ثقافة وفن

سوق البزورية والدقاقين على كل ضرس لون

| منير كيال

لسوق البزورية شأن أيما شأن بتموين مدينة دمشق على كل ضرس لون من مأكل ومشرب ومحال وتسال، فضلاً عن ما نجده بهذا السوق من مشيدات عمرانية تشهد على براعة وتفنن أسلافنا بفن العمارة.
يتفرع هذا السوق عن سوق مدحت باشا، مقابل تفرع جادة أو سوق الدقاقين الموصل إلى باب الحديد التاريخي الفاصل بين حي الشاغور البراني وحي الشاغور الجواني الذي يداخل سور مدينة دمشق.
فقد امتاز هذا السوق بدوره التمويني على مدار أيام السنة، كما امتاز بموقعه وسط مدينة دمشق القديمة، وبالتالي مواقعه التاريخية فضلاً عن كونه يوصل إلى الجامع الأموي.
يعود إنشاء سوق البزورية إلى العصر المملوكي، وهو سوق مغطّى، ويمتد من موقع تفرعه عن سوق مدحت باشا إلى بداية زقاق بين البحرتين. وكان يسمى باسم سوق العطارين، وتشتهر محالّه ببيع الفواكه المجففة والمربيات فضلاً عن المواد التموينية الأخرى من رز وسكر وزيت.
ومن أهم مشيدات سوق البزورية:
1- حمام نور الدين الذي بناه نور الدين الشهيد سنة 1170 للميلاد ثم جدّد سنة 1890م.
2- وهناك خان أسعد باشا، الذي شيد زمن ولاية أسعد باشا زمن العثمانيين سنة 1753 للميلاد، وهو من أجمل خانات الشرق، وقد تعرض هذا الخان سنة 1759 للميلاد لزلزال أسقط ثلاثاً من قبابه، وتشغل الخان مستودعات، ثم أخلي ورّمم، وهو يستخدم بهذه الأيام بالعديد من المناسبات الثقافية ويقصده العديد من زوار مدينة دمشق.
3- ومن أهم المشيدات التي بسوق البزورية: متحف التقاليد الشعبية الذي كان قصراً لوالي مدينة دمشق أسعد باشا العظم، وهو في الجانب الشمالي من سوق البزورية، وقد بناه أسعد باشا العظم سنة 1749م، وكان مكانه قصر الأمير تنكز المملوكي، وقد جند أسعد باشا لبناء القصر أمهر الصناع، فجاء آية من فنون العمارة، وهو يتألف من جناحين، جناح خاص بالرجال يعرف باسم السلاملك، وجناح آخر للنساء يعرف باسم الحرملك، وقد حول القصر إلى متحف للتقاليد الشعبية.
4- وهناك خان العمود، وهو مقابل خان أسعد باشا، وقد أطلق عليه هذا الاسم لوجود عامود قائم بساحته المكشوفة وتشغله بهذه الأيام مستودعات ومتاجر للمنظفات.
5- ومن هذه المشيدات بسوق البزورية ما يعرف باسم دار القرآن والحديث، والقائم بزقاق معاوية المتفرع عن سوق البزورية بالقرب من حمام نور الدين، ودار القرآن الحديث هذه تعود إلى زمن الأمير تنكز المملوكي وقد جدد بأواخر العهد العثماني سنة 1913م.
6- ومن هذه المشيدات بسوق البزورية، ما يعرف بسوق السلاح، وهو بالنهاية الشمالية لسوق البزورية ويمتد يبن سوق القوافين وزقاق بين البحرتين وهو يشاطر سوق البزورية ببيع محالّه المواد التي تشتهر بها محال سوق البزورية، مما أشرنا إليه، وقد أطلق على هذا السوق اسم سوق السلاح، لكون محالّه كانت تبيع الأسلحة البيضاء من سيوف وخناجر ورماح.
ونجد بسوق السلاح هذا خاناً يعرف باسم خان التّتن، وهو مغطى بثلاث قباب، وتشغله مستودعات البهارات.
أما محلّه الدقاقين، فهي مقابل اشتقاق سوق البزورية عن سوق مدحت باشا، وقد كانت الدقاقين حارة متعرجة لا يزيد عرضها عن ثلاثة أمتار. وكان من سكانها آل الكزبري والقوتلي والفحام وآل قولي الذين اتخذ أحدهم جانباً من الجامع الذي كان قائماً بمنتصف محلة الدقاقين مكانها جعله مكتباً أو كتّاباً لتعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة، كما كان من سكان الدقاقين آل البارودي والشربجي والفقير والخولي وكان عرض الدقاقين لا يزيد عن ثلاثة أمتار ثم تحولت إلى شارع عريض يزخر بالعديد من المحال التجارية وقد أطلق عليه اسم شارع حسن الخراط ومن سكان الدقاقين آل الببيلي الذين كانت دارهم من أميز الدور بالدقاقين على تعدد هذه الدور لتميزها بارتفاع سقوف غرفها من مربعات وفرنكات والرخام الذي كان يفرش أرض الديار (الباحة) فضلاً عن أحواض الزريعة التي تنتشر بأرض الديار وخاصة غرسات الشمشير التي كان يمكن أن يختبئ تحت الواحدة منها عدد من الأطفال، يتفرع عن الدقاقين تفرع بجهة الشرق يوصل إلى مدرسة ابتدائية للشيخ التلمساني، ويقابل هذا التفرع تفرع آخر بالجانب المقابل من الدقاقين وهذا التفرع يوصل إلى محلة طاحونة السجن بالخضيرية. ونجد بالدقاقين تفرعين آخرين قبيل مدخل باب الحديد أو باب الصغير لكونه أصغر أبواب مدينة دمشق القديمة أما تسميته بباب الحديد، فلأن هذا الباب يغلب عليه الحديد.
فالتفرع الذي لجهة الشرق من الدقاقين يعرف باسم جادة الإصلاح، وكانت تعرف باسم حارة الزط، وهؤلاء الزط ليسوا غجراً، وإنما هم من نساء موسويات، لأن الفتاة أو المرأة الموسوية لا تتجوز ما لم تدفع ما يعرف بالدوطة أو المهر، فكانت تَزِطّ أن تغادر دار أهلها خلسة لتتزوج من مسلم يقدم لها المهر وتنجب له الذرية.. ولذلك أطلق على جادة الزط اسم جادة الإصلاح، أما التفرع المقابل للدقاقين فهو التفرع الموصل إلى ما يعرف بالصمادية ومن ثم الخضيرية وكان من سكان هذا التفرع آل الحافظ وفق صديق لي بمدرسة أبي عبيدة بن الجراح، هو فهمي، وكان أهله يتاجرون بالأغنام، فكان فهمي يأتي إلى المدرسة ليطعمنا ما يعرف باسم الهفط وهو على شكل قطع من الحليب المجفف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن