قضايا وآراء

أزمة الديمقراطية الغربية في ظل الشعبوية والإرهاب

| د. قحطان السيوفي

هل يمكن أن تموت الديمقراطية في الغرب عموماً وفي الولايات المتحدة تحديداً؟ هل هناك موجة جديدة من الاستبدادية آخذة في اجتياح العالم مع تزايد ظاهرة الشعبوية؟ خاصة تزايد الهجرة وتهديدات الإرهاب التكفيري؟
هذه الأسئلة كانت تبدو غير واقعية حتى وقت قريب، إلا أنها باتت الآن موضوع النقاش في التيار السياسي السائد، والنظام الديمقراطي في أميركا معرض للتهديد وهو جزء من أزمة عالمية أوسع نطاقا.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، ياشا مونك، نشر كتابا بعنوان «الشعب ضد الديمقراطية» مع عنوان فرعي «لماذا تتعرض حريتنا للخطر» جاء فيه: «للمرة الأولى في تاريخها، انتخبت أقدم وأقوى ديمقراطية في العالم رئيسا يزدري بشكل علني الأعراف الدستورية الأساسية. سلطويا ليتقلد أعلى منصب في الدولة، هي نذير شؤم سيئ جداً».
بدوره أستاذ التاريخ في جامعة ييل، تيموثي سنايدر، في كتابه «الطريق إلى انعدام الحرية» يحذر بأن «الديمقراطية الأميركية سوف تنتهي يوما ما» ما لم تتمكن من حل التوترات الاقتصادية والعرقية، التي يرى أنها عملت على دفع ظهور دونالد ترامب وأدى إعصار الشعبوية السياسية الى زعزعة الغرب، فصوتت بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي، وصوتت أميركا لمصلحة ترامب، وفي المانيا، حزب البديل لألمانيا الشعبوي فاز بـ13 في المئة في الانتخابات، والمشهد يشير لتباعد بطيء بين الليبرالية والديمقراطية».
الدافع وراء الشعبوية في الغرب هو نزعة تؤكد الحقوق الديمقراطية للأغلبية، لكنها لا تولي اهتماما يذكر لحقوق الأقليات التي هي من أساس الليبرالية.
الإحباط الكبير الذي يشعر به ترامب متجذر في عدم قدرته على تفهم مهامه كرئيس، وشعبويته الجامحة التي لم تحقق كامل أهدافها, فلم يتم بعد بناء الجدار على طول الحدود المكسيكية، ولم يلغ كامل برنامج الرعاية الصحية الذي أوجده الرئيس السابق أوباما، ولا تزال القوات الأميركية موجودة في أفغانستان، والتخفيض الضريبي بنسبة 35 في المئة أصبح لمصلحة الشركات الكبرى والطبقة الثرية، وتخلى البيت الأبيض عن خطط لفرض حظر شامل على المهاجرين المسلمين، ومن خلال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقيات الدولية، والتشكيك في الالتزامات طويلة الأمد مع الحلفاء، عمل ترامب على التسبب في تراجع النفوذ الأميركي في مختلف أنحاء العالم، وأدت الانتخابات النصفية لعودة الديمقراطيين كأغلبية في مجلس النواب.
ثمة سؤال: هل يُمكن إنقاذ الديمقراطية من براثن الشعبوية؟ خطة الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين، التي دعا إليها أنصار ترامب المتحمسين، من شأنها أن تتطلب وحشية ينفر منها معظم الليبراليين.
عندما تتبع حكومة ديمقراطية فعلا الغرائز الشعبوية فيما يتعلق باللاجئين، يمكن أن ينتهي بها الحال في مكان ينذر بالخطر، من جهة أخرى الساسة الأوروبيون يتصببون عرقا لمقاومة استفحال الشعبوية.
في أوروبا موجة اجتياح الأحزاب الوطنية المتعصبة، التي تتغذى على مخاوف التعددية الثقافية والعولمة قد يستحيل وقفها، وتواصل الأفكار القومية المتعصبة، التسلل إلى تيار السياسة العامة في القارة العجوز، ويحذر بعض المحللين من أن وحدة الاتحاد الأوروبي مُهددة، مع تزايد المهاجرين.
بالمقابل المشاعر المناهضة للهجرة تتزايد، ثلثا مواطني الاتحاد الأوروبي يرون أن الهجرة لها أثر سلبي في بلادهم، وذلك وفقا لدراسة نشرتها «فوندابول»، وهي مؤسسة أبحاث ليبرالية مقرها باريس.
يقول المؤرخ الفرنسي جان جاريج: «الشعبوية لا تتغذى على انعدام الأمن الاقتصادي فحسب، بل أيضا على الاشتباكات الثقافية»، وهي الأبعاد التي لا ينتبه إليها كثيرون، وفي وقت تعيش الديمقراطية الليبرالية في أزمة يتساءل مارتن وولف في «الفينانشال تايمز»: كيف يمكن للديمقراطية الليبرالية، وهي تركيبة هشة من الحرية الشخصية والعمل المدني، استعادة التوازن بين هذين العنصرين؟
جادل دياموند من جامعة ستانفورد، بأن الديمقراطية الليبرالية لديها أربعة عناصر ضرورية وكافية: انتخابات حرة ونزيهة، ومشاركة فعالة من الناس، باعتبارهم مواطنين، وحماية الحقوق المدنية وحقوق الإنسان لجميع المواطنين، وسيادة القانون التي تربط جميع المواطنين بالتساوي.
في تقريرها لعام 2018 قالت منظمة «فريدوم هاوس» الأميركية غير الربحية التي تمولها الحكومة الفيدرالية: «الديمقراطية في أزمة، القيم التي تجسدها وحرية التعبير وسيادة القانون، تتعرض للهجوم وتشهد تراجعاً على الصعيد العالمي»، هذا «الركود الديمقراطي»، كما وصفه البروفيسور دياموند بالقول: إن الالتزام بمعايير الديمقراطية الليبرالية، يشهد تراجعا حتى في الولايات المتحدة.
في كتاب صدر أخيرا، بعنوان «الشعب مقابل الديمقراطية»، يجادل، مونك، من جامعة هارفارد، بأن كلا من «الليبرالية غير الديمقراطية» و«الديمقراطية غير الليبرالية» تهددان الديمقراطية الليبرالية، بموجب الأولى، الديمقراطية ضعيفة فوق الحد: يتم التضحية بالروابط الاجتماعية والأمن الاقتصادي على مذبح الحرية الفردية. الليبرالية غير الديمقراطية تنتهي إلى حكم النخبة. والديمقراطية غير الليبرالية تنتهي إلى الحكم الاستبدادي.
الاقتصاد الليبرالي لم يحقق ما كان يرجى منه، والصحيح هو أن الليبرالية الاقتصادية ذات الإدارة السيئة ساعدت في زعزعة استقرار السياسة. هذا يساعد في تفسير رد الفعل القومي الشعبوي في البلدان المتقدمة اقتصاديا، ومن المستحيل بالنسبة للديمقراطيات أن تتجاهل الغضب العام والقلق المنتشرين على نطاق واسع، وسياسة الباب المفتوح التي انتهجتها ميركل عملت على إشعال فتيل رد فعل شعبوي عنيف داخل ألمانيا، والرئيس الأميركي دونالد ترمب ينضم إلى جوقة الشعبويين الألمان ويصف سياسات الهجرة التي تنتهجها المستشارة الألمانية بأنها «مجنونة».
يسلط صعود النزعة الشعبوية الضوء في ألمانيا مثلاً على الحقيقة التي مفادها أن كثيراً من الألمان يشعرون بالفزع من أن حزب البديل لألمانيا لديه كل هذه المشاعر العنيفة المعادية للأجانب، فيطالب بهدم المآذن ويقول إن ألمانيا ينبغي أن تتوقف عن الاعتذار عن النازيين، مُدعياً أن الوافدين المسلمين إرهابيون، وقد يسعون لطمس الهوية الوطنية.
فوز حزب البديل لألمانيا يثير جدلا حادا لمواضيع؛ منها الإرهاب، والإرهاب التكفيري الذي ساهم الغرب في صناعته ودعمه في سورية والعراق ارتد على الغرب ليشكل خطراً على أميركا، وأوروبا، وأصبح مع تدفق اللاجئين من الأسباب التي ساهمت في تأجيج النزعة الشعبوية المتطرفة في الغرب.
هل يمكن إنقاذ الديمقراطية من براثن الشعبوية وكيف يمكن للغرب مواجهة الإرهاب الذي سبق وساهم بإيجاده ودعمه؟ إنها أزمة الديمقراطية الغربية في ظل الشعبوية والإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن