ثقافة وفن

إستراتيجيات التميز الأكاديمي في العالم … المشروع الروسي 5 – 100 هل يحقق الأهداف المرجوة منه؟

| أ. د. وائل معلا

نشر مؤخراً في ملحق التعليم العالي لجريدة التايمز الانكليزية مقال مهم بعنوان: «هل يحقق المشروع الروسي 5 – 100 الأهداف المرجوة منه؟» Is Russia’s 5 – 100 Project Working ؟ استعرض فيه كاتبه سايمون بيكرSimon Baker مراحل تحول نظام التعليم العالي في روسيا في ضوء المشروع 5 – 100 للتميز الأكاديمي الذي يهدف إلى تحسين مكانة التعليم العالي على روسيا والارتقاء بمستوى أداء خمس جامعات على الأقل من الجامعات المشاركة في المشروع إلى مرتبة أفضل مئة جامعة في العالم وفقًا لأهم ثلاثة تصنيفات عالمية وهي تصنيف تايمز للتعليم العالي Times Higher Education World University Rankings الذي تصدِره مجلة التايمز الإنجليزية، وتصنيف كيو إس QS world Ranking الذي تصدره مؤسسة Quacquarelli Symonds الإنكليزية، والتصنيف الأكاديمي للجامعات العالميةARWU المعروف أيضاً بتصنيف شانغهاي جياو تونغ Shanghai Jiao Tong.

كان من اللافت في منظومة التعليم العالي الروسي في السنوات الست الماضية الزيادة الكبيرة في إنتاج البحوث العلمية؛ إذ ازداد عدد الناتج العلمي الروسي المفهرس في قاعدة بيانات Scopus بأكثر من الضعف، وهذا ما رفع تمثيل الجامعات الروسية في تصنيف تايمز لمؤسسات التعليم العالي العالمية من مجرد 13 مؤسسة تعليمية (من أصل 800 مؤسسسة دخلت التصنيف في عام 2016) إلى 35 مؤسسة (من أصل 1، 258 مؤسسة مدرجة وفق أحدث تصنيفات تايمز لعام 2019). والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى إطلاق «مشروع 5 – 100 للتميز الأكاديمي» في عام 2013، حيث اختيرت 15 جامعة كمرحلة أولى، ثم ست جامعات (كمرحلة ثانية) في عام 2015 – من خلال منافسة مفتوحة للحصول على ما يصل إلى مليار روبل (أي ما يعادل 11،6 مليون دولار) سنويا، وذلك في محاولة لتحفيز خمس جامعات على رفع تصنيفها ضمن أنظمة تصنيف الجامعات العالمية لتدرج ضمن أفضل مئة جامعة في العالم بحلول عام 2020. ومن هنا أتت التسمية «مشروع 5-100». أما اختيار الجامعات فقد جرى بناءً على مقترحات تقدمت بها كل جامعة عن «خريطة الطريق» التي ستتبعها في سعيها إلى تحسين مكانتها الدولية، وعلى تقييم أدائها للوصول إلى الهدف المنشود وفق خريطة الطريق التي وضعتها، وإلى مؤشرات أداء للمشروع ككل. والجدير بالذكر أن الجامعات المشاركة لا تتلقى كلها التمويل نفسه، بل إن الجامعات التي كان تقييم أدائها جيداً كوفئت بأموال إضافية.
ما زال هدف المشروع حتى الآن بعيداً عن التحقيق، فالجامعة الروسية الوحيدة الموجودة ضمن أفضل مئتي جامعة في العالم وفق تصنيف تايمز لعام 2019 هي جامعة لومونوسوف موسكو الحكومية Lomonosov Moscow State University، وهي الجامعة الرائدة في روسيا، وقد تمكنت من الاحتفاظ بمكانتها البارزة ضمن أفضل مئتي جامعة في العالم، ولكنها تراجعت خمسة مراكز عن ترتيب العام الماضي لتحقق المركز 199، كما أنها ليست ضمن الجامعات المشاركة في المشروع 5 – 100. أما أعلى مرتبة حققتها مؤسسة مشاركة في هذا المشروع فتدخل ضمن النطاق 251 – 300 وفق تصنيف تايمز 2019، وهي المرتبة التي حققها معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا Moscow Institute of Physics and Technology. ومع ذلك، فإن البيانات تشير إلى أن الجامعات المشاركة في «المشروع 5 – 100» قد تمكنت من تحسين أدائها بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، من عام 2012 إلى عام 2017، تمكنت ثماني عشرة جامعة مشاركة في المشروع، وهي التي دخلت في تصنيف تايمز لعام 2019، من زيادة إنتاجها البحثي المفهرس في سكوبس Scopus أربعة أضعاف (من نحو 7000 إلى 28.000 مقال بحثي)، وهذا يتجاوز الإنتاج العلمي لجنوب إفريقية بأكمله (وهي إحدى دول البريكس). وهذا نمو مدهش من دون شك، إذ تجاوزت إنتاجية البحث العلمي لكل عضو هيئة أكاديمية في الجامعات المشاركة في المشروع إنتاجية أقرانه في باقي الجامعات الروسية الأخرى ذات التصنيف العالي. وكذلك تجاوزت تلك العائدة للعديد من الجامعات العالمية كالجامعات البرازيلية على سبيل المثال، وتساوت مع الجامعات الهندية.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل يعد المشروع 5 – 100 مثالا جيداً يحتذى به كمبادرة تميزٍ حكومية فرضت من أعلى الهرم؟ وهل يمكن أن يعدّ مشروعا ناجعاً؟ وهل يقوم برفع المعايير الأكاديمية لجميع المؤسسات الروسية أم إنه ينشئ نظاماً نخبوياً من مستويين؟ وما مستقبل المشروع الآن؟ وهل سيحقق الهدف المرجو منه وخاصة أن الموعد النهائي للمشروع (عام 2020) أصبح قاب قوسين أو أدنى؟
يعتقد اندريه فولكوف Andrei Volkov نائب رئيس المجلس الحاكم للمشروع (وهو مجلس مكون من من مسؤولين حكوميين وأكاديميين ورجال أعمال وخبراء آخرين من روسيا ومن دول حول العالم يقوم بالإشراف على المشروع ويقدم المشورة والنصح لوزارة العلوم والتعليم العالي الروسية عن الأوجه التي يجب أن تنفق فيها الأموال)، يعتقد وهو عالم في الفيزياء النووية ونائب رئيس جامعة سابق ومعاصر لنظام التعليم العالي الروسي قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، يعتقد اعتقادا راسخا أن المشروع 5 – 100 هو «الإصلاح الأكثر تأثيرا» في السنوات العشرين الماضية في نظام التعليم العالي الروسي. ويرى أن المفتاح الرئيسي لنجاح المشروع هو أنه يضع حداً نهائياً لفصل التعليم العالي عن البحث العلمي، ويضع الجامعات – التي كانت تقليديا تركز على التدريس – في موقع بحثي واحد مع معاهد البحوث المركزية، وفي المقام الأول الأكاديمية الروسية للعلوم Russian Academy of Sciences. في رأيه « لم يكن في روسيا جامعات على الإطلاق: مجرد مؤسسات تدريب، وإن كان بعضها عالي الجودة للغاية». تحوّل الجامعات من مؤسسات تدريب إلى مؤسسات قائمة على الأبحاث يعد «ثورة ثقافية في بلدي»، يقول فولكوف.
من الناحية العملية، فإن هذا التحول يعني أن وحدات أبحاث «الأكاديمية الروسية للعلوم» أصبحت أكثر تكاملاً مع الجامعات، من خلال عمليات الدمج، أوزيادة التعاون، أو إيكال مهام مشتركة للباحثين.
إيغور تشيريكوف Igor Chirikov، وهو باحث كبير في مركز دراسات التعليم العالي في جامعة كاليفورنيا – بيركلي شغل في السابق منصب نائب رئيس المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، وهي واحدة من أعلى المؤسسات المشاركة في المشروع 5 – 100 مرتبة، قام بدوره بدراسة تفصيلية عن الكيفية التي غير فيها المشروع 5 – 100 الجامعات الروسية، وهو يوافق على أن هذا التحول كان مهماً، فيقول «كان لدينا قطاع من الجامعات التي لم يكن لديها مهمة تاريخية للقيام بالأبحاث العلمية، والاستثمار في المشروع 5 – 100 جعل من هذه الجامعات، جزئيا على الأقل، أكثر توجها نحو البحث العلمي research-orientated. ويوافق إيغور على أن الجامعات الروسية تعمل الآن بشكل أوثق من ذي قبل مع الأكاديمية الروسية للعلوم، مشيراً إلى أن ظاهرة مماثلة تلاحظ في كل من ألمانيا والصين، حيث أصبحت معاهد ماكس بلانك Max Planck Institutes ومعاهد الأكاديمية الصينية للعلوم أكثر تكاملا مع مؤسسات التعليم العالي.
ومن فضائل المشروع أيضاً بحسب رأي تشيريكوف أنه أدى إلى زيادة «مرئية» العلوم والبحوث التي كانت تنشر في السابق باللغة الروسية، إذ أصبحت تنشر باللغة الإنجليزية مما يتيح للباحثين في شتى أرجاء العالم الاطلاع عليها.
ولأن الهدف الصريح للمشروع هو تحسين المنزلة العالمية للجامعات الروسية، كان لا بد من زيادة عدد أعضاء الهيئة الأكاديمية الدوليين، وكذلك أعداد الطلاب الدوليين. وتشير البيانات إلى أن تقدما ملحوظا قد تحقق في هذا المجال أيضاً حيث حققت المؤسسات الروسية ذات التصنيف العالمي المشاركة في المشروع 5 – 100 تحسنا تجاوز بكثير ما حققته باقي الجامعات الروسية.
ورغم كل هذا التقدم الذي تحقق في إطار «مشروع 5-100»، إلا أن هناك محاذير مهمة يشير إليها فيليب ألتباخPhilip Altbach المدير المؤسس لمركز التعليم العالي الدولي في كلية بوسطن وعضو المجلس الاستشاري لمشروع 5 – 100. فبالنسبة للطلاب الدوليين، يقول التباخ: إن أغلبهم من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، مع زيادة متواضعة في الطلاب الأجانب الآخرين. وتشعر الجامعات المشاركة بالمشروع بشيء من القلق إزاء ذلك وتسعى لتحسين هذا الجانب. كما أن هناك عوائق أمام توظيف المزيد من الأساتذة والباحثين الدوليين أهمها حاجز اللغة، وانخفاض قيمة الروبل الروسي، وهو الأمر الذي انعكس سلباً على قيمة الرواتب. علماً أن التوظيف في الرياضيات والهندسة أمر مكلف جداً لأن الجامعات تريد استقطاب «نخبة النخبة» لاستكمال المستوى الرفيع من الأكاديميين الروس العاملين لديها، على حين أن عائق اللغة هو التحدي الأساسي في اختصاصات العلوم الاجتماعية. ومع ذلك، فقد تمكنت أفضل المؤسسات التعليمية الروسية خلال خمس سنوات فقط من جذب طلاب دكتوراه متميزين وتوظيف أكاديميين واعدين عالميا، كجلمعة تيومين غرب سيبيريا!
ومن جهة أخرى، هناك سعي حثيث ضمن إطار المشروع إلى تطوير التعاون الدولي البحثي. وقد حققت العديد من الجامعات المشاركة بالمشروع تقدماً في هذا المجال، مثل جامعة ITMO في سان بطرسبرج التي كانت نصف البحوث التي أنتجتها في عام 2017 والمفهرسة وفق Scopus نتيجة تعاون بحثي دولي، وقد ارتفعت هذه النسبة من نحو الثلث قبل خمس سنوات. وتقول الدكتورة داريا كوزلوفا Daria Kozlova، النائب الأول لرئيس الجامعة، أن لهذا الأمر أسباباً عدة منها تغيير طرق تنظيم فرق البحث، وإطلاق مسابقة مفتوحة لمختبرات أبحاث دولية لها رئيسان، روسي وأجنبي. ومع ذلك فإن «عولمة البحث العلمي» تلاقي صعوبات، لعل أحد أسبابها الرئيسية المناخ السياسي الذي أثر سلباً على التعاون الدولي البحثي.
أما عن الإصلاحات الأخرى التي يمكن أن تساعد الجامعات الروسية على تحقيق المزيد من التحسن في الأداء، فيطالب كل المعنيين بالمشروع (الجامعات، وقادة المشروع والأكاديميين الذين درسوا المشروع) الحكومة بمنح الجامعات المزيد من الاستقلالية.

تقييم «المشروع 5-100» وتعديله
بحسب بيانات التصنيف العالمي للجامعات، تحقق الجامعات الروسية المشاركة في المشروع 5 – 100 تقدماً بطيئاً على صعيد جودة البحوث العلمية، على الرغم من أن حصتها من المقالات الأكثر استشهادا تزداد باستمرار). كذلك فإن سمعتها الدولية ما زالت دون المطلوب. إن سد هاتين الفجوتين اللتين تمثلان ثلثي الدرجات في أنظمة التصنيف، سيتيح للمشروع 5 – 100 في نهاية المطاف تحقيق الهدف الذي وجد من أجله.
نتائج التقييم الفعلي للواقع والممارسة فرضت تعديل الهدف الأساسي للمشروع وهو الحصول على خمس جامعات روسية ضمن أفضل مئة جامعة عالمية. هذا التعديل بدا واضحاً على الموقع الإلكتروني للمشروع على شبكة الانترنت حيث عدّل الهدف ليصبح: «تعظيم الوضع التنافسي لمجموعة من الجامعات الروسية الرائدة في سوق البحث العلمي والتعليم العالي العالمي». وأصبح الهدف الحصول على النجاحات في مجالات فردية، نظراً للطبيعة المتخصصة للكثير من الجامعات الروسية. فمثلاً جامعة ITMO المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والهندسة، صنفت الآن وبقوة ضمن أفضل مئة جامعة في تصنيف تايمز لأفضل الجامعات العالمية في موضوع علوم الكمبيوتر. ويعزى هذا النجاح إلى الأهداف الطموحة للمشروع 5 – 100، وإلى شفافية عملية اختيار الجامعات المشاركة التي كانت علنية وأشرف عليها مجلس دولي وخبراء أجانب. جامعة ITMO جامعة صغيرة وديناميكية أتاح لها المشروع إجراء تحول جذري في حقل البحوث العلمية وانتقاء وتأهيل الكادر الأكاديمي، وتطوير نظامها الإداري.
لم يكن المشروع 5 – 100 أبداً «مجرد لعبة تصنيف»، فغايته الأساسية كانت تحويل نظام التعليم العالي الروسي بالكامل. وعلى الرغم من أن الوصول إلى الهدف المرجو ما زال بعيداً، إلا أن أحداً لا يساوره شك في أن تقدماً ملموساً يُحرز في هذا المجال. ويرى الخبراء أن على الحكومة إلا تكتفي في العام القادم بتجديد المشروع، بل عليها التوسع به ليشمل جامعات أخرى، ذلك أن الهدف الأسمى هو الوصول إلى نظام تعليمي ممتاز، وجعل الحضور إلى روسيا أكثر جاذبية للطلاب الأجانب ولخيرة أعضاء هيئة التدريس العالميين. وإذا ما تحقق ذلك «فستصبح بعض الجامعات الروسية عاجلاً أم آجلاً ضمن مجموعة النخبة».

هل يعد المشروع مثالا يحتذى به للواقع السوري
يلاحظ مما سبق أن المشروع 5 – 100 الذي أطلقته وزارة العلوم والتعليم العالي الروسية عام 2013، قد أحدث نقلة نوعية كبيرة في الجامعات الروسية المشاركة في المشروع، وإن كان من غير المرجح أن يحقق الهدف الرئيسي منه وهو رفع خمس جامعات روسية على الأقل من بين الجامعات المشاركة إلى أفضل مئة جامعة في العالم وفقاً لأهم أنظمة تصنيف الجامعات العالمية. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم! هل يعد المشروع مثالاً يمكن الاستفادة منه – من دون استنساخه- في الواقع السوري وخاصة في ضوء التصنيفات العالمية التي صدرت مؤخراً كتصنيف تايمز لعام 2019 والذي غابت عنه جميع الجامعات السورية بما فيها جامعة دمشق العريقة بتاريخها، على حين تضمنت جداول التصنيف تسع عشرة جامعة مصرية والعديد من الجامعات العربية الأخرى؟
يبدو أن وزارة التعليم العالي في سورية قد أدركت أخيراً أهمية أنظمة التصنيف للجامعات العالمية وتأثيرها في السمعة العلمية لجامعاتنا وعلى موقعها إقليمياً وعالمياً، فعقدت سلسلة من الندوات التعريفية في معظم الجامعات الحكومية للتعريف بهذه الأنظمة، لكن معظم النقاش تمحور حول إجراءات شكلية لا تصب جوهرياً في تحسين الواقع الحالي للجامعات، ورفع إنتاجيتها من البحوث العلمية، وتطوير شراكاتها العلمية الدولية، وكلها مؤشرات مهمة في عملية تصنيف؛ وإنما تمحور النقاش حول ضرورة أن تطور الجامعات مواقعها الإلكترونية على شبكة الإنترنت، وضرورة أن يستخدم أعضاء هيئة التدريس وطلاب الدكتوراه بريدهم الإلكتروني المخصص من الجامعة عوضاً عن استخدام بريدهم الخاص، وغيرها من الإجراءات الشكلية، في محاولة منها لتحسين تصنيف الجامعات السورية وفق نظام ويبومتريكس Webometrics، وهو تصنيف نصف سنوي يصدر عن المجلس العالي للبحث العلمي في إسبانيا ويعتمد على قياس أداء الجامعات من خلال مواقعها الإلكترونية وفق مجموعة من المعايير هي: حجم الموقع، والملفات الخاصة بالوثائق والمعلومات النصية التي تنتمي لموقع الجامعة، والأبحاث المحكّمة والتقارير والرسائل المنشورة إلكترونياً تحت نطاق موقع الجامعة، وقد أحدثت نتائج هذا التصنيف التي صدرت مؤخراً صدمة كبيرة في الأوساط الجامعية السورية، حيث نالت الجامعات السورية بما فيها جامعة دمشق مراتب متدنية جداً، متراجعة تراجعاً خطراً بأكثر من أربعة آلاف مرتبة لتصبح في المرتبة 10902 عالميا، و325عربياً!

المشروع 5 – 500 للتميز الأكاديمي في سورية
اليوم نحن بحاجة إلى مشروع وطني شبيه بالمشروع الروسي 5 – 100، يعالج الأسباب الرئيسة لتدني تصنيف الجامعات السورية، ويخلق بيئة تنافسية بينها ما يدفعها للسعي نحو التميز في التعليم والبحث العلمي، وبناء الشراكات الدولية مع جامعات الدول الصديقة. وكنت قد اقترحت في مقال سابق إطلاق المشروع الوطني 5 – 500، الذي ينص على أنه بحلول عام 2025 مثلاً، يجب ألا يقل عدد الجامعات السورية التي تصنف ضمن أفضل 500 جامعة في العالم عن خمس جامعات. ويمكن الاستفادة من التجربة الروسية في هذه المجال، واتباع النهج الذي اتبع في روسيا في عملية اختيار الجامعات المشاركة في هذا المشروع. كما ينبغي أن تضع كل جامعة ترغب في المشاركة «خريطة طريق» خاصة بها توضح خطة العمل التي ستتبعها لتحقيق الهدف المرجو من المشروع. ولا بد من تقييم دوري نزيه وموضوعي لمدى تقدم كل جامعة في تحقيق هذا الهدف استنادا إلى خريطة الطريق التي وضعتها، وإلى مؤشرات أداء توضع من الجهة المشرفة على المشروع. وينبغي أن يشرف على إدارة هذا المشروع مجلس مكون من مسؤولين في التعليم العالي، وأكاديميين ورجال أعمال وخبراء آخرين في التعليم العالي من سورية ومن دول مختلفة من العالم. وأخيراً، لا بد من تخصيص ميزانية كبيرة لهذا المشروع لدعم الجامعات المشاركة فيه، وتحفيز القطاع الخاص الوطني على المشاركة في تمويله عن طريق منح الممولين إعفاءات ضريبية وتسهيلات أخرى محفزة.
وهناك إجراءات أخرى لا بد أن تواكب تنفيذ هذا المشروع كوضع خطة لبناء قدرات أعضاء الهيئة التعليمية والبحثية في كتابة المقالات العلمية، وإيجاد الحوافز اللازمة لتشجيعهم على النشر في المجلات العالمية المرموقة وباللغة الإنكليزية. كذلك لا بد من تفعيل أداء مديريات العلاقات الدولية في الجامعات بغية بناء شراكات علمية مفيدة مع جامعات صديقة، وإقامة مشاريع بحثية مشتركة ينتج عنها نشر بحوث علمية مشتركة ومقالات علمية مشتركة. ولجعل جامعاتنا أكثر جاذبية للطلاب الدوليين ينبغي إيجاد بعض البرامج باللغة الإنكليزية على سبيل المثال، سواء أكان ذلك على مستوى الدراسات الجامعية الأولى أم الدراسات العليا. وقد يتطلب ذلك تعديلاً للقوانين والأنظمة النافذة، ولكن هذا التعديل سيكون ضرورياً إذا ما أريد لهذا المشروع الوطني النجاح. وأخيراً يجب أن يتابع عن كثب وبشكل دوري وموضوعي وشفاف مدى تقدم كل جامعة في تنفيذ «خريطة الطريق» الخاصة بها ومدى التقدم الذي أحرزته في السعي نحو أهداف المشروع، ولا بد أن يرتبط الدعم المالي الذي تتلقاه كل جامعة مشاركة بالتقدم الذي أحرزته.
وعلى الرغم من أن حق المشاركة أو عدم المشاركة بهذا المشروع الوطني سيكون متاحاً للجميع من جامعات حكومية وخاصة ومعاهد عليا وغيرها، إلا أن التقاعس عن المشاركة ليس خياراً متاحاً لبعض الجامعات، وأقصد هنا بالتحديد جامعة دمشق بالذات. فالمشاركة بمثل هذا المشروع في حال إطلاقه سيكون فرصة ذهبية لتطوير الجامعة واستعادة ألقها ومنزلتها الإقليمية والدولية التي فقدتها. وقد يجادل البعض أن رفع خمس جامعات على الأقل من بين المشاركين في المشروع إلى أفضل خمسمئة جامعة في العالم بحلول عام 2025 أمر صعب للغاية في ضوء المنافسة العالمية الشديدة، وخاصة أن أياً من التسع عشرة جامعة المصرية التي دخلت تصنيف تايمز لعام 2019 لم تستطع تحقيق ذلك، بمافي ذلك جامعة القاهرة. وأنا أقول لندع تحديد ذلك للخبراء، فقد يكون المشروع 5 – 1000 هو الأنسب لواقعنا الحالي. لكن مهما كانت الفترة الزمنية، ومهما كانت درجة التصنيف، فلا بد أن نبدأ بأسرع وقت مثلما فعلت الجامعات الروسية، فرحلة التطوير طويلة لكنها تبدأ بخطوة، ولابد من حشد كل الطاقات اللازمة للوصول إلى الغاية المنشودة، فطلابنا وجامعاتنا وسمعتنا العلمية…. وسورية… يستحقون ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن