قضايا وآراء

تشكيلة عادل عبد المهدي الوزارية المتعثرة

| أحمد ضيف اللـه

صوت المجلس النيابي العراقي في الـ25 من تشرين الأول الماضي على منح الثقة لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي و14 وزيراً من تشكيلته الوزارية التي تضم 22 وزيراً، وتم تأجيل اختيار 8 وزراء آخرين بسبب الاعتراضات على ترشيحهم وهم وزراء، الداخلية والدفاع والعدل والتخطيط والتربية والثقافة والتعليم العالي، إضافة إلى الهجرة والمهجرين.
وعلى الرغم من أن عبد المهدي بذل جهوداً كبيرة لتقريب وجهات النظر بين المختلفين لحسم موضوع الوزارتين الأمنيتين، الداخلية والدفاع، والوزارات الست المتبقية، مطالباً القوى النيابية بأن تحسم خياراتها بشأن الوزارات الثماني المتبقية لتقديمها دفعة واحدة على مجلس النواب، وبأنه «لا يمكن الانتظار أكثر دون استكمال الكابينة الوزارية».
إلا أنه لم يتمكن من تحقيق أي تقدم، لأنه ليس لديه كتلة كبيرة قادرة على دعمه، ولا يملك من أسباب القوة سوى كتاب الاستقالة التي في جيبه، وخاصة أن وصوله إلى رئاسة مجلس الوزراء كان بالتوافق بين التحالفين الكبيرين «الإصلاح والإعمار» المدعوم من مقتدى الصدر، و«البناء» الذي يرأسه هادي العامري ونوري المالكي، ما يفرض عليه أخذ موافقة التحالفين في ما يقدمه من مرشحين، والحرص على ألا يصعد الموقف بينهما كي لا تصل الأمور إلى مرحلة الصدام المباشر.
على مدار الأيام الماضية كثفت القوى والأحزاب السياسية اجتماعاتها لردم فجوة الخلاف بين تحالفي «الإصلاح» و«البناء» على أسماء الوزراء الثمانية، حيث ما تزال الأمور غامضة بشأن حسم ما تبقى من الحقائب الوزارية، وعلى وجه الخصوص مرشحي وزارتي الدفاع والداخلية، خاصة بعد رفض «تحالف البناء» استبدال مرشحه لحقيبة الداخلية فالح الفياض.
موقف «الإصلاح والإعمار» الرافض لتوزير الفياض هو في الحقيقة بسبب انسحابه من «تحالف النصر» الذي يرأسه حيدر العبادي والذي كان منضوياً ضمن تحالف «الإصلاح والإعمار»، وانضمامه إلى «تحالف البناء»، ما تسبب في فرط عقد «تحالف النصر».
بالمقابل، أدى توزع النواب السنّة وانقسامهم بين «تحالف الإصلاح والإعمار» و«تحالف البناء»، إلى تصاعد حدة النزاع فيما بينهم حول مرشحهم لوزارة الدفاع، إذ يقول «تحالف المحور الوطني»: إن «كتلتنا داخل مجلس النواب هي الممثل الشرعي الوحيد للسنـّة، لأننـا نتألـف من 63 نائباً سنياً»، وبأن «وزارة الدفاع من حصتنا ومن يدعي بأنه يمثل السنّة فإنه غير مؤهل لذلك لكون أعضاء المكون في الكتل الأخرى لا يتجاوز عددهم سبعة نواب فقط»، في ظل حملات اتهام كل طرف للآخر بأن مرشحه كان من أزلام نظام صدام حسين، ومشمولاً بإجراءات هيئة المساءلة والعدالة، أي هيئة اجتثاث البعث سابقاً، التي زاد من تعقيداتها تغريدات مقتدى الصدر التي اتهمت نواباً سنّة في «تحالف البناء» ببيع وشراء الحقائب الوزارية وبالفساد، ما صعد من حدة السجال الدائر بين النواب السنّة بشأن مرشح وزارة الدفاع.
إن وزارة عادل عبد المهدي الحالية المكونة من 14 وزيراً، هشة ويمكن إسقاطها، وخاصة إذا قدمت «هيئة المساءلة والعدالة» رأياً سلبياً بخصوص وزير الاتّصالات نعيم الربيعي المتهم بأنه شغل في عهد صدام حسين منصباً في جهاز الاستخبارات، وأنّ عمله كان يتمثّل بمراقبة المعارضة الإسلامية، فيما يتهم وزير الشباب والرياضة أحمد العبيدي بملف جنائي. وسحبت الثقة منهما، سيؤدي إلى سقوط حكومة عادل عبد المهدي لافتقارها النصاب القانوني، ما يتوجب على رئيس الجمهورية برهم صالح ترشيح شخصية أخرى، وهو ما سيعقد المشهد السياسي، معيداً الأمور إلى نقطة البداية، ويفرض على عادل عبد المهدي تمرير عدد من الوزراء الـ8 قبل عرض الرأي بشأن الوزيرين تلافياً لذلك، حيث يتهمه النائب حسين العقابي عضو اللجنة القانونية النيابية في بيان له بأنه «تستر على وزراء ليسوا أهلاً للثقة، وأخفى المعلومات بعد وصولها من الدوائر المعنية والتي تلزمه بإقالتهم فوراً من دون أي تأخير».
كما دعا «تحالف الإصلاح والإعمار» في بيان له «رئيس مجلس الوزراء إلى بيان موقف هيئة المساءلة والعدالة والجهات الرقابية من الوزراء الذين تم التصويت عليهم والمرشحين للوزارات المتبقية والتأكيد على اختيار شخصيات تكنوقراط مستقلة وبالخصوص حقيبتي الدفاع والداخلية»، و«ضرورة أن تعرض السير الذاتية للمرشحين قبل فترة مناسبة، أي 48 ساعة، على كل أعضاء مجلس النواب».
وفي ظل المقترح الذي قدمه مقتدى الصدر في تغريدة له على تويتر في الـ27 من الشهر الماضي، بأن «على رئيس مجلس الوزراء الإسراع في طرح كابينته الوزارية المتبقية عدا وزيري الداخلية والدفاع»، ودعوة الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي في تغريدة له، أنه «من أجل تجاوز عقبة إكمال تشكيل الحكومة وحتى لا يتحول الموضوع إلى صراع إرادات ما قد يزيد الموضوع تعقيداً، ما المانع أن نتفق على قاعدة «لا فرض ولا رفض»، ونترك المجال لرئيس الوزراء حتى يتحمل هو المسؤولية»، وحالة اتهام كل طرف للآخر بعرقلة إتمام التشكيلة الوزارية، فإن استكمال التشكيلة الوزارية المتعثرة أصبح معضلة، وبالتالي ليس أمام رئيس الوزراء سوى بضعة أيام حتى الـ4 من كانون الأول الحالي لاستكمال تشكيلته الحكومية، حيث أجل مجلس النواب جلسته حتى ذاك التاريخ، إفساحاً في المجال أمام تحقيق توافق لا يزال متعذّراً على الحقائب الشاغرة، خصوصاً وزارتي الداخلية والدفاع، اللتين تعوقان اتفاق الكتل السياسية بشأن مرشحيهما.
وما لم تتأجل جلسة مجلس النواب إلى موعد آخر، حيث ذلك ممكناً، بحجة عدم انتهاء تدقيق السير الذاتية للوزراء المتبقين، للمزيد من المشاورات والتوافق، وخاصة أن رئيس الوزراء قال خلال مؤتمره الأسبوعي في الـ27 من الشهر الماضي، إنه «في أي وقت يتم تسليم طلبات تدقيق السير الذاتية للوزراء المتبقين، سيتم عقد جلسة للتصويت عليهم»، فإنه ليس أمام عبد المهدي إلا خياران، الأول: أن يقدم 6 وزراء جرى التوافق بشأنهما، والإبقاء على مرشحي وزارتي الدفاع والداخلية لحين التوافق بشأنهما لاحقاً، وهو خيار مرجح، والثاني: تقديم مرشحي الوزارات الـ8 دفعة واحدة وهو صعب لإمكانية انسحاب نواب «تحالف الإصلاح والإعمار» وآخرين من الجلسة لتعطيلها، ما لم يتم التوافق قبلاً على وزيري الداخلية والدفاع، أو القبول بمبدأ حرية التصويت على المرشحين من قبل أعضاء المجلس النيابي، مثلما جرى سابقاً لدى اختيار رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية حسماً للمشكلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن