قضايا وآراء

المغرب والجزائر والتطبيع

| مصطفى محمود النعسان

بعد أحد عشر يوماً ردت الجزائر على الدعوة التي وجهها العاهل المغربي محمد السادس في الثاني عشر من الجاري بإجراء محادثات مع الجزائر لتطبيع العلاقات معها وذلك عبر بيان وزارة الخارجية الجزائرية الذي دعا الأمين العام لاتحاد المغرب العربي لعقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الاتحاد في أقرب الآجال لإطلاق المفاوضات وحل القضايا العالقة بين البلدين.
والحق أن هرب الجزائر من آفاق المحادثات الثنائية ومحاولة جعلها تحت مظلة اتحاد الدول المغاربية مرده أنها تريد ترحيل القضية في نظر بعض المراقبين إلى مكان لا جدوى منه وليس له محل من الإعراب في ظل الخلافات القائمة بينهما.
فالكل يعلم أن الاتحاد المغاربي لن يكون ذا مفاعيل ما لم تحل المشاكل بين الدولتين التي تمثل خلافاتهما عقدة القضايا في المنطقة ولاسيما قضية الصحراء الغربية التي تلقي بظلالها الثقيلة على العلاقات بين البلدين منذ ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن.
والحق أيضاً أن هناك من المراقبين من يرى أن هذا سببه شبه الفراغ السياسي في الجزائر ذلك أن القيادة السياسية في الجزائر غير مستعدة تماماً للدخول في محادثات تضع حلولاً لمشكلات مستعصية حيث إنهم مشغولون بالوضع السياسي المتأزم وبخليفة الرئيس بوتفليقة جراء الاستحقاق الانتخابي القادم، وبالتالي فإن الجزائر ربما تعتبر أن فتح هذا الملف هو مجازفة غير محسوبة العواقب على حين هناك شكوك جزائرية أن الطرف المغربي يدرك هذا الأمر جيداً ويعرف أن هذه المرحلة صعبة ومرحلة إرباك للوضع السياسي في الجزائر لذلك تحوم الشكوك من المسؤولين الجزائريين أن المغرب يريد أن يحصل على بعض المغانم من هذا الضعف الموجود داخل النظام السياسي في الجزائر في الاستحقاق الانتخابي المذكور.
المشكلة بين المغرب والجزائر راكمتها خمسة عقود من انعدام الثقة والخلافات، ذلك أن حرب الرمال التي اندلعت بينهما عام ١٩٦٣ واستمرت لأيام معدودات بسبب مشاكل حدودية وتوقفت بوساطة الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، مازالت آثارها موجودة حتى الآن، إضافة إلى دعم الجزائر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم البوليساريو بالإسبانية، وهي تأسست عام ١٩٧٣ وتسعى لتحرير الصحراء الغربية مما تراه استعماراً مغربياً.
وعلى حين لا تعترف الأمم المتحدة بالسيادة المغاربية على الصحراء الغربية ولا تعترف بما يسمى الجمهورية الصحراوية غير أنه في تشرين الأول من عام ١٩٧٥ صدر الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول الوضع القانوني لإقليم الصحراء الذي انتهى إلى أنه إبان الاستعمار الإسباني كانت توجد روابط قانونية بين المغرب والصحراء الغربية غير أنها لا ترقى إلى جواز بسط أي من المغرب أو موريتانيا السيادة على الصحراء.
بعد صراع عسكري تلاه وقف لإطلاق النار أجرت الجبهة عدة مفاوضات مع المغرب منها مفاوضات مانهاست لحل مشكلة الصحراء الغربية وإيجاد الطرق لتطبيق قرارات الأمم المتحدة المتمثلة في حق تقرير المصير ولكن لم تستطع منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة الوصول إلى حل سلمي للنزاع.
وخلال هذه الفترة التي قاربت ثلاثة عقود اختلفت آراء المغرب من الموافقة على إجراء الاستفتاء إلى التمسك بحل الحكم الذاتي كبديل، لكن هذا المقترح لا يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة بما أنه لا يضمن حق تقرير المصير، ولا يتماشى مع الطرح الذي تتبناه الجزائر بشأن تقرير المصير، حيث دعمت البوليساريو وجعلتها ورقة للضغط على المغرب، وهنا من المفيد الإشارة إلى أن الجزائر تراجعت عن طرحها سنة ٢٠٠٢ حيث طرحت تقسيم الصحراء وتخلت عن موضوع الاستفتاء فيها.
على أي حال هناك شكوك أن الجزائر سوف تدير الظهر للمبادرة المغربية وسوف تلعب على ورقة العروض لاتحاد المغرب العربي بهدف تمييع الطرح المغربي، هذا من جهة ومن جهة ثانية تسعى إلى تحميل الطرف المغربي مسؤولية ما يقع من تراجع بسبب عدم تجاوب المغرب مع جهود الاتحاد لحل المشاكل العالقة بين البلدين، ذلك لأن المغرب يعتبر قضية الصحراء قضية ثنائية ويجب أن تحل في هذا الإطار لا في إطار منظمة الاتحاد الإفريقي ولا في إطار منظمة الأمم المتحدة على خلاف وجهة النظر الجزائرية التي تسعى إلى ترك ملف الصحراء الغربية بيد الأمم المتحدة.
للإنصاف ولإعطاء الموضوع كل مناحيه، فإن خطاب العاهل المغربي محمد السادس الذي حمل الكثير من عبارات الود تجاه الجزائر كانت سبقته رسالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة عيد العرش، حيث أكد خلالها رغبة بلاده في تعزيز العلاقات مع الجارة الغربية لذلك يمكن القول: إن مؤشرات انفراج العلاقات رغم كل ما قيل مازالت واضحة في الأفق على الرغم من ثقل الملفات المطروحة للنقاش، ومرد ذلك أن التحديات الأمنية والاقتصادية والعلاقات المتميزة بين الشعب الواحد في البلدين الشقيقين تضعهما أمام حتمية التعاون الحالي والمستقبلي، وبالتالي العمل الحثيث لحل الإشكالات والخلافات العالقة بينهما.
وللذين يشككون بعدم جدوى هذه الفرضية نذكر بحقيقة معروفة وهي أن ألمانيا دخلت في حرب مدمرة مع فرنسا في الحرب العالمية الثانية ثم أصبحتا فيما بعد قطبين أساسيين في الاتحاد الأوروبي وما أدرانا لعل دعوة العاهل المغربي ورسالة بوتفليقة قبلها تكونان حجر الأساس لتصحيح الأوضاع بين البلدين الشقيقين وإرساء دعائم التعاون والتنسيق بينهما فيما يخص مختلف القضايا والتحديات الراهنة والمستقبلية؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن