ثقافة وفن

82 عاماً على ولادته ونصف عقد على رحيله … سليم كلاس.. الفنان الأنيق والطيب.. أحد مؤسسي «مرايا» وأحد أركان المسلسلات الشامية

| وائل العدس

قبل أيام، مرت الذكرى الثانية والثمانون على ولادته، وبعد أيام قليلة ستحل ذكرى وفاته الخامسة، إنه الفنان الدمشقي المعروف بأناقته وطيبته، إنه سليم كلاس الذي فارق الحياة عن عمر ناهز 77 عاماً تاركاً وراءه إرثاً فنياً لا يفنى في الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح.

الرجل المودرن
ولد الفنان الراحل في دمشق عام 1936، وبدأ العمل في التمثيل منذ عام 1970، وله مسيرة فنية طويلة تضمنت ما يقارب 150 عملاً فنياً، بين السينما والإذاعة والمسرح والتلفزيون، وهو أب لستة أولاد وحائز إجازة من كلية الاقتصاد في جامعة دمشق.
بدأ حياته الفنية من خلال مشاركته مع مجموعة من الطلبة الجامعيين بتقديم عدد من الأعمال على المسرح، ثم عمل بالمسرح القومي لينتقل بعد ذلك إلى التلفزيون بعد تأسيسه بسنة واحدة وكانت أول مشاركة له من خلال تمثيلية «عشاء الوداع»، لتتوالى مشاركاته بعد ذلك.
وفي البدايات عمل كمذيع في التلفزيون، وقدّم عدداً من البرامج الأسبوعية واللقاءات الفنية والمسابقات الجماهيرية، كما عمل في فرق الفنون الشعبية والمسرحية، ويؤرخ الدور التلفزيوني الأول له في العام 1970 حينما شارك في مسلسل «حارة القصر» بإدارة المخرج علاء الدين كوكش وتأليف عادل أبو شنب، هذا العمل كان بداية لانطلاقته في عالم الدراما، لكن أحداً لم يتوقع أن يصبح فيما بعد من أشهر وجوه هذه الدراما، وأن تصل شهرته إلى الوطن العربي.
لكلاس بصمته الواضحة في الدراما السورية، ودرج على أداء الأدوار التقليدية للرجل الشرقي وأحياناً كثيرة دور التاجر السوري المعروف بشطارته التجارية، لكنه اشتهر خاصة بتقديمه البارع لشخصية «الحلاق» في أعمال البيئة الشامية، مثل «الخوالي» و«ليالي الصالحية»، و«أيام شامية»، حيث علق على الموضوع في أحد حواراته قائلاً: بالنسبة لممثل في سني يناسبه الدور الثابت غير المتحرك فليس منطقياً أن آخذ دور (القبضاي) أو حامل السلاح، كما أن الأدوار الثابتة الأخرى وزعت على أشخاص يستحقونها فلم أر ظلماً لحق بي، وفي باب الحارة شاهدني الجمهور صاحب محل للنحاس وفي هذا تغير عما كان في السابق.
كلاس اعترف قبل وفاته أن معظم الكتّاب والمخرجين يتخيلونه بشخصية الرجل المودرن الذي يرتدي الطقم والكرافة، ويمثل دور المدير والمحافظ والمسؤول الكبير ورجل الأعمال وما شابه.. الأمر الذي أطره في تلك الأدوار على حين يتمنى أن يُجسد الشخصيات الشعبية والعادية كالعامل والفلاح والرجل البسيط والمسحوق وما شابه.

أعمال غنية ومتنوعة
شارك في بداياته بعدة مسرحيات منها «تاجر البندقية»، و«مكبث»، و«الاعترافات الكاذبة»، و«حفلة سمر من أجل 5 حزيران».
بينما يعتبر إحدى أهم شخصيات البرنامج الإذاعي الشهير «حكم العدالة» الذي كتبه المحامي هائل اليوسفي، إضافة إلى البرنامج الكوميدي «جزيرة المرح».
وافتتح إطلالاته على شاشات الفن السابع بفيلم «الصديقان» عام 1970 وألفه نهاد قلعي وأخرجه حسن الصيفي، قبل أن تتوالى مشاركاته السينمائية ليقدم 13 فيلماً، منها «المخدوعون» و«زواج بالإكراه» و«عودة حميدو» عام 1972، و«غراميات خاصة» و«هاوي مشاكل» 1974، «و«الرأس» و«ليل الرجال» عام 1976، و«الزواج على الطريقة المحلية» عام 1978، و«الاتجاه المعاكس» 1975، و«قتل عن طريق التسلسل» 1982، و«ناجي العلي» 1992، و«شورت وفانلة وكاب» 2000، قبل أن يختمها بفيلم «ولاد العم» قبل أربعة أعوام.
ويعتبر كلاس من أركان الأعمال الشامية الأساسية، فظهر في معظمها، أولها «أيام شامية» عام 1992، ثم «أبو كامل» بعدها بعام، إضافة إلى «حمام القيشاني»، و«الخوالي»، و«ليالي الصالحية»، و«باب الحارة»، و«بيت جدي»، و«أولاد القيمرية»، و«الشام العدية»، و«الدبور»، و«رجال العز»، و«الأميمي»، و«زمن البرغوت»، و«طاحون الشر»، و«قمر شام»، و«أهل الراية»، و«حارة الطنابر».
كما يعد من مؤسسي سلسلة «مرايا» إلى جانب الكبير ياسر العظمة، فشارك في جميع أجزائها ابتداءً من عام 1982، كما شارك بعدة أعمال كوميدية منها «يوميات مدير عام»، و«أبو المفهومية»، و«بطل من هذا الزمان»، و«صايعين ضايعين» و«بكرا أحلى» و«أنت عمري».
ومن أبرز أعماله الدرامية أيضاً «هجرة القلوب إلى القلوب»، و«الطبيبة»، و«جريمة من الذاكرة»، و«إخوة التراب»، و«رقصة الحبارى»، و«حاجز الصمت»، و«عصر الجنون»، و«بكرة أحلى»، و«الشبيهة»، و«المفتاح»، و«العشق الحرام»، و«سفر الحجارة»، و«رجاها»، و«الرحيل إلى الوجه الآخر»، و«تمر حنة».

موجة فنية جديدة
في أحد لقاءاته الصحفية تحدث كلاس عن موجة فنية جديدة: فقال: «كل شيء تغير في ظل الفضائيات التي تبنت الفن والدراما بشكل خاص، فمن حيث الموضوعات كنا في الماضي نصنع مسلسلات خيالية أو واقعية لكن عن عصور مضت فلا شيء رأيناه منها وبالتالي الارتجال يكون سهلاً ونسبة النجاح في العمل عالية، أما اليوم فإن أي حادثة تحدث في هذا المكان أو ذاك من العالم ترانا جسدناها في مسلسل بعد أن نكون تابعناها عبر الشاشات، وبالتالي يأتيك النص مكتوباً ربما بصورة مغايرة عما شاهدته عبر الشاشات وفي كلتا الحالتين تنخفض نسبة ارتجاليتك سواء بسبب النص المكتوب أم بالمشاهدات التلفزيونية».
وأضاف: «غير الموضوعات تغيرت الأدوات والأجواء التصويرية، فالكل يعلم أننا كنا نصور داخل إستوديو في السابق ومنذ سنوات أخذنا في سورية على عاتقنا أن نصور في الطبيعة حيث يجب أن يصور المشهد، فجعلنا من البلد كله إستوديو على طريقة السينما، وكنا نصور بعدة كاميرات، واليوم بكاميرا واحدة، وكل هذا يعتبر تحدياً للذات والشخصية الدرامية للواقع الفني السوري ويجعلك تعيش أمام حالة مستجدة، ونحن وإن تفوقنا على أنفسنا بخصوصها نضع أمامنا المسألة المرحلية إذ نعتبر أنفسنا قد أنهينا مرحلة التحديث ونستعد للمرحلة الآتية التي يأتي بها المخرجون الشباب من خلال دراستهم في الغرب».

شهادات في فنه
بعد رحيله المفاجئ، نسج الفنانون السوريون كلمات الحزن والعزاء وبعض الشهادات عن زميلهم الراحل الكبير.
أمل عرفة: في كل مرة يدخل فيها إلى مكان التصوير كان لابد من هالة فرح ترافقه ليوزعها على كل الموجودين، لم يعد يسعف القلوب فرح مفقود.
أيمن زيدان: سليم كلاس، لا أدري لم ضاقت بك الحياة وأنت تعشقها.. كنت أكثر من صديق.. كي تكتمل مؤامرة الفرح علينا غيبك الموت.. ارقد بأمان أيها الطيب.
توفيق إسكندر: أستاذنا وأخانا الغالي أبا محمد، لم تكن يوماً إلا كنسمة صيف وعبق ياسمين الشام.. رحيلك خسارة كبيرة على الصعيدين الإنساني والفني، ستترك فراغاً كبيراً يا صديقي.
تيم حسن: رحل الفنان الكبير سليم كلاس وله في قلوب السوريين والعرب مكانة خاصة، واحد من أعمدة الدراما السورية يرحل وسط قافلة الرحيل السوري الموجع، ولكنه ماثل في إنجازات وأعمال لن ينساها الناس فقد ترك في كل بيت أثراً من طريقته الخاصة وروحه المرحة وابتسامته الدائمة.
ديمة قندلفت: سورية تخسر كل يوم من أبنائها الكثير، ودراماها خسرت اليوم ممثلاً قديراً، ارتبط اسمه بعتق الياسمين الشامي وعطره.
سلمى المصري: تسارعت لذاكرتي ذكريات من بداياتي أنا ومها، كيف كنت تهتم بنا.. كنت لنا الأب والأخ.. لا أنسى أبداً كيف كنت تأتي إلى الإستوديو حاملاً لنا الشوكولا.. وعلى مدى هذه السنين التقينا في أعمال كثيرة تلفزيون وإذاعة كنت فيها الإنسان المحب للحياة والرجل والفنان الأنيق والراقي في لباسك وتعاملك مع زملائك.. الابتسامة لا تفارقك.. قد تكون الأزمة بعدتنا ولم نعد نلتقي إلا في المناسبات ولكن سيبقى إحساسي أنك موجود ولم يغيبك القدر وستبقى حياً في ذاكرتي.. إلى جنات الخلد يا أبو محمد ولعائلتك ومحبيك الصبر والسلوان طول العمر والبقاء لله.
سوزان نجم الدين: كان مثالاً للفنان الحقيقي والإنسان المتواضع، فقد كان قمة في الرقي والأخلاق والإنسانية.
فراس إبراهيم: الرجل الأكثر أناقة والأكثر رقياً ونزاهة والأكثر ترفعاً عن الصغائر، كنت الفنان بحق.. لم تنزلق في متاهات ودهاليز وحروب الوسط الفني.. لم تكره.. لم تغدر.. لم تخطئ بحق أحد.. كنت صديقاً للجميع لكنك نأيت كرجل شامي عتيق ببيتك وأسرتك عن صخب هذا العالم الغامض بحكمة وحنكة وذكاء.. رحلت يا برنس وتركت غصة حارقة في قلوبنا وحلوقنا.. رحلت يا من شاركتني بما لا يقل عن أربعين عملاً فنياً وكنت المثل في الأخلاق والتواضع وحسن المعشر لي ولكل من عرفك وتشرف بالعمل إلی جانبك.. اللـه يرحمك يا أبا محمد.. اللـه يرحمنا جميعاً.
مازن طه: سليم كلاس أيقونة الدراما السورية ونكهتها المميزة.. رائحة الشام العتيقة وزواريبها.. ستبقى في الذاكرة والوجدان.. ستبقى سخريتك اللاذعة وتعليقاتك الذكية وخفة ظلك ونقاء روحك.. ستبقى دائماً كما كنت صديق الجميع.. صديق الصغير قبل الكبير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن