قضايا وآراء

بارزاني ومنصب رئاسة إقليم كردستان

| أحمد ضيف الله

ما إن تمت المصادقة على النتائج النهائية لانتخابات برلمان إقليم كردستان العراق في الـ30 من تشرين الأول المنصرم، التي كانت قد جرت في الـ30 من أيلول الماضي، عقد برلمان الإقليم أولى جلساته في الـ6 من تشرين الثاني الحالي، برئاسة ريفينك محمد نوري أكبر النواب سناً، التي اقتصرت على تأدية النواب اليمين القانونية فقط، حيث أعاقت الخلافات السياسية بين الكتل البرلمانية انتخاب رئيس له، فأبقى رئيس السن الجلسة مفتوحة «لإعطاء فرصة لاتفاق الأحزاب السياسية» على آلية تشكيل الحكومة المقبلة ورئاسة البرلمان، على الرغم من أن إبقاء الجلسة مفتوحة وعدم اختيار الرئيس ونائبيه مخالفة للنظام الداخلي للبرلمان.
إن الدورة الحالية لبرلمان الإقليم ستواجه العديد من المهام الصعبة التي لم يستطع البرلمان في دورته السابقة من الوصول إلى حلول واتفاقات بشأنها، منها إقرار قانون تنظيم الثروات، النفط والغاز، وصياغة دستور جديد للإقليم، خاصة بعد أن تربع الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني على عرش تمثيل الكتلة البرلمانية الأكبر في برلمان الإقليم بحصوله على 45 مقعداً من عدد مقاعد البرلمان الـ111، حيث سيسعى إلى تثبيت مشروعه، دستور إقليم كردستان، الذي يعتمد نظام الحكم الرئاسي، والذي كان سبباً في الخلافات الحادة والأساسية في الدورة البرلمانية الماضية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان يمتلك 38 مقعداً في البرلمان من جهة، والقوى الرافضة لمشروعه آنذاك التي كانت تمتلك 58 مقعداً، المتمثلة بالاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة الراحل جلال الطالباني، وحركة التغيير برئاسة الراحل نوشيروان مصطفى، والاتحاد الإسلامي الكردستاني برئاسة محمد فرج، والجماعة الإسلامية برئاسة علي بابير من جهة ثانية، المطالبين بتقليص صلاحيات رئيس الإقليم والانتقال إلى نظام برلماني، والتي أدت بنتيجتها إلى قيام مسعود بارزاني في الـ11 من تشرين الأول 2015 بمنع يوسف محمد رئيس برلمان الإقليم وهو من حركة التغيير المعارضة من دخول مدينة أربيل لمزاولة مهامه البرلمانية، معطلاً بذلك أعمال البرلمان لنحو عامين، إضافة إلى قيامه بطرد أربعة وزراء من حكومة الإقليم وجميعهم من حركة التغيير.
لقد تقدمت الأحزاب الأربعة الرئيسة آنذاك بمشروع لتعديل القانون الرئاسي، وأجرت القراءة الأولية له في جلسة البرلمان في الـ23 من حزيران 2015، الذي تضمن تغيير النظام الرئاسي الحالي إلى النظام البرلماني، على أن يجري انتخاب الرئيس من قبل البرلمان مع جعل المنصب بروتوكولياً دون أي صلاحيات كبرى، عارضة دعم ترشيح مسعود بارزاني لرئاسة الإقليم مجدداً، وهو الأمر الذي رفضه الحزب الديمقراطي الكردستاني بقوة.
وكان بارزاني قد انتخب رئيساً للإقليم لأول مرة في الـ12 من حزيران 2005، من المجلس الوطني الكردستاني، والذي سمي فيما بعد برلمان الإقليم، ثم انتخب رئيساً لدورة رئاسية ثانية في الـ25 من تموز 2009 بالاقتراع المباشر من قبل مواطني الإقليم بنسبة 70 بالمئة، انتهت عام 2013، إلا أن برلمان الإقليم مدد فترة بارزاني الرئاسية عامين آخرين لغاية الـ20 من آب 2015، بمقابل تعديل مشروع الدستور وعرضه للاستفتاء العام قبل حلول الموعد النهائي لانتهاء الولاية الممددة له ودخول الإقليم في فراغ قانوني.
وعلى الرغم من أن القانون الذي أًصدره البرلمان الكردستاني في الـ30 من تموز 2013 حدد مدة ولاية الرئيس بـ4 سنوات، وعدد مرات شغل المنصب بمرتين، قاطعاً الطريق تماماً من الناحية القانونية على بارزاني لأي تمديد، أو الترشح لولاية ثالثة، دعا المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في بيان صحفي له في الـ27 من آب 2015، إلى «بقاء رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني بمنصبه الحالي، حتى نهاية الدورة الرابعة الحالية لبرلمان الإقليم»، مشيراً إلى أن «الجلسات والحوارات حول مسألة منصب وصلاحيات رئيس إقليم كردستان، ستبقى مستمرة في أروقة البرلمان، من اللجان القانونية ورؤساء الكتل والأحزاب السياسية الكردستانية حتى يتم التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف».
إلا أن تداعيات إخفاق استفتاء انفصال الإقليم عن العراق أجبرت بارزاني على التنحي عن منصب رئاسة الإقليم في الأول من تشرين الثاني 2017، وجميع المناصب الأخرى، بعد تحميله نتائج إصراره على إجراء الاستفتاء وما نجم عنه، متمسكاً برئاسة حزبه فقط.
إن الزيارة اللافتة التي قام بها بارزاني إلى بغداد في الـ22 من تشرين الثاني الحالي، جاءت لكسر العزلة التي يعيشها عقب استفتائه الفاشل على انفصال إقليم كردستان العراق في 25 من أيلول 2017، والذي رفضته الحكومة الاتحادية حينها والقوى السياسية العراقية كافة، ساعياً إلى جذب الأنظار إليه مجدّداً، والتأكيد على أنه الممثل الأبرز للمكوّن الكردي في العراق، وأن حزبه «الديمقراطي الكردستاني» هو الأقوى بعد النتائج المتقدمة له في الانتخابات الاتحادية وفي إقليم كردستان.
إن الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما يبدو، يماطل وهو غير مستعجل للبدء بحوارات جدية لاختيار هيئة رئاسة برلمان الإقليم وتشكيل حكومة الإقليم المقبلة.
بالمقابل، «الاتحاد الوطني الكردستاني» وباقي القوى الكردية الرئيسة ما تزال قوى فاعلة ومؤثرة لا يمكن تجاهلها، ما سيفرض على الحزب الديمقراطي التفاهم معها بشأن كل المناصب، بما فيها الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة، إضافة إلى منصب محافظ كركوك ومناصب أخرى داخل الإقليم وخارجه، وأهمها الاتفاق على شكل نظام الحكم في الإقليم.
إن بارزاني لا يريد أن تقف أي اعتراضات داخل الإقليم وخارجه حائلاً أمام مسعاه في إعادة حصوله على منصب رئاسة الإقليم مجدداً من خلال إقرار النظام الرئاسي للإقليم، فهل ينجح، وتفشل باقي القوى الكردية المعارضة في تمرير مشروع النظام البرلماني للإقليم في ظل الخريطة البرلمانية الجديدة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن