الأولى

سورية، السعودية واتفاق الطائف

بيروت – محمد عبيد : 

هل نجحت السعودية في الإمساك بالورقة اللبنانية في إطار خطتها لتجميع أوراقها الإقليمية بعد الاتفاق النووي الإيراني- الدولي أم هي على أبواب خسارتها؟
سؤال تطرحه الأوساط السياسية المراقبة لتطورات الأوضاع اللبنانية بعدما تصاعدت فجأة حملة سياسية – حكومية لكسر العماد ميشال عون وتياره كمقدمة لحصار حزب اللـه وفرض أمر واقع عليه يبدأ بجره إلى الموافقة على مرشح «توافقي» يستنسخ صورة الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان ولا ينتهي بإجباره على القبول بإعادة إنتاج الحريرية السياسية (الحريري- بري- جنبلاط) والتعايش معها، مع ما يعني ذلك من تكريس لدور سعودي متقدم في الحياة السياسية اللبنانية استمراراً للأبعاد الإقليمية في تسوية «الطائف» الشهيرة.
وترى هذه الأوساط أن الحملة اعتمدت على قراءة من وجهتين، الأولى: إن حزب اللـه مستغرق الآن في مشاركته بالقتال إلى جانب الجيش العربي السوري في الداخل السوري وعلى الحدود اللبنانية-السورية وبالتالي هو بحاجة إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه مما يُسهِل ابتزازه والضغط عليه لدفعه لثني حليفه العوني ومنعه من مواجهة قرارات وزيري الداخلية والدفاع حول تأخير تسريح مدير عام قوى الأمن الداخلي وقائد الجيش وإذعانه لخطوة تمرير القرارات والمراسيم المخالفة للدستور والقانون، وخصوصاً تلك التي تقع ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية. والثانية: إن الفرصة مؤاتية لتحضير المسرح السياسي اللبناني لملاقاة توازنات إقليمية تحاول أن تفرضها السعودية كردٍ على التوازنات الإقليمية الجديدة التي فرضها الاتفاق النووي الإيراني معنوياً وسياسياً على أن يترجمها مادياً ربحاً للمحور الذي تشكل فيه إيران دولة المركز وسورية الحلقة الذهبية والمقاومة وحلفاؤها في لبنان رأس الحربة في مواجهة العدو الإسرائيلي من جهة والعدو التكفيري من جهة أخرى.
وقد لا يبدو المشهد مختلفاً كثيراً عن مرحلة العام 2004 حين بدأت حملة سياسية مشابهة حملت عناوين (سيادة، حرية، استقلال) تمثلت بانقلاب من داخل السلطة- كما هو الحال اليوم- على الرعاية السورية وهدفت لملاقاة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 لإخراج الجيش العربي السوري من لبنان وحصار المقاومة تمهيداً لشن حرب عليها في العام 2006، وإتباع ذلك بالانقلاب أيضاً على العلاقات اللبنانية – السورية التي شكلت أهم بنود وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) عبر التنكر لاتفاقية «التعاون والتنسيق والأخوة» سياسياً وإن لم يتمكنوا من إلغائها دستورياً وقانونياً.
قد يبدو المشهد السياسي الداخلي اللبناني تفصيلياً من خلال تصوير الصراع على أنه تجاذب بين قوىً تتشارك الحكم وليس السلطة حول الشراكة وآلية عمل الحكومة والمراسيم وغيرها ولكن ذلك لا يلغي جوهريتها لجهة تجدد الصراع الداخلي حول موقع لبنان ودوره في الاصطفاف الإقليمي الجديد، وخصوصاً بعد تصادم أعمدة اتفاق الطائف الثلاثة: سورية، السعودية والولايات المتحدة الأميركية بعضها مع بعض في أكثر من ساحة عربية وإقليمية وأبرزها الساحة السورية وانعكاس ذلك على لبنان تحديداً نتيجة الجغرافية السياسية والعلاقات التاريخية المميزة بين البلدين وما لسورية من تأثير مباشر على التوازنات السياسية اللبنانية الداخلية، في حال كانت سورية «مرتاحة» أو كما هي اليوم تخوض مواجهة مع قوى إقليمية ودولية على أرضها تسعى لتغيير موقعها القومي أو دورها المحوري في صياغة صورة المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن