شؤون محلية

الدكتوراه والعالم الافتراضي

| نبيل الملاح

دفعني لكتابة هذا المقال ما قرأته على شاشة التلفزيون وأنا أشاهد أحد البرامج بوضع (د.) أمام اسم شخص أعرفه جيداً وهو أمي بكل ما لهذه الكلمة من معنى وفهم متداول، واستفزني ذلك كثيراً حزناً على هبوط وانحدار المستوى العلمي إلى هذا الحد الذي يسمح بإعطاء شهادة دكتوراه لشخص كهذا…؟!
كنت قد أصدرت في عام 2004 كتاباً بعنوان: «تجربتي في الحزب والوزارة» تحدثت في أحد فصوله عن انتشار ظاهرة شهادات الدكتوراه التي يحصل عليها البعض بأقل جهد ممكن وأحياناً من دون أي جهد، وتمكن معظم هؤلاء من الوصول إلى مناصب ومواقع إدارية عليا، بل تمكن بعضهم من أن يصبحوا أساتذة في الجامعات!!
وقلت إن شهادات الدكتوراه التي يجب معادلتها واعتمادها هي الشهادات الصادرة عن الجامعات المعروفة التي لا تمنح هذه الشهادات وغيرها إلا لمن يستحقها عن جدارة وضمن مدة زمنية لا تقل عن 3-4 سنوات. وذكرت أن ما يزيد الأمر تعقيداً أن شهادة الدكتوراه أصبحت شرطاً للوصول إلى بعض المناصب والمواقع من دون التركيز على شخصية حاملها وخبرته، وهذا ما أدى إلى تعيين العديد من حملة شهادات الدكتوراه في وظائف قيادية أثبتت الأيام فشلهم وعدم قدرتهم على حمل أعبائها، فمن حيث المبدأ فإن أستاذ الجامعة الناجح ليس بالضرورة أن يكون مؤهلاً للنجاح في الوظائف والأعمال التنفيذية التي تحتاج إلى الخبرة والممارسة والموهبة. وبينت أن كلمة (دكتور) لا تطلق في الدول المتقدمة إلا على الطبيب، وأما حامل شهادة الدكتوراه فيطلق عليه اسم (بروفسور) عندما يصبح أستاذاً جامعياً، واقترحت (مازحاً) أن يصدر قانون يمنح كل مسؤول لقب (دكتور).. لنحد من ظاهرة الحصول على شهادة دكتوراه (مزيفة).
أقول هذا وأنا من الذين يأملون أن يصبح عدد الذين يحملون شهادة الدكتوراه كبيراً وكبيراً جداً، ولكن الدكتوراه الحقيقية هي التي ترفع فعلاً مستوى حاملها العلمي.
لا بد من قيام الحكومة بدراسة هذا الموضوع بشكل جدي، ووضع الآليات والأسس اللازمة لمراجعة وتدقيق شهادات الدكتوراه التي تم معادلتها واعتمادها، وأقترح إصدار قرار من رئاسة مجلس الوزراء بعدم تداول كلمة (دكتور) لغير أساتذة الجامعات ومن في حكمهم، وأن تضع المعايير والشروط الصحيحة لاختيار القيادات الإدارية العليا انطلاقاً من تلازم المؤهل العلمي مع الخبرة، فالخبرة في مجال الإدارة كالتكنولوجيا بالنسبة للعلم وتطبيقاته.
أنتقل إلى موضوع «العالم الافتراضي» الذي يضم مجموعة من المستخدمين الذين يجسدون شخصيات افتراضية ضمن بيئة ثنائية أو ثلاثية الأبعاد ويعتمدون على المحاكاة الحاسوبية كوسيلة للتخاطب والتواصل مع الأشخاص الافتراضيين الآخرين وأقول إنني لست من رواد هذا العالم، ولست من المؤيدين لما نتج عنه من جامعات افتراضية.
إنني ما زلت مؤمناً بأن العلاقة والتواصل المباشر بين الأستاذ والطلاب هي الطريقة المثلى للتعليم والتعلم، وهي الطريق الصحيح والأنسب لمنح الشهادات العلمية بمختلف مستوياتها.
وأنا هنا لا أقصد الاستغناء عن الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات، بل أنبه إلى ضرورة عدم الاستسلام لها في الحصول على العلوم والمعارف، وإعمال العقل عند تلقي ما نريد منها واختيار المواقع الموثوقة.
إن التعليم يشكل الرافعة الأساسية لبناء الدولة والمجتمع، ويجب على الجميع إعطاؤه الأولوية وإزالة الشوائب التي لحقت به.
وعلينا جميعا أن ندرك أن مستقبل سورية لن يكون واعداً بعد الأزمة التي مرت وتمر، إلا بالارتقاء بالتعليم والقضاء إلى المستوى والوضع المنشود.

باحث ووزير سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن