قضايا وآراء

في الذكرى 70 لصدوره.. قراءة قانونية في قرار حق العودة 194

| المستشار رشيد موعد

جاء القرار رقم 194 بتاريخ 11 كانون الأول 1948 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ15 بنداً وتضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، ونص بالدرجة الأولى على أمور ثلاثة هي:
أولاً: تشكيل لجنة توفيق من ثلاث دول أعضاء في الأمم المتحدة تقوم بالمهمات التي أوكلت بموجب قرار الجمعية العامة رقم 186 تاريخ 14 أيار 1948 إلى الوسيط الدولي السويدي الجنسية الكونت فولك برنادوت.
نص القرار على كيفية تشكيلها ومهامها، ويلاحظ أن هذه اللجنة ليست مكلفة من مجلس الأمن الدولي القيام بأي عمل، عدا ما نص عليه القرار من متابعة للمهام التي كلف بها وسيط الأمم المتحدة برنادوت، وبعد أن قدم الوسيط المذكور تقريره إلى الأمم المتحدة بتاريخ 16 أيلول 1948 وحمل فيه إسرائيل مسؤولية العدوان وتشريد شعب فلسطين عن أراضيه، حيث قال: «حين شاهدت جموع أهالي فلسطين ينزحون عن أرضهم ومنازلهم حفاة عراة أثار هذا المنظر أحاسيسي الإنسانية، وكان لابد من اقتراح توصية بهذا الموضوع».
في اليوم التالي 17 أيلول 1948 أقدمت العصابات الصهيونية المتكونة من الهاغانا وشتيرن والآرغون على قتله في كمين نصبته هذه العصابات على طريق القدس.
ثانياً- وضع القدس: نص القرار على جعل هذه المدينة مفتوحة، بإشراف دولي، كما نص على حماية الأماكن المقدسة في فلسطين كلها.
ثالثاً- حق العودة: الذي نحن بصدده، نص عليه القرار 194 في الفقرة 11، مستعملاً كلمة اللاجئين، وأشار إلى بعض التفاصيل القليلة المتصلة بهذا الموضوع من خلال لجنة التوفيق، ونصت هذه الفقرة على ما يلي:
«تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وعن كل مفقود، أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر، من الحكومات، أو السلطات المسؤولة، وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دفع التعويضات، وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة».
لم يذكر القرار 194 عبارة «الشعب الفلسطيني» ولا حق تقرير مصيره، بل أشار فقط إليهم بعبارة «اللاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم»، ولم يذكر صراحة تلازم حق العودة مع التعويض، وإنما أشار إلى وجوب دفع التعويض عن أملاك الذين يختارون عدم العودة وعن كل خسارة في الأملاك أو أي ضرر لحق بها، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عنها من الحكومات أو السلطات المسؤولة.
يبقى السؤال المشروع: ماذا عن التعويض لمن يعودون ويتعرضون لخسارة في الأملاك، أو أي ضرر لحق بها، أو لمن يعودون ويجدون أن منازلهم وأملاكهم قد دمرت كلياً أو جزئياً؟
لقد سكت النص عن ذلك، وأشار إلى موضوع يحتمل فيه الجدل ويكتنفه الغموض، ما يفتح باب الاجتهاد والتفسير، إذ ماذا تعني الإشارة إلى عبارة: «عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عنها من الحكومات أو السلطات المسؤولة»، فمن الذي يحدد هذا الوجوب، ومن الذي يقرر مبدأ الإنصاف والعدالة في ظل انحياز صارخ للكيان الصهيوني وازدواجية في المعايير تقلب موازين العدالة، وفي ظل تحالف بين الخصم والحكم ضد الضحية، ولماذا لم ينص على ذلك التلازم بين حق العودة والتعويض بشكل لا يقبل الجدل بوضوح ودقة وصراحة؟
لقد رفض العرب القرار 194 عند صدوره، وكانوا على حق في ذلك الوقت وتلك الظروف، بل ما زال أساس هذا القرار ومضمونه غير مقبولين من كثيرين جداً في الوطن العربي والعالم الإسلامي، فالقرار في معظمه يركز على تدويل القدس، وعلى حماية مدينة الناصرة، وأماكن فلسطينية أخرى مقدسة، ولم يذكر الأماكن المقدسة الخاصة بالمسلمين، بل انتزع منهم القدس ودَوّلها، وحين جاء على حق العودة لم يذكر فيه حق تقرير المصير لشعب وبلد كانا قد وضعا تحت الانتداب البريطاني عام 1922، ومن حقهما أن يعلن استقلالهما وأن يمكنا من تقرير المصير كما الشعوب الأخرى، لا أن يكون دور سلطة الانتداب، بتكليف من عصبة الأمم المتحدة آنذاك، هو تغيير التركيب السكاني وتأهيل اليهود وفلسطين لتكون دولة لهم.
جاء القرار 194 أيضاً على «لجنة توفيق» تتابع مهام مندوب الأمم المتحدة الوسيط الدولي برنادوت، ولكن اللجنة لم تنجز شيئاً من عملها، ولم يسأل أحد عن وجودها، وأشير إليها في القرار رقم 302 الصادر بتاريخ 8 كانون الأول 1949 عن الأمم المتحدة الدورة الرابعة المتضمن تأسيس وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى.
لم يرفض، العرب وحدهم، القرار رقم 194 الصادر عام 1948، بل رفضه الكيان الصهيوني أيضاً، وما زال رافضاً تنفيذه واضعاً كل العراقيل لهذا التنفيذ وكذلك يرفض الإقرار بمسؤوليته عن مأساة الشعب العربي الفلسطيني ومن ثم التزامه بحق العودة والتعويض.
الصهيوني، أوري أفنيري، وفي مقال له بعنوان: «حق العودة» قال: «لقد أدى رفض إسرائيل للالتزام بالقرار رقم 194 تاريخ 11 كانون الأول 1948 إلى ضياع فرصة تحقيق السلام مع العالم العربي»، وهذا لو كانت حقاً هنالك فعلاً فرصة جدية.
الكيان الصهيوني مشهود له بالمراوغة وعدم المصداقية، وحق العودة يرمز إلى جوهر الروح الوطنية الفلسطينية المتأهبة بين الشباب الذين يراهن العدو الصهيوني عليهم، إذ يقول: «الكبار يموتون والصغار ينسون»، ولكن ثبت العكس فالصغار هم أشد عزيمة وانتماء لأرضهم ووطنهم.
إن حق العودة لا يقبل التصرف وهو فردي وجماعي وشخصي ولا يقبل الإنابة أو الوكالة، كما لا يسقط بالتقادم مهما طال الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن