ثقافة وفن

زهر السعادة

| إسماعيل مروة

للسعادة أثر لا يمحى في النفس، يشعر المرء السعادة الغامرة، وهو يتلظى ألماً وفقراً وحاجة، يبحث عنها عن مصدرها، يعجز عن تحديد مصدر السعادة وسببها! فهل تأتيه من رغيف ساخن تناوله من دون أي شيء لأنه جائع؟ هل يأتيه من أنه أصبح بخير وصحة وسعادته ترافقه؟ هل وهل وهل؟
ويبيت الإنسان تعساً وهو في قصر منيف، لا يشعر طعم الهناء على الرغم من توافر كل أسبابها، من حورية وحوريات أرضية، ومن طعام وشراب وغير ذلك، إلا أنه لا يشعر إلا بالتعاسة ترافق ما يجب أن يتمتع به! يحقد على هذا، يتآمر على ذاك! يسلب الآخر، لأنه لا يكتفي، ويريد أن يستجلب السعادة بأي شكل من الأشكال، ولكن هيهات.
والحديث هنا أبعد ما يكون عن التسليم الديني والقدري، وأبعد من البعد عن انتظار ثواب آخرة موعودة، وليس بحثاً عن الزهد الذي يدعوننا إليه رجال الدين ولا يفعلونه، يريدوننا سعداء في بيوت مهترئة ومستملكة وتفتقر لكل مقومات الحياة السعيدة، وهم يرفلون بكل أسباب الرفاهية، ولكن السعادة لا تصلهم، بل إن عدداً منهم يحسدك علناً على أنك مرتاح وهو ليس كذلك!
ليس شرطاً أن يكون الفقير سعيداً!
وليس بالضرورة أن يكون الغني تعساً!
مفاتيح الحديث ليست دعوة للقبول والخنوع والزهد بما يجب أن يمتلكه المرء، بل هو بحث في أسباب السعادة التي تجعل المرء متصالحاً مع ذاته أولاً، وتجعله متصالحاً مع السعادة التي تغمره..
قرنفل وحدها أعطت مفتاح السعادة، ولا تكون السعادة إلا بما قالت.
إن أحب المرء، فليزرع السعادة، وأسبابها في روح وحياة من يحب.
وإن عمل فليزرع أسباب الإخلاص والنجاح ليكون سعيداً هو ومن يحيط به.
وإن عمل أي شيء، فليبحث عن أسباب سعادة الآخر، وبحكمة مطلقة.
قالت قرنفل «زرعت السعادة زهّرت بيدي».. زرعت السعادة في دروب المنهكين المتعبين، ساعدت الإنسان على العمل، ساعدته على فك رهن بيته، ساعدته على الحب.. وكل ما فعلته استثنت منه المستغلين الفاسدين الغشاشين، وحين حانت الساعة الحقيقية استطاع هؤلاء الذين زرعت السعادة في حياتهم أن يدافعوا عنها، وأن يعفوها من العقوبة، وأن يمنحوها مكانة عليا.. فانطلقت لتغني «زرعت السعادة زهرت بيدي» فالسعادة ليست شأناً فردياً، وإنما هي إحساس يقوم على الجمع، على المحيط، على الناس على الأغراب، على عابري السبيل الذين لم نلتق بهم من قبل، على ابتسامة ثغر صادقة، ترتجف خوفاً مما أحاط حياتها من ألم وغدر وعذاب، وحين رأت الابتسامة قتلها هاجس الخوف من ألا تكون صادقة، ومن ألا تحمل سمة الديمومة والبقاء، ومن أن تتحول ذات لحظة.
سعادتي بك وليس صحيحاً أن سعادتي بنفسي.
كلنا سمع أتباع يسوع يدعون لأتباعهم، وأتباع محمد يدعون لأتباعهم!
لم نسمع دعاء عاماً منهم، لذلك لم يعرفوا السعادة، ولم يقدروا على زرع السعادة، ولا إمكان عندهم أن يروا السعادة وقد أزهرت بأيديهم.
ما الفائدة إن كنت مرتاحاً، ومن حولي لا يعرف الراحة؟
ما قيمة هدايتي إن كنت مهدياً وغيري في ضلال؟
ما قيمة علمي إن كنت عالماً ومن أعرف يغط في جهل؟
ما قيمتي إن كنت موجوداً، وغيري لا يعرف مكاناً أو عنواناً؟
أزرع السعادة لدي لتزهر في يديك عندما أرمقك بحب وأغمرك بحنان ودعاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن