اقتصاد

عادت حليمة!

| عامر إلياس شهدا

طالعتنا صحيفة «الوطن» بخبر تهريب الليرة السورية إلى الأردن عبر معبر نصيب في عدد الأمس، هذا الأمر أعادني لعام 2003 عندما كنا نشير في صحيفة الاقتصادية إلى قضايا التصدير الوهمي وتهريب الليرة السورية إلى لبنان من أجل المضاربة بالدولار، في تلك الفترة تم تكليفنا من رئاسة مجلس الوزراء العمل على فصل الاستيراد عن التصدير، وقد تم إقناع وزير الاقتصاد بإصدار قرار فصل الاستيراد عن التصدير بسورية، اليوم الأمر مختلف تماماً فتهريب العملة السورية لإدخال الدولار إلى البلد ليس هدفه فقط تمويل الاستيراد وإنما هدفه أيضاً المضاربة بالدولار وخلق حالة عدم استقرار في السوق والتأثير على أسعار الصرف وسعر المستهلك وبكلتا الحالتين المواطن يدفع الثمن فقراً وحاجة.
من له مصلحة بتهريب الليرة السورية خارج سورية؟ ومن له مصلحة بضرب الليرة السورية؟ أعتقد وهذا الحال أن هناك فلتاناً غير مبرر يفتقر إلى ضوابط محكمة لرقابة الكتلة النقدية المتداولة في الأسواق؟ بالأمس قرأنا عنواناً عن رحيل رصيد المكوث مع رحيل الحاكم وكأن رصيد المكوث من اختراع الحاكم وهو معمول به من عشرات السنوات عندما كان يمنح المصرف العقاري قروضاً عقارية لقاء مكوث مبلغ من المال لمدة سنة أو ستة أشهر بالحساب. وهناك رصيد الحد الأدنى للحساب والذي لا يمكن أن ينخفض عن المبلغ المحدد يعتبر رصيد مكوث، هناك اختلاف بالتسمية والتعبير لا أكثر فما هذه القضية التي شغلت الدنيا واعتبرت شاذة عن قواعد ضبط الكتلة النقدية. رغم تغني كبار المسؤولين باجتماعاتهم بمصطلح رصيد المكوث. لنتعمق أكثر من أجل خلق البديل لضبط الكتلة النقدية. يعتقد أن هناك 8 ترليونات ليرة سورية كتلة نقدية متداولة رغم أننا نشك أن هناك جهة تعلم مقدار الكتلة النقدية المتداولة بالسوق السورية. الموجود بالمصارف من هذه الكتلة مبلغ 1.5 ترليون ليرة سورية، والسؤال المطروح هل حجم الكتلة النقدية المتداولة بالأسواق السورية يساوي 6.5 ترليونات ل.س متناغمة مع حجم التداول وأين يتم تداول هذه الكتلة؟ وبأي القطاعات؟ وما قاعدة البيانات المعتمدة التي تمكن هيئة تخطيط الدولة من وضع خططها بناء على قاعدة بيانات نقدية صحيحة؟ وما أدوات السياسة النقدية التي تضبط هذا الحجم من النقد؟ وكيف تستخدمها للتأثير على القوة الشرائية لليرة السورية؟ ما هي ضوابط خروج المنتج الممول بالليرة السورية وعودة قيمه إلى سورية؟ وما مبرر الابتعاد عن ضبط التصدير الذي يتم بموجب كتاب وفاتورة صادرة عن جهة لا تخضع لرقابة مصرفية؟ البعض يبرر ذلك أن سورية خاضعة لعقوبات إلا أن التصريحات الرسمية وغير الرسمية لا تشير إلى ذلك حيث صرح اتحاد المصدرين أننا نصدر إلى 109 دول. وتلاه تصريح وزير المالية يقول إننا نصدر بالفعل إلى 80 دولة لن نخوض بتفاوت الرقم وتضخيمه وهذا ما تعودنا عليه وإنما من يشير لهذه الأرقام لا يمكن أن يقنعنا أنه يواجه مشكلة بحركة الكتلة النقدية الواردة كقيمة للمنتج المصدر وبالأخص أننا نصدر حسب تصريحاتهم 750 مادة زراعية وصناعية؟ جزء من المشكلة يكمن هنا والجزء الآخر وهو الذي يشكل الخطورة الكبيرة على الاقتصاد وعلى الليرة السورية وقوتها الشرائية وعلى أدوات السياسة النقدية. سؤال في أي دولة بالعالم تخضع حركة السيولة لمصدر وجمرك؟ هل هناك نظرية جديدة تقول إن المصدر أو الجمرك أداة من أدوات السياسة النقدية؟ أعتقد أننا نفتقر للضوابط وأن فلتان سعر الليرة السورية من أحد أهم أسبابه تحييد المصارف عن موضوع التصدير حيث أصبحت الكتلة النقدية المستثمرة في عمليات التصدير خارج إطار الرقابة المصرفية، والدليل شح الدولار في الأسواق.
فالبضاعة المنتجة تمول بالليرة السورية وتصدر لبلد التصدير، ومن ثم تعود نقداً أو يعود جزء منها، وإما تبقى خارج القطر لتوضع بحساب تاجر يدفع قيمتها للمصدر بالداخل، هذا الأمر يؤثر بشكل عميق على موارد السوق السورية من القطع الأجنبي ما يخلق الاختناقات ويفتح الأبواب على مصراعيها للمضاربة بالدولار والتأثير على القوة الشرائية لليرة السورية؟ هنا تكمن القضية فلا إجراءات وزارة التجارة ستنفع في ضبط الأسعار ولا يمكن مع هذه الحالة استخدام أي أداة من أدوات السياسة النقدية لتؤثر على حجم الكتلة النقدية وعلى سعر الصرف.
لذلك ننصح وبشدة لإيماننا أن النصر العسكري إذا لم يرافقه نصر اقتصادي سيؤدي إلى تلاشيه؟ علينا أن نضع دراسة وافية لوضع إجراءات نعيد دور المصارف بموضوع التصدير مع التشدد على ذلك، فمن غير المنطقي أن نسمع من وزير المالية أن ضخامة العجز في الموازنة هو الذي ضمن قوة الدولة، هذا التصريح لا يمت للفكر الاقتصادي والنقدي بصلة، قوة الدولة لا تكمن بتضخيم العجز وإنما قوتها في مدى قدراتها على الاعتماد على خبرات تستطيع أن تضع الضوابط المحكمة لرقابة عملتها الوطنية وتخلق إدارات قادرة على توجيه واستثمار هذه الكتلة النقدية وبما يتوافق مع أهداف خططها الاقتصادية؟.
ندعو لإعادة النظر والحد من حالة الفلتان حيث يرتبط التصدير بكتلة نقدية لا تخضع لضوابط رقابية وهذا الأمر بمفرده كاف ليحدث الكثير من الآثار الاقتصادية والنقدية والمالية والاجتماعية السيئة التي تؤدي إلى انهيارات اقتصادية لا تحمد عقباها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن