ثقافة وفن

الدراما السورية بحاجة لدعم مؤسسات الدولة … ليث المفتي لـ«الوطـن»: بفني ومهنتي أنا متطلب جداً ولا أستطيع أن أقف عند سقف معين

| سوسن صيداوي

لا سقف للطموح عنده إنه فنان يتطور دائماً في موهبته وفقاً للتطور المنطقي للشخصيات البشرية، ينمو وينضج جسدياً وفكرياً، موسّعاً آفاقه في سعي جادّ لتقديم ما هو منوع ومميز في مسيرة فنية انطلقت وهو بعمر الثامنة عشرة. إنه الفنان ليث المفتي- الأنيق شكلاً ومضموناً- الذي التقيناه في موقع تصوير مسلسل «شوارع الشام العتيقة» حيث تدور الكاميرات في أحد بيوت دمشق القديمة. في حوارنا السريع حدثنا الفنان عن دوره في المسلسل بشخصية «سليم» والإشكاليات التي تثيرها هذه الشخصية سواء من حيث تقديمها أو من حيث شرورها في تحريك الأحداث، مركزاً الفنان في حديثه الغني على أفكار وقضايا يجب الوقوف عندها من الآن وفي المستقبل كي نطوّر درامانا السورية.
تجدر الإشارة إلى أن مسلسل «شوارع الشام العتيقة» تأليف علاء عساف وإخراج غزوان قهوجي ومن إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي ضمن مشروع خبز الحياة بإشراف المخرج زياد جريس الريس. وللمزيد إليكم الحوار الآتي:

بداية حدثنا عن دورك في مسلسل شوارع الشام العتيقة؟
الشخصية التي أجسّدها في مسلسل شوارع الشام العتيقة هي شخصية شريرة، بمعنى أنا «سليم» الداسوس أو الجاسوس، الرجل السلبي والذي يخبئ الضغائن والشرور، حيث أظهر لأهلي وناسي والمحيطين بي بأنني رجل طيب ولطيف، على حين في حقيقتي، أتعامل مع سلطات الاحتلال الفرنسي كعميل لهم، وأقدم لهم كل الولاء والإخلاص ضد أبناء حارتي.

إذاً يمكننا القول إن شخصية «سليم» هي المحرك لأحداث قصة المسلسل؟
هذا صحيح إنّ «سليم» بأفعاله وبأقاوليه وبكل ما يقدِم عليه هو«محراك الشر» كما نقولها بالعامية، فهو المثير لكل المشكلات التي تدور في أحداث المسلسل، أيضاً يمكنني أن أقول إنه المسبّب بمحاولة الإيقاع ببطل العمل «أبو عرب» الذي يؤدي شخصيته الفنان رشيد عساف، ولكن في النهاية الخير ينتصر على الشر وتكون نهاية هذه الشخصية الموت.
إنّ تجسيد الأدوار الشريرة معقد ويطرح العديد من الإشكاليات، كيف تعاملت وقمت بأداء شخصية «سليم»؟
في الحقيقة ليس بالأمر السهل أداء أدوار الشر وجعله مسكوناً بداخل الممثل، بمعنى أن يستطيع التعبير من خلال ملامح الوجه ونظرات العيون وحتى نبرة الصوت كي يصدق المشاهد الشخصية ويظن بأن الممثل حقاً رجل شرير. ولكن الإشكاليات لشخصية «سليم» هي من حيث التناقض، أقصد بتقديمها لمشاهد الظرافة واللطافة، والتي أظهر بها بأنني شخص صادق لا يكذب، أو شخص محب ولديه الغيرة الكبيرة على الحارة وأهلها، ولكن «سليم» في حقيقته ودواخله هو رجل ماكر وشرير، بل كما ذكرت هو أكثر شخص يفتعل المشكلات ويختلقها من أجل إيقاع الأذى بأهله وناسه.

كيف كان التعاون مع المخرج والمؤلف حتى ظهر «سليم» بهذا الشكل؟
لقد اجتمعنا كثيراً أنا وكاتب المسلسل علاء عساف والمخرج غزوان قهوجي في العديد من الجلسات التي تبادلنا فيها وجهات النظر والكثير من التفاصيل مع الملاحظات الواجبة والضرورية، بداية من الشكل إلى الأفعال والحضور، حتى أخيراً تمكنت من الظهور بالتصور النهائي للشخصية في المسلسل.
العمل من إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، نلحظ اليوم نشاطا كبيرا للمؤسسة من خلال مشروع خبز الحياة الذي يتضمن سلسلة مسلسلات توفر الكثير من فرص العمل للجميع من دون استثناء.. ما تعقيبك؟
الخطط والمشاريع التي تقوم بها المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، هو أمر كنا طالبنا به منذ أعوام مضت، ومن خلال صحيفة «الـوطن» أقول: إن الدراما السورية بحاجة لهذا الدعم-دعم مؤسسات الدولة- فلولا هذا الدعم لما كان هناك دراما سورية حقيقية ولما قامت لنا قائمة، فالمشروع بإدارة مدير عام مؤسسة الإنتاج المخرج زياد الريس، مشروع إيجابي وفتح مئات الفرص للممثلين والفنيين والتقنيين والكتّاب والمخرجين، وعلى الخصوص فئة الشباب، وأنا أشكر المؤسسة كثيراً لهذا المشروع مع إيماني الكبير بأن القادم أفضل بحكم ما وصل إلى سماع الكل، بأن كل شهر سيكون هناك مشروعان جديدان للدراما، ومن ثم ستنتج المؤسسة خلال العام الواحد اثنا عشر عملاً درامياً، وبالطبع هذا الأمر سيعيدنا إلى أيام الخير عندما كانت أعداد الأعمال الدرامية كبيرة، وهي في الوقت ذاته نخبوية وذات قيمة فنية عالية، وفي النتيجة نحن نساند المؤسسة ونمسك بيد كل من يحمل الهم السوري لنرفع مستوى الدراما وخاصة بعد الانهيارات التي تعرضت لها.
إلى أي مدى هذا العمل يشبه السوري الشامي الأصيل ويكون بعيداً كل البعد عما قُدم من مسلسلات بيئة شامية أثارت العديد من القضايا السلبية؟
أقولها بكل صدق إن مسلسل «شوارع الشام العتيقة» من أجمل الأعمال التي شاركت بها على صعيد البيئة الشامية، فنص المسلسل جميل جدا وهو مميز عما قرأته من مسلسلات وخاصة هنا، والكاتب «علاء عساف» راعى من خلال النص جميع تفاصيل الحياة الشامية القديمة، وكل العادات والتقاليد الحقيقية للبيوت الشامية، وللأمانة العمل ملحمي فيه بطل درامي، وكل القائمين عليه في الكادر الفني، برعوا كي لا نكرر المطبات التي وقعنا بها سابقاً.

في أدوارك انتقلت من الكوميديا إلى تجسيد الدراما… طموحك إلى أين سيوصلك؟
أنا بفني ومهنتي متطلب جدا، ولا أستطيع أن أقف عند سقف معين، بمعنى يجب على المرء في ذروة عطائه أن يكون متطلبا وغير متكتفٍ، فالعمل الإبداعي والأعمال الفنية تحتاج إلى أن نكون طماعين بأنفسنا أولا، وبالآخرين الذين يعملون معنا ثانياً، مع الإيمان بقدراتنا على مواصلة الاجتهاد وتقديم الأفضل والمتفرد في كل عمل، إذاً، لا يجب أن نقف عند سقف معين، وبالنسبة لي إذا توقفت عند حدّ، فهذا يعني بأن عطائي قد توقف ومن ثم طموحي قد تجمّد. أما بخصوص أدواري التي قدمتها من البداية حتى اللحظة، ما قدمته في البدايات مختلف عن اليوم سواء من حيث البنية الجسدية- كنت في الثامنة عشرة من عمري- والآن أقدم أدوراً تتناسب أيضاً مع نمو مداركي وآفاقي في الحياة، هذا هو التطور المنطقي لأي شخص، وأنا أجد نفسي في المستقبل قادراً مثلاً أن أجسّد أدوار الأب. ففي النهاية الطموح سيبقى رفيقاً لي حتى آخر نفس.

على ذكر دور الأب… لماذا الدراما السورية ليست معنية بالطفولة.. وبرأيك ما الحلول المقترحة؟
أنا أرى أن دراما الطفولة هي بحث قائم بحد ذاته، ومعالجة قضايا الطفل السوري مشروع قائم وبحاجة إلى تفرغ كبير، لأنه من المشاريع الصعبة والدقيقة، ولا يمكن تقديمه بطريقة سياحية، لأن أساس حضارات الشعوب هو أطفالها الذين هم بناة مستقبلها، وإذا قررنا يوماً ما أن نذهب في هذا المشروع ونتحدث عن مشكلات الطفل ونفسيته وبنائه وتربيته مع مشاعره وطريقة تفكيره وهمومه، فهذا يتطلب بحوثاً جادة وحقيقية، كي نتمكن من أن نقدم أعمالاً صحيحة وراسخة ومؤثرة في الوقت نفسه، من هنا يجب أن نفكر لننطلق نحو الطفل السوري.

ماذا عن الأزمة وتأثيرها الفاعل في الضعف الدرامي السوري.. وإلى أي مدى النص الدرامي غير مستقر؟
برأيي ليست الأزمة شماعة نلقي عليها السبب في الضعف الدرامي السوري، فالدراما السورية كانت على شفير الهاوية، وتحدثنا كثيراً بأنها بحاجة إلى دعم حقيقي وكبير كي نعيد إنعاشها، نحن بحاجة إلى دعم حكومي كبير. وبالنسبة للشق الثاني من السؤال حول النص الدرامي، بالفعل نحن نعاني من أزمة كتّاب وأزمة نص درامي. إذا مشكلتنا ليست ببراعة الفنانين، بل نحن نعاني من مشكلة الدعم المادي أولاً، وثانياً عدم توافر نص درامي قوي، قريب من هموم المجتمع السوري بكل مشكلاته.

حدثنا عن مشاريعك ومشاركاتك الجديدة؟
لدي مشاركة في عمل هو أيضاً من أعمال البيئة الشامية ولكنه يحمل طابعاً كوميدياً، وكذلك سأشارك في مسلسل «سيرة الدم» الذي سيصوّر في تونس خلال الشهر القادم تحت إدارة مخرج بريطاني، يتحدث المسلسل عن حقبة تاريخية خلال الاحتلال العثماني وأنا سأجسّد فيه شخصية إبراهيم ميرزا، والمسلسل بالنسبة لي هو تجربة جديدة وأتمنى أن تنقلني من خلال الأداء إلى مستويات جديدة اكتشفها في مسيرتي الفنية التي أقدمها.

في الختام هل من كلمة أخيرة؟
في النهاية أشكر المؤسسة العامة للإنتاج لثقتها وفرصتها هذه بالسعي الجاد لتقديم دراما سورية مميزة بالكم والنوع، مع تقديمها الفرص لكل العاملين في هذا القطاع، كما أتمنى أن أكون عند حسن ظن الجمهور، وبأن يلقى مسلسل «شوارع الشام العتيقة» الإعجاب والمتابعة المطلوبين، وأيضاً أن يكون اسم المسلسل من بين أسماء مسلسلات البيئة الشامية الرنانة بأذن المشاهدين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن