الحزن ليس مهنتي!
عصام داري :
يقول مطلع أغنية إيطالية: الحزن.. في أيلول، هي أغنية رومانسية ساحرة، وها نحن ندخل اليوم شهر أيلول، الذي يرتبط في ذاكرتنا العربية بالأحزان، ولا أريد أن أنكأ جروحاً عمرها سنوات عديدة خلت.
كفانا حزناً ومصائب وكوارث وطنية وقومية وحتى شخصية، فإذا كان الراحل الكبير محمد الماغوط قد «بصم» ديواناً حمّله عنوان «الفرح ليس مهنتي» فأنا الفقير لله، الغني عن سواه، سأبصم هنا، ـ وفي هذه الصفحة من «الوطن» لأعلن بأن الحزن ليس مهنتي.
لا يعني هذا أن الفرح مهنتي، بل ربما في ظل كل ما مرت فيه أسرتنا السورية الكبيرة من مآس وأحزان وكوارث نادراً ما تعرض له شعب على مدى التاريخ، أقول ربما توقعنا أن الأسوأ قد مضى، وأن وقت التعافي وتضميد الجراح قد بدأ، لذا علينا أن نتخلى عن أحزاننا، ونرتقي إلى مستوى فرح مرسوم في عيون الأطفال التي أضناها الخوف والرعب والبكاء والصراخ والعويل. وما بين التناقضات، المعقول واللامعقول، الحزن والفرح، الحب والكراهية، التسامح والحقد، الإنسانية والهمجية، النور والظلمة، الانفتاح على الدنيا والتقوقع في قمقم التخلف والجهل، بين هذا وذاك تمضي الحياة، لاشيء يستطيع إيقاف عجلتها المندفعة دائماً نحو الأمام.
بما أن الحزن ليس مهنتي، ولأن «العمر قصير» كما قال نزار، فلماذا لا نعمل على إلقاء أحزاننا في أول سلة مهملات، ونصنع فرحاً مسروقاً من أنياب حزن عتيق عشش في النفوس والأرواح؟.
جميل أن نزرع الأزاهير والورد بدلاً من الأشواك التي زرعوها في دروبنا وبساتيننا، وروعة أن نحصد مواسم خير وعطاء بعد سنوات طوال عجاف، غادرنا فيها الغيث، وتخلت عنا السماء.
وصفة واحدة كفيلة بانتزاعنا من وحدتنا وأحزاننا وإبعادنا عن اليأس والقنوط، وقد قرأت حكماً جميلة تقول: من يملك الأمل يملك دائماً سفينة يمخر بها عباب البحر.
يقول شاعر:
على الرجاء يعيش الناس كلهم
فالدهر كالبحر والآمال كالسفن
ولو أردنا المضي في استحضار الحكم والأشعار التي تدور عن الأمل والتفاؤل لطال الحديث، وما اتسعت الصفحات.
من فضل اللـه على بني البشر أن وهبهم نعمة النسيان، وأعطاهم القدرة على تجاوز المحن، ووهبهم التفاؤل الذي يخرجهم من حال إلى حال، ويمنحهم الخيال الذي يجعلهم يبدعون في صنع المخارج من الأزمات، وحل المشاكل التي ظنوا أن ليس لهل حل.
نحن اليوم أحوج ما نكون للخيال والأمل والتفاؤل كي نستطيع الخروج مما وصلت بلادنا إليه، وسط هذا الموج المتلاطم من أزمات ومشاكل ومصائب لم يكن أحد في الدنيا أن يتصور مجرد إمكانية حدوثها، فإذاً، هي تحدث وتتكرر المرة تلو الأخرى.
الأمل بنك مفتوح تمتلك فيه رصيداً هائلاً، فإما أن تستخدم هذا الرصيد وتسحب من البنك، فيزداد، وإما أن تمارس بخلاً في استثمار الأمل، فتفقد أفضل سلاح تواجه فيه غوائل الأيام، وغدر الزمن، وتخلي الناس عنك.
إنها وصفة مجربة تفتح أمامنا آفاقاً لا حدود لها، وعندها يمكننا القول إن الفرح مهنتنا، ووداعاً أيها الحزن، فقد انتهت إقامتك عندنا، وألغينا الفيزا بعد عذاب مرير.