اقتصاد

رصيد «المكوث» طويلاً!

| علي محمود هاشم

وفق موعده المؤرخ عقب كل تبدل إداري، انطلق القطاع المصرفي في ماراثون جديد محاولاً الخروج من عنق أنبولته الضيقة.
ولأن ولعنا بسباقات التتابع لا ينضب، ها قد التقطت الأيادي المصرفية الجديدة عصا «رصيد المكوث» مستلهمة ما فعله سلفها مع عصا «القرض التشغيلي»!!.. على هذا المنوال من السباقات الموسمية التي تقام دعما لجراح الاقتصاد الوطني، سنبقى على تمدد ما جنبا إلى جنب مع الاقتصاد الوطني في ثلاجة الانتظار لبضع سنوات قادمة ريثما ينضم لاعبون جدد نتشارك معهم سباقاً جديداً!.
من حيث المبدأ، لا ضير من إخضاع «رصيد المكوث» لجولة من العصف الفكري كالتي تقوم عليه إدارات المصارف حالياً طالما أن أمر «العصف» قدر سوري لا فكاك منه!، سقف الأمنيات يرمق تسريع جولة البت بمصيره، لعلنا نصل باكرا حينئذ إلى النتيجة الماثلة للعيان ومفادها: لا يمكن اليوم تعليق معضلات قطاعنا المصرفي على شماعة رصيد المكوث، إذ لطالما كانت فداحة مشكلتنا مع انقطاع الإقراض التنموي قبل إقرار «الرصيد» منذ عام، بمستوى ما بعده… لم تنقص ليرة ولم تزد ليرة!.
على ذكر المعضلات، يجدر بالمصرف المركزي، وهو الذي أطلق قبل أيام رؤيته «المتجددة» حيال مستقبل السياسة النقدية خلال المرحلة المقبلة لدعم «متانة القطاع المصرفي وتعزيز الاستقرار المالي والنقدي وتحقيق النمو المستدام والتشغيل»، يجدر به التيقن من أن جميع أهدافه هذه مشدودة بسلاسل حديدية متفاوتة الطول إلى رقبة المصارف وقدرتها على طيّ عصر «انقراض الإقراض»، وإلى ذلك الحين، ساعة نشهد منح قروض وازنة في حسابات التنمية الاقتصادية، يمكن الجزم بأنه لن يكون لظاهرة انهيال الأفكار الحكومية، مكان ضمن إستراتيجية انتشال مصارفنا من سباتها الذي بات يوحي بالأبدية هذه الأيام.
على أي حال، لا يرجح أن يطول مكوث مؤسساتنا المصرفية على طاولة مصير «رصيد المكوث»، طال الزمن أم قصر، ستعود بعدها إلى أم مشاكلها: الضمانات المصرفية، سعر الفائدة، والقيّمون على كليهما.
هذه التفاصيل الجوهرية التي لا مناص من حلّ أحجياتها، تصبح ضرورة قصوى مع عودتنا -ومن باب واسع- إلى عصر التقلبات النقدية من رتبة الـ«15 بالمئة» التي تجسد انزلاقاً خطيراً لعملة لأنها تأكل أكثر مما تنتج!، لربما يحتاج الأمر من السياسة النقدية وضع الأسس الكفيلة لوقف السير الحكومي المتباهي على بساط أحمر قاتم نسجت خيوطه من تعظيم الاستهلاك على خلفية الإيحاء بالتعافي الزائف وما يلحقه من تقليص لوائح منع الاستيراد والتسامح مع التهريب، فيما القدرات التصديرية تتقهقر كما هو مرجح.
يدرك الجميع أن عجز القطاع المصرفي عن ممارسة مهامه الطبيعية، سيبقى أحد المؤشرات البارزة على ما إذا كان المصرف المركزي -ومن خلفه الحكومة- قد انتصرا أم هزما في جبهتهما الخاصة بين جبهات الحرب على سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن