سورية

في حوار مع صحيفة «عُمان».. اعتبر أن النسيج الاجتماعي والجيش هما من حمى البلاد خلال الحرب وأن القوميات المتعددة لا تتناقض مع العروبة … الرئيس الأسد: الآن نعطي فرصة للسياسة.. و«المنزوعة السلاح» الأوراق الأخيرة لداعمي التنظيمات المسلحة الضامنين لهم

| الوطن

جدد الرئيس بشار الأسد التأكيد أن ما تبقى من أراض ما زالت خارج سيطرة الدولة ستتم استعادتها «بالحرب أو السلم»، معتبراً المناطق «المنزوعة السلاح» التي حددها «اتفاق إدلب»، «هي الأوراق الأخيرة لداعمي التنظيمات المسلحة الضامنين لها»، ولافتاً إلى أن سورية تعطي فرصة للجهود السياسية التي تبذل الآن.
وقال الرئيس الأسد في حديث مع صحيفة «عمان» العمانية نشرته على موقعها الإلكتروني، رداً على سؤال: كيف سيتم معالجة ما تبقى من الأراضي السورية عند إدلب في الشمال وشرق الفرات؟ قال: «هناك موقف معلن للحكومة السورية بالنسبة لما تبقى من الأرض التي هي خارج السيطرة حالياً، وهو إما استعادتها بالحرب أو السلم، خاصة بعد تحرير المناطق الجنوبية التي سارت في التوجه نفسه، ونحن الآن نعطي فرصة للجهود السياسية التي تبذل بعد أن كنا قريبين من العمل العسكري وأنهينا التحضيرات التي استلزمت لذلك، إلا أن بعض الفصائل أرسلت رسائل إلى الجانب التركي تطلب فيه الحوار السياسي وإفساح المجال لمنطقة عازلة لمسافة بين 15 و20 كيلو متراً بين الجانبين، وهذا ما تم في الاتفاق الأخير».
وأضاف: «وهذه المناطق هي الأوراق الأخيرة لداعمي التنظيمات المسلحة الضامنين لهم التي قاتلت في نواحٍ متعددة من الأرض السورية، على حين روسيا وإيران هي الضامن لسورية»، وأشار إلى أن ما تبقى من تلك الأراضي حتماً سيعود إلى الدولة ولن يكون ذلك بعيداً، لأننا لن نقبل أن يتم اجتزاء أي بقعة من الأرض السورية لأي كيان أو مسمى.
وعن نظرته إلى الأزمة التي دخلت مراحلها الأخيرة، ذكر الرئيس الأسد أن الحرب كانت ذات طابع إعلامي بامتياز، وحملت الكثير من الفكر والأكاذيب لتحقيق غايات معينة، منها تسهيل الهجرات الإنسانية التي لم تكن بدافع إنساني، وإنما لتقديم صورة أن المنطقة أصبحت غير صالحة للحياة الإنسانية، وسيتم تقديم التسهيلات لها لتكون العملية صعبة.
وأكد أن الحرب على سورية بدأت قبل 20 عاماً ولم تكن وليدة الأحداث التي اندلعت في 2011 بل قبل ذلك، فمنذ 1997 دخلت على المجتمعات وسائل التواصل الاجتماعي التي بلغت ذروتها مع مطلع الألفية والتي استغلت ضدنا كعرب ومن خلالها تم تكييف الكثير من الانطباعات والأفكار وبناء الانطباعات المسبقة.
وقال: إن النسيج الاجتماعي هو من حمى سورية وجهود الجيش السوري الذي قدم التضحيات من أجل هذا الوطن، وهي تضحيات تاريخية استطاعت أن تحافظ على مكونات الدولة، وأن تبقي سورية صامدة ومستمرة، رغم أننا فقدنا الكثير من أبناء الوطن من عسكريين ومدنيين.
وتابع الرئيس الأسد: نعم كانت لدينا ثغرات في التعاطي مع بعض الأحداث قبل ذلك، فاستغلت لتتطور الحرب بشكل عفوي من مظاهرات إلى مواجهات مسلحة لتأخذ بعد ذلك مسارات أخرى أبعد (..) ولكننا سنستفيد من نتائجها بشكل مؤكد لتحصين المجتمع مستقبلاً، لأن ذلك يحتاج إلى رؤى واقعية في كيفية إدارة المرحلة المقبلة التي ستعبر عن سورية ما بعد الحرب، وتعتمد على ركائز مهمة، لعل الإعلام في واجهتها، فأبناء سورية قادرون إلى إعادة الحياة إلى الوطن كما كان وأفضل.
وعن نظرته إلى المستقبل في بناء سورية الجديدة، اعتبر الرئيس الأسد، أن التجربة كانت قاسية وكبيرة على كل الشعب السوري في السنوات السبع الأخيرة، لذلك فإننا تعلمنا من التجربة التي منحتنا رغم مأساتها مساحة أكبر في رؤية الأشياء من أي وقت مضى، متابعاً: إننا ننظر إلى المستقبل ولا ننظر إلى الخلف بكل ما حمله من مآسٍ وقطيعة مع ذوي القربى، وهذا هدف اتخذناه لأننا نحتاج إلى إعادة سورية إلى دورها في المنطقة وبناء الإنسان السوري وفق معايير عصرية، وكذلك الاستفادة من تجارب العالم الناجحة التي تضيف قيمة لنا، لدينا رؤية مهمة وملهمة للمرحلة المقبلة تغطي محاور متعددة.
وأوضح الرئيس الأسد، أن سورية الحالية ليست سورية ما قبل الأحداث، هناك الكثير من الجوانب الإيجابية والسلبية التي أفرزتها الأحداث خلال السنوات السبع الماضية، ونعتقد أن ما حملته من نتائج يمكن الاستفادة منها والبناء عليها في الجانب الإيجابي بالذات الذي سيسهم في تطوير نقاط مهمة ومراحل أهم.
وحول تداعيات حادثة الطائرة الروسية على علاقة الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي، أكد الرئيس الأسد، أن لدينا قيادة موحدة مع الروس معتبراً أن الحادث كان واضحاً فيه النوايا المسبقة، والإعلام الروسي شفاف واستطاع أن يكشف زيف بعض الادعاءات لأنه لا مجال للتأويل فيه، كما أن موسكو فاعل ذكي في المنطقة وصاحبة أدوار عسكرية وتكتيك سياسي ولا تحيد عن مبادئها، وبالإمكان أن نفهم التداعيات بين الطرفين من خلال توجيه ذلك إلى القيادة الروسية.
وعن رؤيته للتجربة العربية وهل لها أسباب داخلية تخص كل دولة، رأى الرئيس الأسد، أنها أزمة هوية وهو سلاح سيئ يتم تسويقه بين القوميات العربية، سيئ لأنه ينتقل إلى مرحلة أمازيغ وأكراد فقد أوجدنا هويات خلقت أزمات، فما علاقة العروبة والسريانية والكردية؟ نعم كل هذه الهويات موجودة، فاللغة العربية تطورت من السريانية إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن، والحديث عن عربي وعلماني ومسلم أوجدنا من خلالها هويات خلقت أزمات، إلى جانب أن هناك إساءات وفساداً وهذا موجود في معظم الدول العربية.

علينا أن نجد هوية عربية واحدة
واعتبر الرئيس الأسد، أنه علينا أن نجد هوية واحدة وانتماء واحداً كما يفعل الأتراك الذين يعملون على تعزيز هويتهم في كل أنحاء العالم، مشدداً على أنه إذا لم يحارب ذلك بالفكر فستكون الحروب المقبلة أشد، وأعرب عن اعتقاده أن الحرب في سورية محطة فقط، والقضية أبعد من صراع شخصي، ورغم ذلك فإن السوري كان له موقف مختلف، فأفراد المجتمع هم الذين حموا سورية بمكوناتهم ووقفوا ضد ما يشن عليها، لذلك يجب أن تكون الهوية موحدة.
وأكد الرئيس الأسد، أن سورية تمر بمرحلة انتقالية منذ عام 2000 وهناك تجربة واضحة وهي التجربة الروسية التي نستحضرها، التي تمثلت في الانتقال بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، من حالة المواطن ضد الوطن ومع الولايات المتحدة الأميركية، إلى حالة بداية العهد الروسي مع مجيء الرئيس بوتين الذي استعيدت فيه حالة الوطنية.
وأضاف: هذا ما لاحظناه في الحالة السورية حيث أعادت الحرب الحالة الوطنية لدى العديد منهم، وها نحن نعبر هذه المرحلة الانتقالية وهو التغيير الذي نحتاجه دون القفز فوق الوقائع.
وأكد الرئيس الأسد، أن الإعلام السوري الذي واجه ضغطاً دولياً بدأ في التغيير إلى الأفضل وهو ما نؤمن به أن يشكل مرحلة سورية الجديدة، ومواكباً لمتطلباتها.
وعن كيفية تسويق الخطاب الجماهيري والدفاع بالطرق الحديثة، قال الرئيس الأسد: لجأنا في بداية الأزمة إلى مسارين لتعزيز دور الإعلام الذي كان لابد له أن ينقل الوقائع، فبعد أن قطعت القنوات الفضائية السورية من الأقمار الصناعية، تم استخدام طريقتين بديلتين، وهو الإعلام الإلكتروني لنقل الحقائق للمواطن السوري حول ما يدور من أحداث، وإعطاء مساحة أكبر لوسائل الإعلام المحلية، واعتمدنا على المجتمع وهذا كان حلاً طارئاً.
ولفت إلى أن الحرب الإعلامية التي توالت مكاسبها ساعدت سورية على تقوية موقفها وكانت تسير بخطط تدعم العمليات العسكرية، وقد تعرضنا لضغط إعلامي كبير جداً تمثل في قرابة 800 قناة فضائية ولكننا صمدنا طوال فترة الأزمة التي عبرت السنة السابعة من عمرها.
وأضاف الرئيس الأسد: اليوم لدينا فكر منفتح لسورية المستقبل، نريد من خلاله ترسيخ مفهوم مصداقية الإعلام بمساحات أوسع ونسعى أن يكون المصدر المفضل للمواطن من خلال اتباع فكر تصحيحي يعتمد على الحوار والشفافية وتقبل الرأي الآخر ومنح المزيد من الفضاءات للحريات الصحفية والإعلامية، واستثمار التقنيات الرقمية ووسائل الإعلام الحديثة من خلال استيعاب كل ذلك تحت مظلة تهتم بالمواطن أولاً.

علينا أن نصل إلى معيار الوطنية بحوار شامل
وحول موعد نهاية الحرب على سورية وإن كان الشعب السوري قادراً على إعادة الأعمار، قال الرئيس الأسد: إذا انتهت كل العوامل الخارجية التي أشعلت شرارة الأزمة، نستطيع الانتهاء من الحرب خلال شهور معدودة، ونحن متفائلون من الوضع الداخلي، لأن الكثير من السوريين أصبحوا مع الدولة، وهذا مؤشر للحالة الوطنية التي أسهمت في بدء عودة الأراضي إلى الدولة بدءاً من تحرير درعا وريف حماة وحمص وحلب الشرقية، وعندما بدأنا تحرير دير الزور، بدأ التدخل الأجنبي ليبدأ بعدها بعض المسلحين يربحون بعض الأراضي، لكن الفكرة فشلت وفعلاً تم تحرير دير الزور وهنا اضطرت أميركا إلى التدخل وقصفت الجيش السوري في جبل دير الزور، وكادت المدينة تسقط.
وقال: لم يعد أمام داعمي التنظيمات المسلحة خيار آخر عندما اقتربنا من تحرير إدلب، حيث جهز الجيش الأميركي كل قطعه المسلحة، لأنه لم يبق أمامهم خيار كونهم سيفقدون بذلك حضورهم على الأراضي السورية، فالمحور المعادي للإرهاب مصمم على الحرب، وهنا حدث التغيير في التوازنات لمصلحة محور ضد الإرهاب، لذلك نحن في تقدم.
وتابع: من هنا فإن الوطنية مقياس وطني وليس إعلامياً، رغم أن الجانب الآخر له حديث إعلامي يطالب بالحرب والقتل، لكن علينا أن نصل إلى معيار الوطنية بحوار شامل، ما دام لدينا انقسام حول شيء جوهري كالمبادئ.
واعتبر الرئيس الأسد، أن الشفافية في العمل لها أهمية بالغة جداً وضرورة أن يصحب ذلك أخطاء وعندما تكون شفافاً يبرر لك الخطأ، وأضاف: اليوم مجتمعنا أصبح أفضل من قبل، وذلك من خلال القدرة على التحليل الذي استطاع أن يشكل هذا الوعي الذي يدفع الآن إلى حالة من التنوير نحو أهمية وحدة الوطن وتماسك نسيج مجتمعه.
ورأى الرئيس الأسد، أن المواقف الرسمية العربية مع سورية برزت بعد أن بدأ ظهور العثمانية الجديدة، خاصة عندما توغلوا في شمالي الأراضي السورية ليصبح هناك تهديد وجودي لا يقتصر على سورية، لذلك وقف العديد من الدول العربية معنا أحياناً سياسياً، وأكثر من ذلك حتى الدول التي تعارضت معنا.
وتابع: نحن كعرب تعاطفنا مع العروبة بشكل عاطفي، وأخذ ذلك شكلاً عرفياً ولم يكن له أي تنظير، فالقوميات قاتلت مع الجيش السوري كالأرمن ليكون هنا الدمج بين الأرمني والعروبي، هذا أصبح جزءاً من القومية العربية التي تتطور وتستوعب القوميات الأخرى كالأتراك والشركس والأفغان، بالمنطق العرقي لا يمكن الحديث عن القومية مثل الأميركي والسوداني والكردي التي لم نعرف استثمارها.
كما اعتبر أن الحالة الفلسطينية انغمسنا فيها وتعاملنا معها عاطفياً وهي وجه المجتمع الذي فيه العديد من التناقضات كالقومية التي اعتبرت سور الحماية لنا.
ولفت إلى وجود الكثير من الاندماجات والتطور والمواجهة والفكر، فالغساسنة كانوا يتحدثون العربية وهذا يعني أن المنطقة لم تكن منغلقة واستوعبت الهجرات التي جاءت إليها مثل الهكسوس الذين جاؤوا إلى مصر من الجزيرة العربية.
وأكد أن قضية الاندماج قضية معقدة للأسف فقد تعاطفنا معها بشكل محدود إلا أن العروبة تستوعب الجديد ونفتخر بتلك القوميات لأنها لا تتناقض مع العروبة، والدليل أن الأرمن يدافعون عن سورية أكثر من قبل.
وأشاد الرئيس الأسد بسلطنة عمان التي «لم تقطع أيضاً علاقاتها مع سورية خلال أحداث السنوات السبع الماضية»، مشيراً إلى أن السلطنة بذلت جهداً كبيراً على ضوء عمق علاقاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية في الأزمة السورية وهو جهد مقدر بالنسبة لنا، لأننا ندرك حجم تلك الجهود والخطوات التي اتخذتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن