قضايا وآراء

عندما تملأ رسائل محور المقاومة صندوق تل أبيب

| محمد نادر العمري

يوماً تلو الآخر تتكشف القدرات النوعية التي بات يمتلكها محور المقاومة بمختلف فاعليه، من حيث الإستراتيجيات بعيدة المدى والتكتيكات للتعامل مع القضايا الراهنة والكفاءة القتالية والقدرات الردعية ورسائلها السياسية والعسكرية التي أصبحت تل أبيب تتلقاها بشكل كمي متصاعد، تمثل ذلك في مؤشرات وتطورات عديدة برزت في أكثر من جبهة أو إطار جغرافي أو مناسبة سياسية، ولعل آخرها وأهمها تجلى خلال الأيام الماضية في:
أولاً- الضغط السياسي والعسكري الأميركي والمال السياسي السعودي لم يحقق نتائجه في الضغط على الدولة العراقية لتجريم الحشد الشعبي وحركات المقاومة العراقية، وما حصل مؤخراً من تنسيق مشترك بين هذه الحركات والجيش العراقي من جهة ومع الجيش السوري من جهة ثانية في السيطرة على الحدود السورية العراقية والقيام بعمليات مشتركة ضد تنظيم داعش الإرهابي على طول الحدود وداخل الأراضي السورية، شكل صفعة مؤلمة للإستراتيجية الصهيوأميركية في استهداف «الكريدور» البري لمحور المقاومة عبر الإرهاب.
ثانياً- تحرير مخطوفي السويداء في عملية عسكرية دقيقة ونوعية للجيش السوري، عملية التحرير هذه هي ليست الأولى من نوعها ولكنها من حيث التوقيت والمكان والمضمون لها أكثر من دلالة واضحة، أولها من الناحية النظرية للعلم العسكري والأمني يكون هناك دائماً خسائر سواء في المحتجزين أم بالقوات المحررة ولكن عملية التحرير هذه تمت من دون أي خسائر، مما يعني تفوقاً في قدرات الجيش السوري على القيام بعمليات «كومندوس» ضمن الجغرافيا السورية بما في ذلك الأراضي المحتلة، ثانيها من حيث المكان تمت هذه العملية في منطقة حميمة تبعد قرابة 42 كم من قاعدة «التنف» التي اعتبرتها واشنطن ضمن الرقعة الآمنة للقاعدة وهي تخضع لمراقبتها وقامت بعمليات عدوانية متكررة سابقاً في استهداف قوات حليفة لدمشق التي يبدو أنها أرادت توجيه رسالة لقوات ما يسمى التحالف وبخاصة واشنطن، بأنه لا يوجد خطوط حمراء في استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية وعزل قاعدة «التنف»، أما الأهمية الثالثة فتكمن بزخم العمليات العسكرية التي قد يشنها الجيش العربي السوري بعمق البادية السورية في الأسابيع القادمة للقضاء على ما تبقى من بؤر إرهابية لداعش بعد تخلصه من قيد الحفاظ على حياة المخطوفين.
كما أن عملية تحرير المخطوفين مثلت التزاماً بالوعود التي تعهدت بها القيادة السورية، ولاسيما أن أحد أهداف عملية الخطف التي حصلت في مدينة السويداء وما رافقها من أعمال إرهابية منذ أربعة شهور تقريباً كانت بهدف إفراغ حفاوة تحرير المنطقة الجنوبية من سورية عبر إحداث حالة «فتنوية» وشرخ ثقة المواطن السوري بمؤسسات دولته وقدراتها واستخدام المخطوفين دروعاً بشرية من داعش لوقف زحف الجيش السوري.
أما الرسالة الثالثة كانت من صندوق بريد الضاحية الجنوبية المملوء بالمفاجآت الردعية، وعلى لسان الأمين العام لحزب اللـه السيد حسن نصر اللـه بيوم الشهيد عندما أكد حتمية الرد على أي عدوان إسرائيلي على لبنان، التأكيد على حتمية الرد قد لا يكون محصوراً بالجغرافيا اللبنانية بل قد يعكس حالة الجهوزية الردعية لمحور المقاومة في الرد على أي عدوان إسرائيلي أو أميركي أو أطلسي على أي من أطراف المقاومة، وما حصل من رد للفصائل المقاومة الفلسطينية منذ يومين هو خير دليل على ذلك.
ومن هنا تنبع أهمية التصريح الأخير للسيد نصر اللـه من حيث المضمون والسياق والرسائل، في فرض أمر واقع وحقيقة أن خيارات حزب اللـه ومحور المقاومة هي أكثر اليوم من هامش المناورة الإسرائيلية، والقيادة الأمنية والسياسية في تل أبيب تعلم تماماً إن لم تكن مؤمنة بأن ما صرح به الأمين العام يعكس حالة مراكز اتخاذ القرار لمحور المقاومة بأكمله من طهران وصولاً لغزة مروراً ببغداد ودمشق والضاحية الجنوبية، الأمر الذي يضع القيادات الإسرائيلية بين خيارات ثلاثة أحلاها بطعم العلقم: فهذه القيادات إما أن تبتلع التهديد وتمتنع عن القيام بأي اعتداء خشية الرد وهذا سيزيد من تأزم الوضع الهش للقيادة الإسرائيلية بمختلف جوانبها، وإما أن تقدم تل أبيب على اعتداءات وتختبر جدية التهديد وتتلقى الرد، على غرار ما يحصل اليوم في غزة، أو أن تقدم هذه القيادة على السيناريو الأسوأ المتمثل بعدوان وتلقي الرد والقيام برد على الرد.
أما المؤشر الرابع هذه المرة فكان من قيصر الكرملين أثناء احتفاليات باريس، بتخييب رجاء وآمال رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإجراء مصالحة بعد إسقاط الطائرة «إيل 20» في اللاذقية.
تل أبيب باتت اليوم أشبه بصندوق بريد يتلقى الرسائل من جبهات المقاومة الواحدة تلو الأخرى التي تزيد من تأزم وضعها رغم حملة التطبيع العلنية المتسارعة مع الدول الخليجية، وفشل العقوبات الأميركية في تحقيق آمالها في خنق إيران.
على تل أبيب أن تمعن جيداً بآخر صفعتين: الأولى هي الرفض الشعبي الفلسطيني للأموال القطرية ولزيارة السفير القطري إلى غزة والتمسك باستمرار مسيرات العودة حتى فك الحصار عنها، والصفعة الثانية تجلت ليلة الأحد في، خان يونس، غزة التي عززت من هشاشة القدرات الاستخباراتية والأمنية والعسكرية لجيش حكومة الاحتلال وحكومة نتنياهو المتهاوية نتيجة ثقل الرسائل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن