سورية

آلاف اللبنانيين مجدداً إلى الساحات (ضد الطبقة السياسية وفسادها).. والعفو الدولية تدعو إلى التحقيق في استخدام القوة ضد المحتجين

يستمر المشهد اللبناني بمزيد من الاحتقان والغليان نتيجة سوء الأوضاع المعيشية التي يعاني منها الشعب اللبناني، والمتمثلة بغلاء الأسعار وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، وغيرها من فساد الطبقة السياسية المتحكمة بالبلاد من عقود طويلة، وجاءت أزمة تراكم النفايات لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير، فكشفت المستور وفضحت حجم الفساد المستشري في الأوساط السياسية في البلاد، ناهيك عن الصفقات التي تعقد باسم الحفاظ على نظافة البلاد وهي مفقودة تماماً.
وبالأمس توافد آلاف المواطنين إلى وسط بيروت للمشاركة في تجمع حاشد دعا إليه ناشطون في المجتمع المدني ضد الطبقة السياسية بمجملها التي يتهمونها بالفساد وبالعجز عن تأمين أدنى متطلبات الناس الحياتية، في وقت تجري التظاهرة وسط إجراءات أمنية مشددة من القوى الأمنية اللبنانية كما أعلن قائد الجيش في لبنان جان قهوجي حماية الجيش للتحركات الشعبية ولو أنه لن يسمح بالتعديات.
وفي ساحة الشهداء في العاصمة اللبنانية، وقف ناشطون يوزعون على الوافدين أعلاماً لبنانية كتب عليها «طفح الكيل»، في حين ارتدى العديد من المتظاهرين والمنظمين قمصاناً قطنية بيضاء كتب عليها «طلعت ريحتكم» وهو الشعار الأساسي الذي انطلقت منه الحملة منذ نهاية تموز الماضي.
وأفادت وكالة «فرانس برس» أن القادمين إلى وسط العاصمة أتوا من مناطق مختلفة وهم ينتمون إلى طوائف متعددة، وهي ظاهرة نادرة في بلد يعاني من انقسامات سياسية وطائفية حادة. وسار بعضهم في مسيرات راجلة من نقاط عدة في العاصمة.
كما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام، أن ساحة الشهداء غصت بآلاف المتظاهرين، من مختلف الأعمار والانتماءات، ولوحظ مشاركة عدد من ذوي الحاجات الخاصة.
ويطالب المتظاهرون أيضاً باستقالة وزير البيئة لفشله في حل مشكلة النفايات، إضافة إلى وقف الفساد وإيجاد فرص العمل وتأمين الكهرباء والماء وإجراء انتخابات نيابية.
وبدأ حراك المجتمع المدني بعد أن غزت النفايات شوارع بيروت ومناطق أخرى في أزمة نتجت عن إقفال مطمر رئيسي للنفايات جنوب العاصمة وعن انتهاء عقد شركة «سوكلين» المكلفة جمع النفايات من دون التوصل إلى إبرام عقد جديد.
ومنذ ذلك الحين يتم جمع النفايات بشكل متقطع وترمى في أماكن عشوائية، مثل مساحة أرض ملاصقة لمرفأ بيروت وتحت الجسور وفي أراض مهجورة، من دون معالجة وفي شروط تفتقر إلى أدنى معايير السلامة الصحية. ولم تتوصل الحكومة إلى حل للأزمة بسبب انقسام السياسيين، وسط تقارير عن تمسك العديد منهم بالحصول على حصص وأرباح من أي عقود مستقبلية.
وتأتي أزمة النفايات لتضاف إلى الأزمة السياسية الناجمة عن شغور في موقع رئاسة الجمهورية منذ أيار 2014. وبذريعة الانقسامات والتوترات الأمنية المتقطعة، مدد مجلس النواب ولايته بقرار صدر عنه في تشرين الثاني 2014 حتى حزيران 2017، في خطوة عارضتها شريحة واسعة من اللبنانيين معتبرة إياها غير قانونية.
وحظر المنظمون رفع أعلام غير العلم اللبناني في التظاهرة. وحمل المتظاهرون لافتات هاجمت المسؤولين واصفة إياهم بـ«الزبالة»، على حين تنوعت المطالب من حل لأزمة النفايات إلى المطالبة بتأمين الكهرباء والماء إلى إسقاط النظام الطائفي وانتخاب رئيس للجمهورية واستقالة المجلس النيابي، وصولاً إلى حل لقانون الإيجارات.
وارتفعت من مكبرات للصوت أغان وأناشيد وطنية، بينها أغنية للفنانة باسكال صقر فيها «صوت الجوع لما الناس يجوعوا، أقوى كتير من صوت المدافع».
وتغطي كل قنوات التلفزة على مختلف مرجعياتها السياسية، التحرك، وإن بكثافة متفاوتة.
وفي طرابلس تجمع عدد من أبناء الميناء في شارع بور سعيد بدعوة من «تجمع الحالة الشعبية» تحت عنوان «قرفنا حالنا منكم»، وأطلقوا هتافات تدعو إلى معالجة الأوضاع الحياتية والاقتصادية في المدينة.
وشهد تجمعان شارك فيهما آلاف المواطنين المحتجين في نهاية الأسبوع الماضي أعمال شغب قام بها من أسمتهم وسائل الإعلام «المندسين» والذين أقدموا على تحطيم أعمدة كهرباء وإشارات سير وواجهات محال تجارية، وحرق أشجار وقطع أثاث وآليات لقوى الأمن ومستوعبات بلاستيكية. كما أقدم هؤلاء على رشق عناصر قوى الأمن بالحجارة وعبوات المياه البلاستيكية.
وردت القوى الأمنية بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع وبضرب المشاغبين، ولم يسلم بعض المتظاهرين السلميين. وأصيب نحو مئتي شخص بجروح في المواجهات بين أمنيين ومدنيين.
واتخذت بالأمس تدابير أمنية مشددة تجنبا لتكرار أعمال الشغب، وانتشرت قوى الأمن والجيش في شوارع العاصمة خصوصاً في ساحة الشهداء ومحيطها.
وذكر أسعد ذبيان، أحد منظمي الحملة، أن «هناك 500 متطوع بين المتظاهرين ينسقون مع قوى الأمن» للحفاظ على الأمن.
ويشارك عدد كبير من الفنانين اللبنانيين في التحرك. كما تشارك عائلات بكاملها مع الأطفال. وهذه التظاهرة الأكبر في لبنان التي تتم بدعوة من المجتمع المدني لا من طرف سياسي.
إلى ذلك قالت منظمة العفو الدولية أمس: إنه يجب على الحكومة اللبنانية أن تحقق في استخدام أفراد من الأمن القوة المفرطة لتفريق مظاهرات مناهضة للحكومة في بيروت الأسبوع الماضي.
وقالت كبيرة مستشاري شؤون الأزمات بمنظمة العفو الدولية لمى فقيه: «رد مسؤولو الأمن اللبنانيون على المظاهرات التي كانت سلمية إلى حد بعيد في وسط بيروت بإطلاق ذخيرة حية في الهواء وإطلاق الرصاص المطاطي وعبوات الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه وفي بعض الأحيان كانوا يلقون الحجارة ويضربون المتظاهرين بالهراوات والبنادق».
وألقى منظمو التظاهرات المسؤولية على «مندسين» مرتبطين بحركات سياسية وتعهد سلام بمحاسبة المسؤولين عما وصفه بالاستخدام المفرط للقوة.
وقالت فقيه: «استخدام العنف من قبل بعض المتظاهرين لا يعفي قوات الأمن من اللوم في استهداف المظاهرات التي كانت سلمية في معظمها». وذكرت المنظمة نقلا عن أرقام من الصليب الأحمر أن 343 شخصاً تلقوا العلاج من إصابات وإن 59 آخرين نقلوا للمستشفى بعد الاحتجاجات.
أ ف ب – رويترز – الميادين – وكالات

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن