قضايا وآراء

أي انقلاب على «أستانا»؟

| مازن جبور

المتغيرات المستجدة على سير الأحداث في شرق وشمال البلاد توحي بتجهيز أميركي للانقلاب على مسار أستانا وذلك عبر زج فواعل دولية جديدة بشكل مباشر في الأزمة السورية، تتمكن من خلالها الولوج إلى إدلب والتدخل بمسار الأحداث هناك، مما يؤمن لواشنطن امتلاك مفاتيح جديدة تستخدمها لإعادة الفاعل التركي إلى بيت الطاعة الأميركية.
إن التواجد العسكري السعودي الإماراتي المباشر في شرق وشمال سورية، إن صح، فهو ليس من قبيل المصادفة وليس في سياق الدعم الخليجي للكرد، بل لابد وأن له أبعاداً جديدة على مستوى الأزمة السورية ككل، وإن هذه الأبعاد ترتبط بزيادة التقارب التركي الروسي من جهة بمقابل زيادة التوتر في العلاقات الأميركية التركية من جهة ثانية.
انطلاقاً مما سبق، لا ينفك التواجد العسكري الخليجي في شرق وشمال سورية عن تحقيق ثلاثة أهداف أميركية رئيسة، هي:
1- تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى رفع حدة التوتر بين السعودية والإمارات من جهة وتركيا من جهة أخرى، خصوصاً أنه ووفق ما أشارت إليه تقارير صحفية تركية فإن جزءاً من القوات الخليجية انتشرت على الحدود السورية التركية في عين العرب وتل أبيض حيث تتواجد «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً وبالتزامن مع حصول مناوشات بين الجيش التركي والقوات الكردية في المنطقة، وبالتزامن مع الضغوط التركية على السعودية في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا واتهام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بإعطاء الأمر بتنفيذ عملية الاغتيال.
2- إعادة تقريب دول الخليج وبالأخص السعودية من التنظيمات المسلحة المتواجدة في شمال البلاد والتي باتت تخضع للسلطة التركية بعد أن تم إخراج تلك التنظيمات من الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، وكذلك التنظيمات المسلحة التي خرجت من باقي المناطق السورية بعد أن ضاق الخناق عليها إثر عمليات الجيش العربي السوري في تلك المناطق، إذ إن عودة السعودية والإمارات عسكرياً إلى الأزمة السورية سيعيد ترتيب الولاءات خصوصاً أن تلك التنظيمات ذات خلفيات إيديولوجية قريبة من السعودية وليست في خط الأخونة التركي، ومن ثم فإن عودة السعودية إلى المجال العسكري للأزمة السورية سيعيد هؤلاء إلى العباءة السعودية، وعلى الأغلب لن يتم استخدامهم على المدى القصير في تنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش العربي السوري وإنما كورقة ضغط على الجانب التركي.
3- إن تنفيذ الخطوتين السابقتين سيمنحان واشنطن فرصة ذهبية للتدخل في شمال البلاد من خلال تلك التنظيمات ذات الولاء السعودي مما سيمنحها مقدرة ومرونة أكبر على الإفلات من التزاماتها في سورية سواء مع روسيا أو مع تركيا، خصوصاً أن ملف منبج لم يعد قابلاً لاستخدامه كورقة للمساومة مع الأخيرة، التي بدأت توجه أصابع الاتهام لواشنطن بهذا الخصوص وتطالبها ببرنامج زمني لتنفيذ كامل بنود ما سمي «اتفاق خريطة طريق منبج»، أي بمعنى أن أميركا وبالأحرى المبعوث الجديد للإدارة الأميركية الخاص بالملف السوري، جيمس جيفري، يرغب بإعادة ترتيب الوضع الأميركي في سورية من خلال امتلاك مفاتيح أقوى ومتعددة في اللعبة السورية، والدخول على خط مجريات اتفاق إدلب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، كخطوة باتجاه الانقلاب على مسار أستانا لحل الأزمة السورية، والولوج إلى مسارات أخرى أو إعادة إحياء مسارات قديمة كمسار جنيف.
إن الأهداف الثلاثة السابقة ستؤمن لواشنطن امتلاك مفاتيح جديدة في اللعبة السورية، وتحقيق أهداف أكثر عمقاً من إثارة الخلافات فقط بين روسيا وتركيا، بل إن الهدف البعيد منها خلق نوع جديد من التفاوض بين أميركا وتركيا قائم على أساس تبعية التنظيمات المسلحة ذات الولاءات الخليجية في الشمال مقابل تنفيذ اتفاق منبج، الأمر الذي سيتيح لها مطالبة أنقرة بالابتعاد عن روسيا والإتيان بالتركي إلى مسار جديد خاص بالأزمة السورية، من أطرافه الدولية، أميركا، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، خصوصاً أن العمل على فكفكة مسار أستانا وضرب اتفاق إدلب يبدو أنه قد بدأ مع الاستهداف بالأسلحة الكيميائية من التنظيمات المسلحة في ريف مدينة حلب للسكان الآمنين في أحياء المدينة، وبالأساس فإن الجولة الجديدة من اجتماعات أستانا ستبدأ أعمالها اليوم وعلى أجندتها خلاف كبير على أساس عدم الالتزام بتطبيق اتفاق إدلب، الأمر الذي يتطلب الكثير من الحذر ومحاولة إيجاد تقاطعات أكبر من الخلافات القائمة بين ضامني أستانا: روسيا وتركيا وإيران.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن