتعرض للضرب على يد رجل الهيئة في الشارع.
تضيف السيدة: مجتمعاتنا ليست مجتمعات محافظة نهائياً، بل هي مجتمعات منغلقة.
ليس هناك دين حقيقي.. (خليني أسألك؟) ألسنا مسلمين؟
ألا نصلي خمسة أوقات في اليوم؟
أليس شرط الصلاة الوضوء يعني الطهارة؟
أمام هذا تعال انظر إلى شوارعنا، أين الطهارة، أين تطبيق الدين، أين النظافة؟..
في حادثة أخرى استقطبت اهتمام وسائل الإعلام (غير المملوك لنظام بني سعود طبعاً)، قامت «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بالتعاون مع شرطة محافظة الخفجي في مملكة بني سعود بمداهمة منزل لأسرة لبنانية في حي العزيزية كانوا يحتفلون بعيد السيدة العذراء داخل مسكنهم، فاعتقلتهم جميعاً، 27 شخصاً من بينهم أطفال، اعتقلتهم بتهمة ممارسة الصلاة المسيحية وحيازة «أناجيل»..!
وقررت سلطات نظام بني سعود التي تمنع رسمياً ممارسة أي عبادة غير الإسلام وتعتبر كل الديانات الأخرى غير مرغوب فيها على أراضيها، قررت نزع الإقامة من المتهمين وترحيلهم خارج المملكة، ولم تفلح محاولاتهم شرح وجهة نظرهم بأن القرآن الكريم يقدر السيدة العذراء، وأن صلاتهم لم تتسبب بأي أضرار.
بهذه العقلية يتشدق أمراء النظام الوهابي بالديمقراطية.. ويفوضون أنفسهم للتحدث باسم شعب سبقهم إلى الحياة بثلاثة عشر ألف عام، شعب علم الدنيا الحرف والرقم والزراعة، واخترع له أدوات الحياة، شعب سمي أبناؤه أبناء الحياة استحقاقاً وهدفاً، فأي عقل ذلك الذي يعتقد أنه بما سرق من ثروة يمكنه أن يملك الناس..!
إلا أن عقل بني سعود المحدود لا يزال يتعرض للسخرية، فحتى حماتهم ومشغلوهم الأميركان والإنكليز يسخرون منهم، ومن محاولاتهم التمظهر بما ليسوا فيه، فها هي أستاذتهم وحليفتهم في الإعلام شبكة الأخبار الأميركية «سي. إن. إن» تقول: «إن السعودية روجت وهللت وافتعلت ضجةً لموضوع تسجيل النساء للتصويت في الانتخابات البلدية في المملكة واعتبرته أجهزة إعلامها وسلطاتها «معلماً مهماً من معالم التقدم، إلا أن المملكة هي واحدة من أكثر الدول قمعاً للنساء وحجباً لحقوقهن، لذلك فإن مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات البلدية لا قيمة لها، لأن النظام السياسي في المملكة بلا معنى أصلاً، فالمشاركة في نظام لا معنى له، تصرف بلا معنى أيضاً».
هذا هو العقل السعودي، هل يحتاج الأمر إلى إيضاح.. لا أعتقد؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن