قضايا وآراء

غارات التحالف وتفريغ الجغرافيا

| مازن بلال

رسمت الأزمة في سورية تصوراً خاصاً لمفهوم الحدود السياسية، فلطالما شكلت الحدود إشكالية على المستوى السكاني، على الأخص أن رسم الدول الإقليمية لم يلحظ طبيعة النسيج في شرقي المتوسط، لكن مشكلات الحدود غدت مع الزمن حالة مرتبطة بقضايا لا علاقة لها بهموم تلك المناطق، حيث أصبحت «جغرافيا هشة» تشكلت على إيقاع العلاقات بين دول المنطقة، وفي الأزمة السورية تحديدا كانت الحدود خطوط التأثير الأقوى في تصعيد الحرب، وظهرت ذروة الأزمة عندما أسست داعش «خلافتها ما بين شرقي سورية وغربي العراق».
بالتأكيد فإن نقاط التوتر الحدودية الحالية توضح الطبيعة الغربية للتفكير بإطار سيادة دول المنطقة، فالحروب التي ترسم جبهات أصبحت اليوم صراعا لإيجاد مساحات خالية من السكان، وغارات التحالف في شرقي ريف دير الزور تحمل معها أمرين:
– خلق فراغ حقيقي يجعل من تلك المنطقة مساحة مفتوحة ما بين شرقي الفرات والحدود العراقية، فجيوب داعش في تلك المنطقة لا يمكن القضاء عليها بغارات جوية على القرى التي سيرحل سكانها عاجلاً أم آجلاً، والفراغ السكاني يتيح إمكانية التأثير بقوة في تلك المناطق.
عملياً لا يبدو من المسموح به، أميركياً على الأقل، أن يكون الوضع الديموغرافي على طول الحدود السورية العراقية كما كان عليه قبل عام 2011، فالتوازن السكاني في شرقي الفرات يبدو هدفاً أساساً لقوات التحالف، وهذا الأمر سيخلق فرزاً واضحاً للمكون السوري في تلك المنطقة، فالنزوح في النهاية سيلغي سمات تلك المنطقة الاقتصادية الاجتماعية عبر إفراغها سكانياً.
– استقرار الحدود يعني في النهاية ثبات سيادة الدولة، وهذا الأمر يبدو أساسياً سواء في قصف «قوات التحالف» لشرقي دير الزور، أم في احتفاظها بنقاط تمركز أهمها «التنف»، فالتصور الإستراتيجي على ما يبدو يتجه نحو «حدود مرنة» إن صح التعبير! فهي لا تعبر فقط عن دول إقليمية ولدت بشكل قسري في اتفاقيات سان ريمون بعد الحرب العالمية الأولى، بل أيضاً حدود لتحويل قوة الدولة أيضاً.
الملاحظة الأساسية هنا أن المعابر الحدودية أصبحت معزولة، وفي كثير من الأحيان نقاط صراع سياسي إقليمية ودولية، فالمعابر في الشمال السوري على سبيل المثال لم تعد تشكل سوى امتداد للاحتلال التركي لبعض المناطق السورية، أما في الجنوب فمعبر نصيب يطرح إشكالية واضحة في كونه خطاً تجارياً لا يحمل أي إطار سياسي واضح للعلاقة بين دمشق وعمان.
إن الجانب الإنساني لمسألة الحدود هو الأوضح، وفي الوقت نفسه، ينقل مشهداً واضحاً عن طبيعة التوحش الممارس اليوم، وسيؤدي إلى تحولات واضحة مستقبلاً على الخريطة السكانية لكل دول المنطقة، ولا تقتصر على سورية، فما بين الدول أصبح «فاصلاً» وليس حدوداً ويعاكس كل السياقات المعاصرة للدول الحديثة، وهو أيضاً يشكل علاقات مختلفة لا تعتمد على «السيولة» الاقتصادية والبشرية، بل على ترسيخ قواطع يمكن التأثير من خلالها في القرارات السيادية للدول، فالحديث عن عدم شرعية العمليات العسكرية للتحالف أو الوجود على الجغرافيا سورية؛ لن يؤدي إلى تبدل النظرة لمسائل الحدود لأنها تحتاج لنظرة مختلفة، وربما لخلق حالة اجتماعية معاكسة لما تحاول الولايات المتحدة فرضه، فالاستحقاق القادم سيظهر لاحقاً عبر جغرافيا لدول الجوار الجغرافي لسورية قابلة للاختراق أكثر من أي وقت مضى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن