قضايا وآراء

إسرائيل ودوامة الحرب والتسوية

| تحسين الحلبي

حين احتلت القوات الإسرائيلية في عدوان حزيران 1967 بقية أراضي فلسطين والجولان السوري وسيناء المصرية، اعتقدت القيادة الإسرائيلية أنها ستحقق تحولاً إستراتيجياً نحو استقرار هذا الكيان ونحو فرض الأمر الواقع الاحتلالي الإسرائيلي على دول المنطقة وشعوبها وتحقيق التوسع للمشروع الصهيوني.
في 5 نيسان 2017 قال مدير مركز «أبحاث بيغين- السادات للدراسات الإستراتيجية» البروفيسور إفرايم عينبار: إن الجميع اعتقد أن المكاسب التي حققتها إسرائيل في حرب حزيران 1967 ستحمل آفاق التسويات والسلام مع إسرائيل أو أنها ستجعل إسرائيل قوة لا يمكن لأي دولة أن تشن هجوماً عليها، ثم تبين أن نتائج هذه الحرب شكلت «عبئاً كبيراً على إسرائيل ومستقبلها وجدول عملها» وأضاف: «إن الأمل المزيف لنجاح كهذا في حرب حزيران يعيق الوضوح في التفكير ويتسبب للجمهور الإسرائيلي بفقدان الثقة بكلتا القيادتين العسكرية والسياسية».
في 13 أيار 2017 كشف ياغيل ليفي في صحيفة «هآرتس» أن الكثيرين من الإسرائيليين تخوفوا كثيراً من نتائج حرب حزيران لأنها وضعت إسرائيل أمام جداول عمل لا تستطيع وضع الحلول لها سواء على مستوى جبهتها الداخلية أم الخارجية، وتساءل مع ذلك: «هل لو أن إسرائيل انسحبت من الأراضي المحتلة لأصبح الوضع أفضل»؟ وأجاب: «كنا سنصل إلى ما نحن عليه الآن» وهذه المعضلة التي يحملها المشروع الصهيوني الذي وظفت له بريطانيا وفرنسا الحركة الصهيونية لاستغلال اليهود في حماية مصالحها لم تنته ولن تنتهي إذا شنت إسرائيل حروباً ولا إذا عقدت اتفاقات «سلام – تسويات» منفردة.
بعد ستة أعوام على حرب حزيران تعرضت إسرائيل لحرب فوجئت بها وبقدراتها من الشمال ومن الجنوب في تشرين 1973 وبعد عقدها اتفاقية كامب ديفيد مع القاهرة ظنت القيادة الإسرائيلية عام 1979 أنها ستحقق استقراراً كبيراً ثم أغرتها اتفاقية التسوية باجتياح لبنان عام 1982 لكي تفرض عليه اتفاقية «سلام» منفردة أخرى فتصدت لها سورية والجيش اللبناني الوطني وقوى وفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية وأغرقتها 18 عاماً بحرب انتهت بانسحابها وهزيمتها، وتحول لبنان في جنوبه إلى جبهة حرب جديدة في وجه إسرائيل منذ عام 2000، وتصاعدت قدراته بعد هزيمة عدوانها عام 2006.
في فلسطين المحتلة وقعت القيادة الإسرائيلية على «سلام – تسوية» مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، فأصبحت الأراضي المحتلة جبهة حرب لا تتوقف في عملياتها العسكرية ضد قوات الاحتلال، وتولد عنها بعد ذلك جبهة حرب جنوب فلسطين المحتلة منذ عام 1948 شكلها قطاع غزة بعد أن فرضت المقاومة فيه انسحاب إسرائيل ومستوطناتها من القطاع عام 2005.
بعد انتصار سورية وحلفائها عام 2018 على أكبر الحروب الإرهابية في التاريخ أصبحت إسرائيل تتعرض لحروب من جبهات ثلاث، جبهة الجولان السورية وجبهة الجنوب اللبنانية وجبهة الجنوب الفلسطينية وجبهة الأراضي المحتلة، فبعد خمسين عاماً على عدوان حزيران ازداد عدد جبهات الحرب على إسرائيل وازدادت معه قدرات هذه الجبهات وخسرت إسرائيل في كل حروبها على لبنان وسورية وقطاع غزة.
ها هي القيادة الإسرائيلية تجد أنه أصبح من الصعب جداً عليها المجازفة بشن غارة فوق سورية أو القيام بعدوان على لبنان، واعترف المحلل السياسي أمس الأول في صحيفة هآرتس عاموس هارئييل، أن «مصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سورية ولبنان بدأت تحد وتضيق الخيارات العسكرية الإسرائيلية»، وأضاف: «إن ممارسة لعبة الشطرنج مع حزب الله شيء ما، لكن محاولة ماذا يريد بوتين في سورية أو ربما في لبنان بدأت تشكل تحدياً مختلفاً بشكل مطلق».
ها هي جبهة الجنوب الإسرائيلي أمام قطاع غزة أي أمام جزء من الشعب الفلسطيني وأمام قطعة أرض صغيرة محررة وإن كانت محاصرة من الوطن الفلسطيني، تشكل تحدياً لم تستطع ثلاث حروب إسرائيلية على القطاع إسقاطه من جدول عمل القيادة الإسرائيلية والمخاوف المرافقة لهذا الجدول. فخروج أكثر من ألفين من المستوطنين إلى ساحة «ألكيريا» مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية وأجهزة المخابرات في تل أبيب بموجب ما ذكرته أول من أمس صحيفة «معاريف» وهي تهتف «العار كل العار لقادتنا» و «على نتنياهو تقديم الاستقالة».
لأن قطاع غزة بحجمه الصغير وإرادته التي لا تتسع لها حدود وإصراره الكبير على المقاومة وزيادة القدرات العسكرية الصاروخية هزم في هذه الجولة التي لم تدم سوى 24 ساعة، الإرادة الإسرائيلية الصهيونية التي فضلت التراجع خطوة إلى الوراء، لأنها أجبرت على هذا الموقف ووافقت على «التهدئة» ربما لإعادة النظر في حساباتها ضد القطاع وهذا ما يشكل نصراً تكتيكياً لشعب فلسطين في قطاع غزة.
هذا ما يؤكد أن كل عدوان تقوم به إسرائيل تؤدي نتائجه إلى مزيد من الأزمات والمواجهات، وكل «تسوية منفردة» تفرضها لا تؤدي إلى أي «سلام» أو استسلام من هذه الأمة وفي مقدمها الشعب الفلسطيني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن