قضايا وآراء

السعودية تحمي «إسرائيل»… أكثر من مجرد عبارة قالها ترامب ومضى

| فرنسا - فراس عزيز ديب

«لو لم يكن لدينا السعودية لما كانت لدينا قاعدة ضخمة، وإذا نظرتَ إلى «إسرائيل» من دون السعودية فستكون في ورطة كبيرة».
هذهِ الكلمات ليست لكاتبٍ سياسي يعمل في ما يسمونها «وسائل إعلام الممانعة» يتّهم فيها السعودية بحماية «إسرائيل»، هذا الاعتراف العلني هو للحليفِ الأقرب لآل سعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
اعتراف لو نظرنا إليه بروحِ العاطفة لقلنا إن ترامب لم يأتِ بجديدٍ، هو فقط أخرجَ الدور السعودي إلى العلن، لكن إذا ما وضعنا العاطفة جانباً فإن كلام ترامب أنهى الجِدال الحاصل حولَ مستقبل مملكةِ القهر في المنطقةِ عندما ربطَ بين وجودها والوجود الإسرائيلي، وكلنا يعلَم ماذا يعني وجود «إسرائيل» بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية.
هذا الكلام لا يعني فقط أن نبتسمَ عندما نقرأ مجدداً تحليلاتٍ ببغائية عن تقسيم مملكة الـسعود من قبل الأميركيين، أو عن الحلم العثماني المتجسِّد برغبةِ رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان كسبَ معركة ما يسمى «تمثيل السنة» ضد آل سعود، ليتقاسم مع «حليفهِ» الإيراني وَهْمَ تمثيلِ جناحي الأمة الإسلامية، بل إن أخطرَ ما يمكن أن ينتج عن هذا التصريح أن ترامب أراد القول لحلفائِهِ تحديداً: من منكُم بلا خطيئةٍ فليرجم آل سعود بحجر.
هل نتحدث عن فرنسا التي غزت مالي وساحل العاج وتدخلت بهِما دون وجهِ حق، أم نتحدث عن ألمانيا التي تاجرت وتتاجر بقضيةِ اللاجئين، حتى جرائمَ آل ـسعود في اليمن لم تهز ما يسمى العالم المتحضر فيوقف مبيعات السلاح إليها، هم اكتفوا بتعليقها فقط حتى تتضح حقيقةَ مقتل، جمال خاشقجي، أم نتحدث عن تركيا ذات نفسها التي يحتاج ملف انتهاكاتِ حقوق الإنسان فيها من قتلٍ وسجنٍ لمعارضي المشيئة الإخوانية لجِمالٍ نحمِّل عليها الوثائق، هؤلاء لا يمكن لهم أن يحملوا سيف معاقبةِ آل سعود حتى ولو ثبتَ تورطهم بمقتل خاشقجي، وعليه فإن كلام ترامب، صراحةً، يبدو أبعَدَ من مجردِ حماية الطغمة الحاكمة في المملكة على الأقل حتى نهايةَ ولايتهِ الرئاسية، كيف لا وهو تصريحٌ سيتشابك مع ثلاثةِ ملفاتٍ أساسية، فما هي؟
أولاً: الملف السوري، حيث لم يكن غريباً أن يُعلنَ ملك آل سعود قبل أيام بأن المملكة تقف مع الحل السياسي في سورية، هذا الكلام كان له تمهيدٌ مسبقٌ من قبلِ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي ابتعدَ منذ أشهر عن اسطوانةِ «رحيل النظام»، هذا الكلام يعود بنا لشهرِ آبَ الماضي عندما زار وزير الخارجية السوري وليد المعلم موسكو بصورةٍ متزامنةٍ مع زيارة عادل الجبير، يومها تحدثنا عن وساطةٍ يقوم بها الروس لإعادة تفعيل فكرة المصالحة بين سورية والسعودية، وهي المساعي التي توقفت منذ الزيارة التي قام بها مسؤول الأمن القومي اللواء علي مملوك إلى السعودية صيف العام 2015.
تصريحات الملك تبدو فيما تبدو أشبهَ بدفعةٍ على الحساب قابلها الجانب السوري بترحيبٍ من قبلِ معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان، واعتبرها «رجوعاً عن الخطأ».
تصريحات سوسان وإن كانت الرد الرسمي الوحيد على تلك المواقف الجديدة، إلا أن القيادة السورية في أعلى تراتبية الهرم كانت ولا تزال، ترحّب بمثل هكذا مواقف تعود بالمنطقة نحو حال التهدئة وصولاً لعودة العلاقات العربية العربية في إطار احترام السيادة المتبادل، لكنها كانت تشدِّد على رؤية الأفعال لا الأقوال، فهل تكون تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة عن ضرورة عودة سورية إلى الجامعة العربية بدايةَ اقترانِ القول بالفعل؟
من الواضح أن القيادة السورية بعد هذا الصمود الأسطوري للجيش والشعب، لا تستجدي هكذا عودة ولا تستعجلها، لكنها بالنهاية ترى بإقرارها بدايةً لما تنتظرهُ من اقترانِ القول بالفعل لدى الدول التي شاركت في دعم الإرهاب على الأرض السورية.
من جهةٍ ثانية فإن الجانبين السعودي والإماراتي باتا بحكم المقتنعين أن عدو المملكة لم يكن القيادة السورية، ولا الشعب السوري، لكن العدو الحقيقي هو من يريد أن يقاسمهم نفوذهم وهو حكماً التركي وتابعهُ القطري الذي كان السبب الأول بفضيحةِ مقتل جمال خاشقجي، أي إننا إذا ما وضعنا المجاملات الدبلوماسية جانباً، فإن كلا المشيختين لن يمرِّرا للتركي ما جرى حتى لو كان الأمر من منطلق «عدو عدوي صديقي»، وهذا يعني أن الانفتاح في الملف السوري قادم، وحدهم فقط من لازال على عيونهم غشاوة هم بعض صغار السياسة في لبنان ومن يجدون أنفسهم متضررين من هكذا انفتاح في دولٍ ثانية من هذا الإقليم!
الملف الثاني: القضية الفلسطينية، وهنا لم يكن كلام ترامب عن فرضيةِ أن وجود «إسرائيل» سيكون في خطرٍ من دون السعودية مجرد اتكاءٍ على أمرٍ يحظى بإجماع جميع أقطاب السياسة في الولايات المتحدة، هذا الكلام أشبهَ بشرطٍ غير مباشر وضعهُ أمام آل سعود، وبمعنى آخر:
حان الوقت لآل سعود أن يُخرِجوا كل شيءٍ إلى العلن بما يتعلق بالعلاقة مع «إسرائيل» على الطريقتين الإماراتية والقطرية، وبنفس الوقت فإن على الفلسطينيين الاستعداد لما هو أسوأ بما يتعلق بـ«صفقة القرن».
هذا ما يفسر لنا اليوم استماتةَ رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو بالدفاع عن التهدئة الأخيرة في غزة، وصولاً للتضحيةِ بائتلافهِ الحاكم إن لزمَ الأمر، وبمعنى آخر فإن فكرةَ نتنياهو بُنيت على قاعدة أساسية: «إذا تمكنا من تجنبِ المواجهة فلماذا لا نقوم بذلك»، تحديداً أن وعود الرعاية السعودية لأي تصفيةٍ قادمة للقضية الفلسطينية دخلت عملياً حيِّز التنفيذ.
ربما على آل سعود أن يعوا هنا قدرةَ القطري على التشويش بما يتعلق بهذا الملف، تشويشٌ ليس مبنياً على الحرص على الحقوق الفلسطينية، بقدرِ ما هو مبني على الخوف من مستقبل الدور السعودي بإزاحةِ النفوذ القطري الذي كان محصوراً بشراء التهدئة لا فَرض التسوية، وهذا ما كان يعنيهِ ترامب من وجودِ تراتبيةٍ في قدرةِ تابعيهِ في المنطقة على خدمتهِ، لذلك يبدو حريصاً على أن تكون السعودية هي صمام الأمان الذي يتحكم بكل المعترضين على صفقة القرن، فما بالنا عندما تتوحد جهود كل من السعودية ومصر السيسي لتحقيق هذا الهدف؟
الملف الثالث: المواجهة مع إيران، فبما أننا نستقرئ من تشابكِ الأحداث والتصريحات حتميةَ دخول المنطقة بمرحلةٍ جديدة، فإن الواقعيةَ تقودنا نحو إعادة تشذيب بعض المصطلحات، منها مثلاً مصطلح «المواجهة مع إيران»، فلا الإسرائيلي سيواجِه إيران أو يهاجمها مهما علا الصراخ الدبلوماسي، ولا آل سعود يرغبون بذلك، كلا الطرفين يستخدمان هذا المصطلح كدرعٍ واقٍ يطيلُ عمرهما لا أكثر، فالكيان الصهيوني يرى بشبح الفزاعة الإيرانية طريقاً ينال عبرهُ ما يشاء من الولايات المتحدة، أما آل سعود فهم يريدون «عدواً دائماً» يستنهضون من خلالهِ الهمم الطائفية والمذهبية التي لا يحيون دونها، حتى الإيرانيون ذات أنفسهم يستفيدون من هذا المصطلح إما بالتصريحات الرنانة عن محو «إسرائيل» أو شطبَها وتدمِيرها، أو المفاخرة بالتمسكِ بالقضيةِ الفلسطينيةِ في وقتٍ تخلى عنها العرب، وهو أمرٌ يفيد القيادة الإيرانية بما يتعلق بالتسويق لخطابٍ داخلي يفيد على المستوى الشعبي.
في النتيجة فإن هذا الستاتيكو لن يتغير ولن يتبدل، هي مواجهة إعلامية يستفيد منها الأطراف الثلاثة، وإن كان هناك مواجهة مباشرة فهي حكماً تتم بالوكالة إما عن طريق الدعم الإيراني لحركات المقاومة والتي كانت سورية أساساً ولا تزال تدعمها حتى قبل ظهور إيران الإسلامية، أو كما هدد ولي العهد السعودي يوماً بنقل المعركة إلى داخلِ إيران عبر عملياتٍ إرهابية متنقلة، لتبدو جميع الأطراف سعيدة بوضع اللاحرب واللاسلم بعيداً عن المزايدات الإعلامية والتصريحات الرنانة، فماذا ينتظرنا؟
يبدو جلياً أن الجميع يريد التمسك بكل الأوراق التي يملكها، واهمٌ من يظن أن هذه المرحلة الحساسة التي تشهد مخاض ولادةِ توازناتٍ دوليةٍ جديدة هي مرحلة معاقبة التابعين أو تأنيبهم بالنسبةِ للأميركيين، بل على العكس هي أشبه بمرحلةِ غربلةٍ لهم، وبين النظامين التركي والسعودي فإن الولايات المتحدة حُكماً ستختار الثاني، حتى لو اضطرت هذه المرة لمواجهة الأول بشكلٍ غير مباشر على الأرض إذا ما نفذ رجب طيب أردوغان تهديداتهُ بما يتعلق بمناطق شرق الفرات، بل إن الأميركيين هذه المرة كانوا أكثر وضوحاً عندما تحدثوا عن مغادرةِ جميع القوات الأجنبية لسورية عدا الروس، بالتأكيد الرسالة وإن كانت متكررة باتجاه حلفاء سورية، لكنها هذه المرة تبدو بالنسبة للنظام التركي رسالة حاسمة لن ينفع معها رسائل التتريك التي يرسلها من الشمال السوري، ولا حتى الاستمرار بنشر تفاصيل هوليودية أو التكويع عن اتهام البلاط الحاكم في مملكة القهر بما يتعلق بملف مقتل خاشقجي، الشيء الوحيد الذي قد ينفع معه إن كرر الروس والإيرانيون غلطةَ إنقاذهِ من عزلته.
السعودية ضرورة لوجود «إسرائيل» ليست جملة عابرة قالها ترامب ومشى، هي خارطةٌ لمستقبلٍ يؤسس لإنزال الجميع عن الشجرة، ألم نقل لكم يوماً لا يمكن لعاقلٍ أن يكسرَ صحناً يأكل منهُ ما لذّ وطاب، لنكفَّ عن بيعِ الوهم وتعاطوا مع الوضع الحالي لآل سعود كأمرٍ واقع، لكن إياكم أن تذهبوا في تحليلاتكم بعيداً لتقنعونا بأنكم سترمونهم على الطريقة الإسرائيلية في البحر!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن