اقتصاد

مزمار هندي

علي هاشم : 

عادة ما يستغرق وزراء التجارة الداخلية أشهراً للإتيان على ذكر قطاع الاختراع، الوزير الجديد خرق البروتوكول المقدس مندفعاً في اليوم التالي لأداء القسم عن تسلمه الحقيبة، لتأكيد «حاجة سورية لكل مبدع في مرحلة إعادة الإعمار»، مسجلاً بذلك رقماً قياسياً في السرعة لن يقوى غيره على تحطيمه يوماً ما.
للوزير الجديد خلفية استثمارية، قد يكون الأمر مشجعاً –بتحفظ- لتناول تصريحه على نحو «غير عبثي» رغم ما يفترضه «حسن الظن» بالوزارات المتعاقبة من ضرورة عدم الاستغراق بالتفاؤل.
من «السوالف الوطنية» لقطاع الاختراع الذي يربو على ما ينوف عن 6 آلاف اختراع، يحكى أن تقنياً سورياً أوفد لاستكمال اختصاصه في الهند، الدولة المتقدمة في ميدان الفلزات الفوسفاتية، وهناك، تمكن الرجل من بيع الماء في بلاد السقائين فأضاف لتلك الدولة براءتي اختراع في استخلاص مكونات طبية وفلزية من الفوسفات، وقفل عائداً إلى «وطنه» ممتشقاً «مزماره»، ومتجولاً لقرابة 5 سنوات بين «المطوبين» على كراسيهم، طالباً عدة بسيطة ومختبراً متواضعاً في مؤسسته التي أوفدته للاختصاص ومتعهداً لها بعائدات هائلة.. من دون جدوى!.
العام الماضي، أعلنت وزارتا الصناعة والنفط حالة من «الانطراب» إبان الاستماع لمزامير شركات هندية صديقة وفدت إلينا معلنة رغبتها بخوض ميدان المعالجة الفلزية للفوسفات السوري، للمصادفة المحضة، فما استمع إليه الوزيران كان صوت ذلك «المزمار» الذي اخترعه ذاك السوري في الهند!!
لا أحد يدري، لربما وضعت الشركات الهندية في حسبانها الاعتماد على العازف «الأصلي» في مشاريعها على أراضينا، لكن الرجل الذي تعلم بالطريقة الصعبة استحالة خرق نظرية «مزمار الحي» الذي «لا يطرب»، متفرغ حالياً، ومنذ 3 سنوات، لحفر الخنادق لدى إحدى التنظيمات الإرهابية التي اختطفته من أحد الأحياء الفقيرة؟!.. ولأنه ما زال على قيد الحياة هناك، فعلى الأرجح نجح الرجل في حفر الخنادق رغم إخفاقه مراراً وتكراراً بحفر ثغرة صغيرة في جدار الأدمغة البيروقراطية لمؤسساتنا و«مطوبي» كراسيها؟!
«سولافة» صاحبنا حفار الخنادق، تمثل خلاصة العلاقة الحكومية مع قطاع الاختراع، وتفسر كنه شعارنا المزمن: «نحو ربط الاختراع بالاستثمار»، بالطبع ليست جميع الاختراعات البالغة 6 آلاف والمسجلة في ديوان براءات اختراعنا قابلة للاستثمار، لكن بالتأكيد ثمة بضع عشرات منها كذلك، وفي اختزال ممكن، يجدر الإتيان على ذكر التنافسية التي تنطوي عليها مضخات غاطسة طورها أحد فنيي صيانتها السوريين بما يتفوق على مثيلاتها الألمانية، إلى جانب مشاريع أخرى للطاقة النظيفة تزيد في جدواها 17 مرة عما تتطلع وزارة الكهرباء إلى تحقيقه من مشروع اللواقط الشمسية الذي تقيمه فوق سطح وزارة البيئة.
وزير جديد، إعلان مكرر.. هل تريد «الاستفادة من كل فكرة مبدعة»؟ إليك إذا: ليس لديك أديسون.. فولتا.. جاليليو.. دانلوب.. واط.. أو فارادي.. في الواقع، قد يكون لديك أفضل منهم مواءمة، ذلك أن المخترعين السوريين سجلوا براءاتهم بعدما وضعوا حلولاً مبتكرة لمشكلات تعانيها قطاعات محلية محددة، وبأدوات محلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن