اقتصاد

«رسالة الكسوة» الشمسية!

| علي محمود هاشم

من باب لا بأس باتساعه، انزلقت الحكومة نحو عصر الطاقة البديلة على ظهر محطة توليد شمسية وضعتها بالخدمة مطلع الأسبوع الماضي في منطقة الكسوة بريف دمشق.
هذا الفتح التكنولوجي يجسد، بحسب التوصيف الرسمي، «الخطوة الأولى» في إستراتيجية متكاملة اتخذتها لنفسها وزارة الكهرباء تنطلق بمشروع طاقوي نظيف تكلفته الاستثمارية الأولية مليار ليرة سورية، وينتظر منه أن يطرح لنا 2 مليون كيلو واط ساعي.
المشروع الذي أرادته الحكومة «رسالة للعالم» عن «التعافي السوري»، فيما حملته في السياق الاقتصادي «تشجيعاً للمستثمرين على إنشاء محطات مماثلة»، وبالطبع لم تنس السياق الثقافي الذي تتطلع عبره إلى «نشر ثقافة استخدام الطاقات المتجددة في البيوت والمصانع والزراعة».
القوة «الشعاراتية» التي تختزنها الرسالة مثلثة الأضلاع: سياسياً واقتصادياً وثقافياً، تتطلب قراءة هادئة لنجاعة مؤشراتها، فعلى الصعيد «العالمي»، لربما يرى البعض في «تنوير» 500 منزل تعبيراً ركيكاً فيما لو اتخذت رسالتنا «الشمسية» مساراتها نحو الجمهور العالمي، ناهيك عن الصعوبة البالغة في قياس رجع صداها.
الشق الاقتصادي من الرسالة، ورغم صعوبة قراءته تبعاً لغموض مؤشرات أساسية تتعلق بـ«معدل التدهور» الذي يصنف كمرتكز أساسي لدى قياس جدوى مشاريع الطاقة الشمسية، فلربما تمكننا البيانات العمومية المعلنة عن مشروع الكسوة، من التقاط تصور مبدئي عن الفشل الاقتصادي الذي يجر خلفه فشلاً ثقافياً أكيداً!.
تكنولوجيا، تعاني مشاريع الطاقة الشمسية عقبة كأداء تتعلق بمعدل التدهور الذي يصيب القدرة الإنتاجية للمشاريع وفق نسبٍ تراكمية تبدأ من العام الأول لاستثمار المشروع، وهذا المعدل يتخذ مستويات عدة تزيدها أو تنقصها، جودة الصنع والتركيبة التقنية المستخدمة في الألواح.
وسطياً، تبلغ نسب تدهور الإنتاج خلال السنوات العشر الأولى لمشاريع الطاقة الشمسية نحو 10 بالمئة، ووفق المعايير العالمية، يعد تقهقر الإنتاجية إلى تخوم 80 بالمئة من استطاعة الحد الأقصى لليوم الأول من استثماره، بمثابة إعلان وفاة للمشروع.
فيما لو أفصحت الحكومة عن «معدل التدهور» للألواح الشمسية المستخدمة في «رسالة الكسوة»، فلربما يمكن وضع تصورات أوضح عن العمر الاستثماري للمشروع، لكن من قد يحتاج إلى ذلك، فيما المؤشرات الأخرى أكثر من كافية للوقوف بدقة على إخفاقه الأكثر احتمالاً.
فوفق القرار «1763» عام 2016 الخاص بتحديد سعر الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية، فإن سعر شراء الكيلو واط الساعي للشريحة الإنتاجية الأعلى من 1000 كيلو تم تحديدها عند 9.35 «سنت يورو».
وإذا أنتج مشروع الكسوة المليوني كيلو واط -بالفعل- خلال العام الأول، فذلك يعني أنه يحتاج 13 عاماً لاسترداد التكلفة التأسيسية، هذا إن حظي المستثمر بموقع المشروع مجاناً ولم تترتب عليه أي أكلاف تشغيل أو صيانة خلال عمره الافتراضي، وكل ذلك ولم نحتسب بعد معدل التدهور الطبيعي!.
إذاً، كيف يمكن لمجتمع الأعمال تلقي ما سبق؟
إذا ما احتسبنا العائد على الاستثمار عند 100 بالمئة، وهي نسبة أقل من ضئيلة لهذا النوع من الاستثمارات طويلة الأمد، فسيتطلب الأمر نحو 26 عاماً، هذا لو فرضنا جدلاً أن المشروع ذو تكنولوجيا متطورة تحميه من الانحدار تحت عتبة «80 بالمئة إنتاجية» قبل ذلك التاريخ، وهي موعد إعلان وفاة المشروع؟!.
اللمحات الأكثر سوداوية في رسالة الكسوة «التشجيعيّة» لمّا تأت بعد، فخلال الـ13 عاماً اللازمة للبدء باستعادة رأس المال، يمكن للمستثمرين أن يذهبوا –ببساطة- إلى إيداع تكلفتهم التأسيسية في أحد المصارف بما يحقق لهم -وهم يلفون رجلاً على الأخرى- أرباحاً مضمونة تعادل ما قد يجنونه خلال المدة الكاملة التي يتطلبها مشروع طاقة «الكسوة» الشمسية؟!.
ثمة فجوة في رسالة «الكسوة»، وهي كبيرة إلى الحدّ الذي قد تتحول معه إلى منفّر للاستثمار في ميدان الطاقات المتجددة.
لربما يكون المشروع مجرد تصريف لمنتجات كاسدة تسعى الحكومة للمساهمة في تصريفها، هذا أمر جيد، لكنها فعلت ذلك كالعادة بطريقة باتت تستوجب مصادرة كل ما لديها من أوراق وأقلام، لا لمنعها عن خوض غمار مشاريع الطاقة المتجددة، بل لتعمل بصمت.. ودون «رسائل».

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن