من دفتر الوطن

في الاستعصاء الدرامي المحلي

| زياد حيدر

انتهيت منذ أيام من مشاهدة مسلسل بلاك ميرور (المرآة السوداء)، الذي تعرضه شبكة نتلفيكس، وتقدمه لنا محال الأقراص الليزيرية في سورية، مقرصناً وبأسعار شبه مجانية أيضاً.
العمل، جدي، ومؤرخ في سنوات ليست بعيدة مستقبلا، وصلت فيها التكنولوجيا لمستويات عالية، في مجالات يعتقد علميا الآن أن الطريق لتحقيقها بات واقعا وليس خيالا.
يركز العمل الذي أنتجت منه أربعة مواسم، على تأثير التكنولوجيا، في حياة البشر، خصوصاً في المجالات العاطفية والنفسية، ويرسم أبعاداً قاتمة لمستقبل البشرية، مستفيداً بشكل ذكي من فهم صناعه، وبينهم ثلاثة كتاب متميزين، للآثار الاجتماعية الجديدة التي فرضها التقدم في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، والنزعة للشهرة والتميز، وسيطرة النزعات الاستهلاكية، ومركزا أيضاً على التكنولوجيا التي تتدخل في عمل العقل البشري، بحيث تصبح ذواكرنا وخيالاتنا كلها قابلة للتحكم، كما التهكير.
العمل سوداوي، في أغلبية حلقاته، ويسلط الضوء على الجانب السلبي من هذا التصور، حتى في الحلقات التي تستهدف محاكمة أو عقاب مجرمين، فإنه يجسد عالما باردا من الأحاسيس، انتقاميا وغير مسامح.
وهو كغيره من الأعمال التي تنتج في مواسم سنوية، يعتمد على جهود عدة كتاب، يستندون على تصور شخص هو تشارلي بروكر مختلق الفكرة، وهو غالبا ما يشارك في الكتابة، ومن ثم خطط الشركة المنتجة، وغيرها من الخطوات اللاحقة في العملية الإنتاجية.
الحديث عن هذا العمل، وغيره من الأعمال، الغاية منه الإشارة مرة أخرى لموضوع الدراما العربية، وبشكل خاص السورية، التي يكثر الحديث فيها عن أزمة، ومشكلات واختناقات.
وأنا بتواضع، لا أريد تبليل قدمي ببركة مياه غيري، فلست من صناع الدراما، وليس لي حالياً في هذا الشأن، غير رأي مشاهد، وهو ما أستند إليه هنا بالقول إن الطريقة السابقة هي الحل، أو واحدة من الحلول.
فأغلب الشكوى الحاصلة في هذا المجال مما أسمعه بشكل شخصي، تقوم على حجتين:
الأولى عدم وجود نصوص جيدة، والثانية مشكلة التسويق.
وأعتقد أن حل الأولى يساعد في حل الثانية. أما الأولى، فمن السذاجة القول إنه ليست ثمة مواضيع يمكن تخيلها للدخول في تجارب درامية جديدة، بعيدة عن قصص حب النجوم، الذي يتحلون بجمال قياسي، ويركبون سيارات فاخرة، وخلفهم تسير سيارات الحراسة بملتحهيها حليقي الرؤوس، أو تلك التي تقوم على التهريج، سواء جاء ذلك بقالب من المقاطع، أم من الحلقات الكاملة، من مبدأ أن الجمهور، على الطريقة الهندية المصرية التقليدية عاوز كده.
مسلسل كبلاك ميرور، رغم إمكانياته انطلق من فكرة بسيطة، لكنها احتاجت لبحث فريق من العمل، في كل مجالات الحياة تقريبا، حتى التوصل لصنع هذه النماذج المستقبلية من المجتمعات، من دون إبهار ترفيهي.
العكس تماماً يحصل، حين الشروع بمشروع عربي، ومثال عليه عمل درامي محتمل عن الشيخ محيي ابن عربي مثلا، فيطلب من كاتب واحد أن ينجزه في شهرين.
نموذج آخر مثالي، هو مسلسل عائلة السيمبسون، الذي يجتمع على كتابته عدة كتاب متفرغين لهذا العالم الذي صنعه مات غرونينغ منذ ثلاثين عاماً تقريباً، ومن دون مقارنة عربية ممكنة، (لا يقل لي أحد باب الحارة)، لم يصنع مسلسل عربي مشابه، ، ولن يكون صنعه ممكناً بالاعتماد على العقليات القائمة حالياً في مختلف مجالات الإنتاج.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن