الأولى

دي ميستورا.. لا أسف عليك

| الوطن

أيام ويغادر المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا منصبه ليتفرغ لزواجه الجديد بعد أن تجاوز السبعين خريفاً، غير مأسوف عليه، فالرجل الذي كان يحلم طوال السنوات الأربع الماضية بتحقيق أوهام الدول الغربية التي أوصلته إلى هذا المنصب، أخفق، كما سَلَفيه، في فرض «الحل المرجو»، فما عجزت عن تحقيقه تلك الدول في الميدان وفي مواجهة الجيش العربي السوري، عجزت كذلك عن تحقيقه مع دي ميستورا في مواجهة السياسة السورية وثوابتها وتمسكها بسيادة القانون ودور المؤسسات.
ولأنها أدركت مبكراً من هم مشغلوه ومآربهم وأهدافهم، كانت الدبلوماسية السورية وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، في قمة الحذر من دي ميستورا وتوجهاته، وكانت المواجهة معه تتم بقمة الرقي والهدوء من خلال خطاب واضح وصريح يؤكد المبادئ الأساسية للدولة السورية وللمواطن السوري وهويته وتاريخه، خطاب رافض للخضوع والاستسلام، مبني على دروس تلقاها دي ميستورا في القانون الدولي وحق الشعوب في اختيار مستقبلها وتحديد مصيرها، وذلك على مدار جولات جنيف المكوكية، وزياراته القليلة إلى دمشق التي كانت تستقبله ببرود شديد وبعد تدخل وسطاء، لأنها بطبيعتها لا تستقبل الأعداء ولا من في حكمهم، وتفضل لقاءهم فوق أراض حيادية، كما هو حال سويسرا.
في الأمس لم يكن مستغرباً ما صدر من كلام وتهم على لسان المبعوث الخاص، وخاصة أنه كان يتحدث من الدوحة، وهي من العواصم التي دعمته في توجهاته وطالبته بالدوام بالدفاع عن الإرهاب والإرهابيين والتدخل مباشرة في بعض الحالات لإخراجهم وإنقاذهم، كما حصل في حلب منذ عامين.
هذا تصرف كان متوقعاً من شخص مهزوم سياسياً وأخلاقياً، لكن المفاجأة كانت أنه قرر أن يتحدث من الدوحة، بدلاً من بث سمومه في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن، وقد يُفسر الأمر على أن المبعوث الخاص أدلى بدلوه طمعاً بهدية زفاف «أميرية» تليق بمستوى التهم التي أطلقها وقد يطلق المزيد منها مع الأيام المقبلة.
دي ميستورا يرحل وهو يشن آخر هجماته على سورية، مردداً السخافات ذاتها التي دأبت قوى الإرهاب على ترديدها ولم تنجح في إقناع حتى الأطفال منا! يرحل وفي قلبه حسرة أنه لم يتمكن من تدمير سورية الدولة ولم ينجح في فرض أجندة الغرب على السوريين.
يرحل وهو لم يتمكن من تعيين من كان يريدهم في اللجنة الدستورية، وكانت هذه اللجنة التي شكك بمصداقيتها يوم أمس، آخر محاولاته في فرض دستور جديد على السوريين، وقد وضع تصورا ومخططا ومبادئ له، دون استشارة أي سوري، بل مستشيراً السعوديين والقطريين ومن لا دستور لهم ومن لا يريدون لسورية البقاء!
في دمشق، لن نأسف يوماً على رحيل ستيفان دي ميستورا، وسنترك للتاريخ أن يحاكم هذا الرجل الذي فضحت دوره محاضر فينا وجنيف وأستانا، التي نرجو أن تنشر يوماً، وفضحته مواقفه الرافضة لإدانة العمليات الإرهابية التي كانت تستهدف السوريين الأبرياء، أو الغارات الجوية لما يسمى «التحالف الدولي» الذي قتل مدنيين وعسكريين سوريين، واحتلال الأراضي السورية من قبل قوات غازية تركية وأميركية وغيرها، وفتح الحدود لعبور الآلاف من الإرهابيين باتجاه العمق السوري، وكان همه الوحيد البحث عن إدانة ما للدولة السورية، ظناً منه أنه بذلك يحرجها ويدفعها نحو تقديم بعض التنازلات.
لكنه كمشغليه، كان واهماً وغير موفق في اختيار مقاربته لحل «أزمة» سورية، وكان جاهلاً في تاريخ السوريين الذين على مر العصور، لم ينفذوا أمراً واحداً لم يكونوا على قناعة تامة فيه، ولن يفعلوا مهما بلغت الأثمان، وعلى المبعوث الخاص الجديد أن يدرك هذه الحقيقة قبل البدء بمهامه.
وداعاً دي ميستورا مع تمنياتنا لك بحياة رغيدة بكنف زوجك الجديد، على أمل أن تكون قادراً على وضع دستور لزواجك يعوضك عن إخفاقاتك المتتالية في ملف سورية وانحيازك الأعمى لقوى الظلام، وإن كان من هدية سنقدمها لك لمناسبة رحيلك وزواجك، فستكون تطهير سورية من كل إرهابي سبق أن دافعت عنه. في الذكرى الثانية لتحرير حلب التي تصادف بعد أيام قليلة، نعود ونؤكد أن لا أسف عليك وعلى أمثالك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن